بقلم: احمد النداف

مرة جديدة يعود العراق ارضاً وشعباً وتاريخاً ومستقبلاً الى دائرة الخطر وهو الذي لم يغادرها أصلاً منذ الغزو الأميركي واسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسن وتحطيم البني الاساسية للدولة من جيش ومؤسسات وبالتالي تركه من دون اي قوانين ودساتير ناظمة لحياته اليومية وهو البلد الذي كان يعد من الدول القوية وخزاناً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لحماية المنطقة العربية برمتها والاسلامية كذلك.

فمنذ اللحظة الأولى لاحتلاله من قبل القوات الأميركية المدعومة من قوات التحالف عمدت الى تخريب مكوناته فقد اصدر الحاكم الأميركي وقتها حل جيشه الوطني وشطب وزاراته والغائها وكذلك اعادة رسم خريطته الجغرافية الداخلية وتفصيلها على أسس اثنية وعرقية ودينية تمهيداً لزرع الفرقة بينهم ودفعهم لصراعات تناحرية عرف الشعب العراقي كيف بدأت لكنه لا زال يجهل ولا يدري متى تقف وتنتهي.

وبطبيعة الحال صيغة العراق "الجديد" ادخلته في اوضاع خطيرة لا زالت تهدد مصيره وتاريخه وحاضره ومستقبله، ليس أولها ولا آخرها مخاطر تقسيمه الى ثلاث دويلات عرقية اثنية وعلى أسس طائفية ومذهبية يستحيل معها ان يستطيع العراق من استعادة وحدته ووحدة شعبه خصوصاً وان هذا البلد وعلى الرغم من انسحاب القوات الاميركية والاطلسية الغازية وتسليمه لقيادات عراقية ثبت انها على درجة عالية من التعامل والتعاون مع الاحتلال ومشاريعه ومخططاته ليس للعراق وحسب بل لكل المنطقة العربية.

ومن اجل ذلك ادخلت هذه القيادات والسلطات الشعب العراقي في صراعات دموية بشعة ألبست لبوس الطائفية والمذهبية ليتأجج معها الصراع المذهبي ما بين الطائفة الشيعية من جهة والسنية من جهة ثانية وكذلك تأجيج الصراع ما بين العرب والأكراد وكذلك التركمان دون ان ننسى الطوائف والاديان والاعراق الاخرى.

وهذه الحالة اوصلت الشعب العراقي الى مرحلة خطيرة جداً اصبح معها تقسيم العراق جغرافياً مخرجاً وحيداً ونتيجة حتمية بديلاً من التفجيرات والاغتيالات والاعمال الارهابية التي تطاول الشعب العراقي اينما تواجد او انتمى.

وللأسف هذه الحالة تؤججها وتغذيها ممارسات السلطة البديلة والمتمثلة حالياً بسلطة وحكومة المالكي التي أدخلت نفسها ومعها العراق شعباً ومؤسسات وموارد في اتون الحروب المتنقلة على امتداد العالم العربي والاسلامي. وكذلك ادخلت نفسها في احلاف دولية تتعارض أول ما تتعارض مع مصالح الشعب العراقي العربي والتي تؤدي الى نهب ثراوته ومقدراته التي تسخّر حالياً ونظراً لضخامتها وحجمها لغير مصلحة الشعب العراقي. فالبترول العراقي حالياً مرهون للمشيئة الاميركية المستورد الوحيد له وبأسعار لا تتناسب مع اسعار السوق العالمية وعلى الرغم من ذلك تذهب بغالبيتها هدراً بحجة "تسديد تكاليف" الاحتلال الأميركي حيث يتم وضع الجزء اليسير وهو ليس صغيراً بأي حال حيث يقدر بالمليارات بأيدي الطبقة الحالية لتكدسها في حساباتها وتستخدمها لمنافعها الخاصة دون الالتفاف لمتطلبات الشعب العراقي واحتياجاته الذي بات اليوم ونتيجة لهذه السياسة من افقر الشعوب على وجه الارض بعدما كان من اغنى الشعوب وأكثرها رخاءً وأصبح يعاني فقداناً لأكثر نواحي الحياة كالطبابة والتعليم والسكن والغذاء وهي النواحي الأولية التي يتطلبها اي شعب على سطح الخليقة ومما زاد الطين بلة الوضع المأساوي للشعب العراقي ادخاله في اتون حرب طائفية ومذهبية تغذيها تفجيرات وعمليات ارهابية متنقلة في ربوعه والتي تستهدف أولاً وأخيراً دون تفرقة او استثناء وحتى لو استهدفت في مرحلة مكوناً من مكونات الشعب العراقي لأظهاره بان ما يجري على ارضه هو صراع مذهبي وديني وعرقي. تغذيه للأسف حكومة المالكي المفترض ان تكون ممثلة لكل الشعب العراقي واطيافه. ولعل ما يجري حالياً في مناطق كثيرة يغلب عليها صبغة مذهبية محددة وطائفية بعينها وهي الطائفة السنية يصب في خانة ما تروجه له الحكومة العراقية الحالية من انه صراع مذهبي وان مواجهته من قبلها هو مواجهة الارهاب مستخدمة العناوين التي استخدمها ولا زالت قوات الاحتلال الأميركي واعوانه في المنطقة العربية وفي المقدمة منها الاحتلال الاسرائيلي للارض الفلسطينية الذي يصدر نفسه بانه واحة من الديمقراطية في مواجهة الارهاب الدولي وهو نفس الصيغة التي تستخدمها الحكومة العراقية هذه الايام.