هيفاء داوود الأطرش

رغم إجماع غالبية اللاجئين الفلسطينيين في سوريا باتخاذ الحياد في الأزمة السورية ، منذ بدايتها ، إلا أنه تم إقحامهم في دوامة الصراع هناك ؛بكل الاشكال التي قد تؤثر فيها الحروب عادةً على البشر .

ومنهم من اضطر للهجرة خارج المخيمات المتضررة إلى مخيمات كانت لا تزال أكثر أماناً ؛ أو مناطق أخرى في سوريا تعتبر أقل توتراً من أماكن إقامتهم .

وهؤلاء لم يغادروا سوريا بسبب ارتباطهم بأعمالهم ووظائفهم في مؤسسات الدولة السورية بوسط العاصمة دمشق، أيضاً كونهم أهالي لطلاب جامعيين أو شهادتي الاعدادية أو الثانوية ، وهم قادرون على استئجار منزل في المناطق الأقل توتراً، بالإضافة إلى أملهم بالعودة السريعة لمخيماتهم واعتقادهم بانتهاء أزمتهم بسرعة ؛ رغم خروجهم قسراً من منازلهم في مخيماتهم المعرضة للخطر.

ولقد هاجر لاجئون فلسطينيون إلى خارج سوريا طلباً للأمن الشخصي والعائلي الذين تم تهديدهم مباشرة ً، بما تعنيه الكلمة من معنى ، وبسبب تعرض منازلهم وممتلكاتهم للتدمير الجزئي أو الكلي أو التضرر ، وإنقاذ أنفسهم من نيران لا ترحم.

وبذلك تم تهجير قرابة 420 ألف لاجئ فلسطيني داخل وخارج سوريا حسب الأونروا،حيث بلغ تعداد النازحين داخلياً 235 ألف لاجئ ، و 80 ألفا غادروا إلى بلدان مجاورة مثل الأردن ولبنان وتركيا ومصر ودول أخرى . منهم51 ألف مهجر فلسطيني إلى لبنان ( 52% في المخيمات الفلسطينية،و48% خارج المخيمات ).

وبعد تفريغ مخيمي الحسينية والسبينة جنوب دمشق تماماً من سكانهما، بسبب دخول الجيش الحر إليهما ، لا يزال أهالي هذين المخيمين المهجرين عنهما ، يعانون عدم المقدرة على العودة رغم إخراج الجيش الحر على يد الجيش النظامي لدواعي أمنية حسب الأخير .

وبرز مخيم اليرموك - الذي كان يعد أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين – بأزمته غير الاعتيادية ، حيث بقي فيه ما يقارب العشرين ألف لاجئ فلسطيني محاصرين حصاراً مطبقاً منذ قرابة الستة أشهر منهم قادمين من مخيمات الحسينية والسبينة ،وقبل ذلك تم فرض حصار جزئي على المخيم منذ سنة تقريباً، أما الذين بقوا هم سكان المخيم الاصليين فلم يخرجوا منه لأسباب عدة منها الحفاظ على كينونة المخيم بما يمثله من رمزية للعودة إلى فلسطين ، ومحاولةً منهم حماية ممتلكاتهم التي تأسست عبر سنين غربتهم عن وطنهم الأم منذ نكبة 1948، والسبب الثالث هو عدم القدرة على تحمل التكاليف المادية التي سيترتب عليها خروجهم في حال تم ذلك .مع التأكيد من قبلهم أنهم لم ولن يكونوا حاضنة لأحد من طرفي الصراع أو ما يمت بصلةٍ لهما ؛ وهذا يصب في حيادية موقفهم الذي أعلنوا عنه منذ بداية الازمة السورية .

وإن أهم بل وأخطر ما وصفت به الحالة السورية ، هو وصفها في بيان للوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين

( الأونروا ) ، بأن بات للأزمة السورية بعداً فلسطينياً ، بسبب التأثير الخطير الذي طال اللاجئ الفلسطيني هناك .

وبدا عجز الأونروا عن حماية هؤلاء اللاجئين واضحاً في تصريح لمدير العمليات في سوريا مايكل ماكنزي على هامش اجتماع اللجنة الاستشارية للوكالة في الأردن ، عندما عرض تطورات الاوضاع المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين في سوريا ، وخاصة مخيم اليرموك وأشار التصريح أن هناك تغييراً جغرافياً للجوء الفلسطيني في سوريا ، حيث طالب ماكنزي الحكومة السورية والمعارضة بتوفير الحماية اللازمة لهؤلاء اللاجئين .

ولقد سلطت الأونروا الضوء على نقطة حساسة وخطيرة وهي إبقاء المحاصرين في مخيم اليرموك تحت ظروف قاسية ، وعدم السماح لموظفيها بإيصال المساعدات إليهم ، رغم الاتفاقات والمحاولات الكثيرة لرفع معاناتهم ؛ وها هم يدخلون الشهر السادس في حصارٍ جائرٍ ، ومع دخول فصل الشتاء القارس وتساقط الثلوج التي حملت لهم بؤساً إضافياً على عكس عادتها ، تنعدم حتى الحشائش الهشة التي كانت تسند أمعاءهم الخاوية في الأيام الأخيرة من سنة 2013 فيضاف إلى قوائم الموت شهداء الجوع حيث سجل في شهر كانون الأول قرابة 15 لاجئاً قضوا جوعاً معظمهم من الأطفال.

وذكرت إحصائيات غير رسمية  أن 200  فلسطيني لقوا حتفهم غرقاً قبالة سواحل البحر الابيض المتوسط ، بعد فرارهم من سوريا ؛ حيث أن 6000 لاجئ فلسطيني كانوا قد هربوا إلى مصر .ولم تستطع الأونروا تقديم المساعدات لهم بسبب عدم وجود تمثيل للأونروا في مصر .أيضاً لم تفلح كل النداءات بفتح حدود الأردن أمام اللاجئ الفلسطيني.

وكانت بيانات الاونروا تتوالى في الصدور لتشرح وضع الفلسطينيين في سوريا ، حيث أشار المفوض العام فليبو غراندي في وصفه للوضع بأن حال اللاجئين الفلسطينيين جدُّ خطير ، وأنه تم مقتل ثمانية موظفين من الأونروا واختفاء 19 آخرين .

 ولقد رصدت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا بالتعاون مع الشبكة الأوروبية للدفاع عن حقوق الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين عمليات الاعتقال للاجئين الفلسطينيين ضمن تقرير مفصل .

واستمر حصار مخيم اليرموك بقسوةٍ على المدنيين الفلسطينيين هناك ،رغم تأكيد الأونروا في بيانها الصادر في عمان مؤخراً أن السلطات السورية وكافة الأطراف المعنية ، تملك السلطة للسماح للأونروا بتقديم المساعدة الانسانية بسلام في اليرموك ، من أجل تخفيف المعاناة الحادة التي يعانيها المدنيون المحاصرون ، جراء عدم السماح لهم بحرية الحركة للوصول إلى هذه المساعدات ، وبسبب مخاطر التعرض للنزاع المسلح بين الطرفين ،حتى حملة الوفاء الأوروبية التي وصلت دمشق قدمت مساعداتها على ثلاث دفعات في مناطق اللجوء الداخلي للفلسطينيين ، لكنها لم تستطع الدخول لمخيم اليرموك ولم توصل مساعداتها لكل الفلسطينيين المتواجدين فيه ، بسبب ظروف تسليم المساعدات عند البوابة الجنوبية للمخيم ، لكن كل ذلك يبدو نتيجة قرارٍ سياسي خطيرٍ وبامتياز وعدم تقديرٍ حقيقي من قبل جهتي الصراع للوضع المأساوي في المخيم حسب مراقبين .

ويؤكد البيان الصادر عن الأونروا أن المناشدات المتعلقة بمخيم اليرموك تتسق مع البيان الرئاسي لمجلس الأمن الدولي التابع للامم المتحدة بخصوص الوضع الانساني في سوريا ، والذي تم تبنيه في الثاني من تشرين الأول 2012 ، وفي هذا إشارة إلى إمكانية تدويل قضية حصار مخيم اليرموك وحل أزمته وهذا ما يفترض التوجه به ضمن استراتيجية فلسطينية جديدة من أجل فك حصار عشرين ألف فلسطيني وإيجاد حل جذري لهذه المأساة الانسانية .

ولقد أجريت احصائية سريعة للخسائر البشرية للاجئين الفلسطينيين في سوريا ، بتاريخ تشرين الثاني 2013حيث سجلت 1730 شهيداً و672 معتقلاً فلسطينياً، ولم تشمل الإحصائية الجرحى بسبب صعوبة الظرف الأمني هناك ، وبسبب تشتت

اللاجئين أثناء خروجهم القسري من مخيماتهم .

وللآن لم تفلح مبادرات منظمة التحرير الفلسطينية والمبادرات الأهلية والشبابية الفلسطينية هناك في حل أزمة مخيمات سوريا وخاصةً اليرموك ، حيث تتالت المبادرات فكان أولها في شهر شباط 2013 بالنسبة للمنظمة ، ولا زالت المحاولات لحل الأزمة وكان أبرزها مؤخراً اتفاقاً لم ير النور ، كان سيتولد عنه إخراج المسلحين من المخيم وإدخال المساعدات بإشراف  م . ت .ف حيث أن السلطة السورية اعتبرت أن الطرف الوحيد المخول بالتمثيل الفلسطيني هناك هو المنظمة بعد التفاهمات. لكن مؤشر الخط البياني لحل أزمة اللاجئين الفلسطينيين المحاصرين في مخيم اليرموك كان يرتفع ملامساً خط الأمل بالحل ، ليعود هابطاً وبسرعة مفاجئة إلى أدنى حدود اللا حل ، تحت أزيز الرصاص الذي لا ينتهي في دورة الاشتباكات المتصاعدة  بين القوات النظامية وعناصر القيادة العامة ( أحمد جبريل ) من جهة ، والجيش الحر وما تبعه من جهة أخرى والذي عاد ليتمترس في المخيم بحجة عدم تنفيذ الاتفاق الأخير بين سلطة النظام  ووفد م . ت. ف ،حيث كان شرط المعارضة السورية المسلحة في المخيم عدم دخول عناصر القيادة العامة التابعة لجبريل والمناصرين للنظام السوري . فعادوا جميعاً ومن الطرفين والعود ليس بأحمد هذه المرة .

ويبقى اللاجئون الفلسطينيون المحاصرون يعانون برداً لا يعرف الرحمة ، ولا يستطيع إطفاء لهيب القذائف المنهمرة عليهم ، وجوعاً يمزق أحشاءهم الفارغة إلا من أصوات قرقعة ٍ ترد على ضجيج القصف والاشتباكات ، لكن الصوت لا يصل لمن يصمون آذانهم ، "وأسمعتَ إذ ناديت حيا "ً.

حتى المركز والمأوى الوحيد والأخير للمخيمات في سوريا ، ألا وهو مخيم دنـُّون جنوب العاصمة دمشق ، والذي تكدست فيه العائلات الفلسطينية المهجرة من مخيمات دمشق، فقد أصبح هذا المخيم مهدداً بالحياة بسبب اكتظاظه بسكانه والضيوف ، وبسبب غلاء المعيشة وحدة الفقر ، وفي هذا الصدد أطلقت نداءات انسانية من أجل إنقاذ مخيم دنـُّون ومن فيه .

ولقد تداعى مركز حقوق اللاجئين ( عائدون في لبنان ) ومجموعة عائدون في سوريا بالتنسيق مع الائتلاف الفلسطيني العالمي لحق العودة إلى ندوة في بيروت أواخر أيار 2013  لتدارس تداعيات الأزمة السورية على فلسطينيي سوريا ضمن عدة محاور للوضع الراهن للفلسطينيين هناك ومعاناتهم واحتياجاتهم ، وتحديد المسؤولية الدولية والعربية والفلسطينية  تجاههم .

كما عقد مؤتمر العودة الثاني في الأردن  بشهر تشرين الثاني 2013   ، حيث تم التأكيد فيه على حرمة المخيمات الفلسطينية في سوريا ودعت إلى تجنيبها الصراع الدائر هناك ، وتجريم ما يحصل للاجئين الفلسطينيين من حصار وقصف وقتل وتهجير وتجويع .

كما دعت الهيئات الاغاثية ومؤسسات الامم المتحدة لتقديم الإغاثة العاجلة للفلسطينيين سواء من بقي منهم في سوريا أو تهجر خارجها قسراً دون تمييز عن اللاجئين السوريين .

وجدير بالذكر أن تلك المؤتمرات والندوات التي تقيمها المؤسسات والهيئات الفلسطينية لا تستطيع إلزام أطراف الصراع بإنهاء أزمة اللاجئين الفلسطينيين ، لأن الخيوط كلها بيد قرارٍ سياسي ٍ أمريكي وإقليمي يحرك المنطقة بأكملها حسب محللين سياسيين.

وبالنظر إلى معاناة المهجرين الفلسطينيين من سوريا إلى خارجها ، فإننا نجدها تزداد يوماً بعد يوم ، سواء في لبنان أو مصر ، أو الحدود الأردنية ؛فبعد إصرار المهجرين على امتطاء مراكب الموت في عباب البحر الغادر ، بسبب ما يتعرضون له من قهرٍ وظلم ، وفقدانٍ للكرامة الانسانية ، في شتاتهم المتوالي ، تواجههم السجون والاعتقالات في مصر ، والتي تفتقد لأدنى الشروط الصحية والانسانية ، حيث بلغ عدد المعتقلين أكثر من 50 فلسطينياً ، وتم عرض عدة خيارات عليهم من قبل السلطات المصرية ، حسب الممثل الاقليمي للمفوضية العليا للاجئين محمد ديري ، وهي إرغامهم على دفع ثمن بطاقة السفر للعودة إلى سوريا أو أي بلد مجاور أو البقاء في السجن لمدة غير محدودة . وكلا الأمرين مرُّ .

أما من تهجر من فلسطينيي سوريا إلى لبنان ،فقد عانى معاناة ً شديدةً تلقفته من الحدود ، حيث لم يتم معاملتهم كلاجئين من الحرب ، بل كسياح من خلال دفعهم  لرسوم الدخول المترتبة على أي أجنبي يدخل لبنان .وبهذا الصدد نادت المؤسسات والمنظمات الحقوقية والوطنية الفلسطينية بتفعيل بروتوكول الدار البيضاء ، المعني بتسهيل تنقل الفلسطينيين في الوطن العربي .

ولقد واجه المهجرون الفلسطينيون في لبنان صعوبات بالغة في حياتهم المؤقتة على الأراضي اللبنانية ، حيث بقي هاجس موضوع إقامتهم واعتبارها غير قانونية لمن تجاوز السنة يؤرق مضجعهم ، وقد بلغ رسم الإقامة بهذا المنحى للفرد من سن 15 وما فوق قرابة 225 دولاراً أمريكياً ، في ظل عدم مقدرتهم على دفع المبلغ ،خاصة أن متوسط عدد العائلة الواحدة هو خمسة أفراد . ومن ضمن المعاناة التي يواجهونها في لبنان، مشكلة تسجيل المواليد الجدد وهي مرتبطة بوجوب دفع رسوم الإقامة للوالدين لمن تجاوز السنة، وإلا لن يتم تسجيل هذا المولود ،أيضاً المشكلة قائمة عند المهجرين الذين دخلوا بطريقة غير شرعية من جهة تسجيل المواليد وتقديم المساعدات الاغاثية التي حرموا منها، من قبل الجمعيات الإغاثية ، إلا من قبل الأونروا ، ومن عدم قدرتهم على دفع رسوم الإقامة لمن تجاوز السنة، حيث بلغت 633 دولاراً أمريكياً للفرد ،هذا بالاضافة إلى استغلال المهجرين من الجمعيات الإغاثية المسيَّسة ، حيث يرتهن تقديم المساعدات للمهجرين حسب مواقفهم السياسية ، وهذه قمة انتهاك حقوق الانسان في ظل حاجته الماسة للمساعدة .

وبذات الموضوع أقامت الأونروا مؤتمراً من قبل مشروع المساعدة القانونية ، بتاريخ 31 كانون الثاني2013 وبتمويل من UKaid البريطانية  ، لفهم الحالات القانونية للمهجرين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان ،حيث حضرت جميع المؤسسات والهيئات واللجان المعنية ، وركز المؤتمر على قضية اللاجئين والسجل المدني خاصة تسجيل المواليد ، وتم نقاش القضايا القانونية للحياة الطبيعية للفلسطينيين اللاجئين في لبنان واللاجئين السوريين والفلسطينيين من سوريا، والانتهاكات التي يتعرضون لها كمهجرين من الناحية الإغاثية وما يحتاجه المهجر ومن الناحية الصحية والاجتماعية والتعليمية .

وقد تم الاتفاق على العمل لإنجاز توصيات المؤتمر ومن ضمنها :

•           تسهيل موضوع تجديد الإقامة للفلسطيني السوري.

•           العمل على الإعفاء من دفع رسوم الإقامة .

•           حث وزارة الداخلية على تسجيل الولادات حتى في حال عدم شرعية دخول والدي الطفل.

•           اعتماد دفتر العائلة بدل إخراج قيد النفوس ، نظراً لصعوبة الحصول عليه من سوريا بسبب الاوضاع الراهنة.

وفي نفس السياق تقريباً تم إجراء البحث السريع بمشاركة  جمعية عمل تنموي بلا حدود ( نبع ) ومركز التضامن الاجتماعي ومؤسسة المستقبل، والذي أعدته لجنة الفتيات في مشروع ( مساعدة المرأة في ظروفها الصعبة ) بدعم من هذه المؤسسات التي أصدرت تقريراً رصد انتهاكات حقوق المرأة اللاجئة الفلسطينية والسورية ، وتم إقامة ورش عمل ناقشت كل ما يمت بصلة لما سبق ضمن مشروع ( مساعدة النساء في أوقات الحروب ).

وضمن خطة الاستجابة الطارئة للأونروا والمتعلقة بسوريا للعام 2014  والتي أطلقتها بتاريخ 17 كانون الثاني 2013

 جاء مايلي :

•           إن التوقعات بالنسبة للاجئين الفلسطينيين من سوريا قاتمة بشكل متزايد .

•           إن المجتمعات وسبل المعيشة والأصول وشبكات الدعم التي تم بناؤها بشق الأنفس عبر عقود طويلة تتعرض حالياً للتدمير.

•           من حيث النسبة والتناسب فإن النزوح من أوساط الفلسطينيين يعد أعلى بكثير منه في أوساط السوريين .

وفي هذه النقاط المطروحة مؤشرات على خطورة الوضع الفلسطيني في سوريا ،ودلالات على صعوبة تأمين عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مخيماتهم ، حيث يتطلب ذلك إرادة سياسية غير منظورة حالياً لكنها منتظـَرة من المتضررين ، وإعادة إعمار كاملة غير مؤمن لها أدنى المتطلبات اللوجيستية  لإعادة الوضع كما كان عليه ، والواضح أن حل أزمة اللاجئين الفلسطينيين ومخيماتهم  مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحل الأزمة السورية كلها .

ولقد أعلنت الأونروا أن هذه الخطة تستحق الدعم الكامل من المانحين ، بسبب أنها إطار عمل فعَّال وعملي لتسهيل معاناة اللاجئين الفلسطينيين داخل سوريا والمنطقة ؛ وأضافت في خطتها أن الأونروا ستقوم بالبناء على تجربتها للعامين الماضيين من أجل الاستمرار بمساعدة اللاجئين على تجاوز الظروف القاسية التي يفرضها النزاع السوري .

ومما جاء في هذا البيان أن 270 ألف شخص أصبحوا نازحين في البلاد من أصل 540 ألف لاجىء فلسطيني، وحوالي 80 ألفاً فروا للخارج منهم 51 ألف شخص إلى لبنان ، فيما وصلت أعداد قليلة إلى غزة وتركيا وأماكن أبعد .وطلبت الأونروا في هذا الصدد مبلغ 417.4 مليون دولار أمريكي ، سيتم تخصيص 310 مليون منها لدعم الاحتياجات الانسانية للفلسطينيين داخل سوريا ، و90.4 مليون دولار للبنان ، ومبلغ 14.6 للأردن ، فيما تبرز الحاجة لمبلغ 2.4 دولار لتخصيصها خارج نطاق أقاليم العمليات الثلاث المذكورة ، بما في ذلك المساعدة النقدية لعائلات اللاجئين الذين هجروا إلى غزة ، وللتنسيق الإقليمي والدعم وكسب التأييد .

وكل ذلك بالطبع مرهون بموافقة الدول المانحة من أجل إغاثة اللاجئين الفلسطينيين ، والقرارات السياسية الدولية التي ستحدد كيفية مستقبل هؤلاء اللاجئين .

أما المساعدات التي تقدم للاجئين الفلسطينيين المهجرين من سوريا إلى لبنان فإنها لا تزال  غير كافية ، وغير مخطط لها بشكل صحيح ، فهي على الأقل يجب أن تكون دورية وشهرية ،ووفقاً لاحتياجات المهجرين خاصةً في ظل انعدام سوق العمل لهم، وحتى انعدامه بالأصل للاجئ الفلسطيني في لبنان الذي يعاني الأمرّين في هذا المجال فهو محرومٌ من مزاولة أكثر من سبعين مهنة .

ومن الجهات التي قدمت المساعدة لهؤلاء المهجرين وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأونروا)كونها المسؤول الأول عن قضيتهم وفي شتى الظروف الواقعة عليهم ؛ وبهذا خصصت الأونروا بشكل فعلي مساعدة مالية تسلم للمهجر الفلسطيني من سوريا كل ثلاثة أشهر تقريباً ،وبلغت للآن خمس دفعات ، بدءاً من الشهور الأولى لعام 2013  ، ووفق آلية صرف أخذت بعين الاعتبار حجم العائلة  دون الأخذ بمتطلباتهم الحقيقية واحتياجاتهم ؛ وتعتبر هذه المساعدة مجحفة بحقهم ،حيث بلغت للعائلة الواحدة يومياً قيمة  ألف ليرة لبنانية أي أقل من دولار واحد إذا قسِّمت الدفعة المالية على ثلاثة أشهر أو ما يقارب ، في بلد ٍ تعانق فيه أسعار البضائع الاستهلاكية عنان السماء ولا سبيل لهبوطها تحت القوانين .

أما منظمة التحرير الفلسطينية بما تمثله عنها اللجنة الشعبية للمنظمة والتي وجدت لخدمة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بالأصل، والمؤسسات التابعة لفصائل المنظمة والمؤسسات الوطنية والأهلية والاسلامية الفلسطينية فإن مساعداتها لا ترقى إلى مستوى احتياجات المهجرين ،بسبب شح الدعم والإمكانات المقدمة لها من المانحين الداعمين لتلك المؤسسات ، وبسبب عدم التنسيق الإغاثي بين تلك المؤسسات ضمن برامج مدروسة بشكل عملي على الأرض من حيث توحيد المعلومات عن أحوال المهجرين بالتفصيل بدءاً من مناطق توزعهم الجغرافي وكافة احتياجاتهم ،ومن الاستغلال الذي وقعوا في فخه مضطرين مثل غلاء سعر إيجار الشقق السكنية والتي ارتفعت إلى ثلاثة وأربعة أضعاف سعرها قبل هجرتهم إلى لبنان، هذا غير الذين سكنوا الخيام والمقابر والبركسات وغرف مستودعات مخصصة للبضائع وليس للسكن البشري .

ويذكر أن معظم المؤسسات الموجودة في لبنان قامت بالمساعدات الإغاثية ، أما المؤسسات الفلسطينية قامت بالعمل الإغاثية العينية أو المادية وبتنفيذ برامج للدعم النفسي للمهجرين وخاصة المرأة والطفل والشباب، وورش عمل  لتمكين المرأة بالحياة الاجتماعية والسياسية ،لكنها بقيت جميعها قيد الدعم القادم من الجهات المانحة للمؤسسة ،حيث لم يشمل العدد كل الفئات المستهدفة من المهجرين ، وكذلك تركزت فقط في بعض المخيمات أو التجمعات الفلسطينية ، دون شمل بقية مناطق تواجد المهجرين الفلسطينيين في لبنان ، ويبقى الموضوع هو نقص الدعم رغم توفر الكفاءات البشرية لتنفيذ هذه البرامج ؛ ويذكر أن بعض المؤسسات قد أقامت فروعاً لها في مناطق خارج حيزها الجغرافي الذي كانت فيه قبل الأزمة ، وهذا جيد؛ ومن المؤسسات التي نفذت تلك البرامج وورش العمل : ( الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية  فرع لبنان ،مؤسسة النجدة الاجتماعية ، مركز التضامن الاجتماعي ، جمعية نبع ، جمعية بدر ، جمعية ناشط الاجتماعية الثقافية ، مؤسسة الشروق الاجتماعية والثقافية، وغيرها وبرنامج المساعدات النرويجية الذي يدعم معظم هذه البرامج في تلك المؤسسات ) والمؤسسات التابعة للقوى الاسلامية الفلسطينية والتي تخصصت في العمل الإغاثي العيني والمادي ،وكذلك اللجنة الشعبية التابعة لمنظمة التحرير ، بالإضافة إلى المؤسسات اللبنانية  الأهلية والاسلامية والبلديات مؤخراً .

أيضاً في مجال المساعدات المقدمة للمهجرين الفلسطينيين ، فقد تم اقتطاع جزء من رواتب موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية لتخصيصه في مساعدة فلسطينيي سوريا، بقرارٍ من الرئيس الفلسطيني أبو مازن وهو مبلغ مليون دولار أمريكي شهرياً خصص منها 750 ألف دولار للاجئين الفلسطينيين داخل سوريا و 200 الف دولار للمهجرين منهم إلى لبنان و40 ألف دولار لمصر و10 اّلاف دولار لغزة ؛ وتعتبر هذه المساعدة أيضاً غير كافية للعائلة المهجرة الواحدة لذلك تم التعامل معها من قبل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان باّلية صرف مبلغ 50 دولاراً للعائلة كدفعة واحدة عن الأربع دفعات التي وصلت والتي تم البدء بصرفها اعتباراً من نيسان 2013 .

ويذكر أن الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية فرع لبنان وهو مؤسسة من مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية قام بمساعدة المهجرين الفلسطينيين إغاثياً واجتماعياً وتعليمياً وصحياً في كافة المناطق اللبنانية والتي تتوزع فيه خدمات الاتحاد ؛ وكان آخرها المبلغ المقدِّم من التبرعات التي جمعها الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في الوطن ،وهي لمرة واحدة، فقد خصص مبلغ 200 ألف دولار للبنان ، و300 ألف دولار لسوريا ، وتم توزيع المبلغ في لبنان على المهجرين الفلسطينيين المرضى الذين يحتاجون لعلاج دائم وعمليات جراحية وذوي الاحتياجات الخاصة ، حيث كانت آلية الصرف للمستفيدين هي دفع مبلغ كمساعدة حسب الحالة المرضية والتقارير المرفقة بالملف.

ولقد كان صدى هذه المساعدة المالية  للمرضى المهجرين إيجابياً وكبيراً في أوساطهم ، نظراً لحاجتهم الماسة في هذا المجال .

وكنت بصدد نشر ملخص عن التقارير الصادرة بشأن برامج الإغاثة التي عملت بها تلك المؤسسات إبرازاً لدورها، لكن نظراً لعدم جاهزية بعضها ، ولضيق الوقت ، لم يتم ذلك رغم أهميته .

ويجدر الذكر أن الناشطين من المهجرين الفلسطينيين من سوريا أنفسهم قد تداعوا في شهر كانون أول 2012 وشكلوا بالتنسيق مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لجنة تتابع أمور المهجرين الفلسطينيين من سوريا ، لتخفف معاناتهم  بالطرق المتاحة وتطالب بحقوقهم من خلال الاستمرار برفع الشكاوى للمسؤولين والاعتصامات بالتعاون مع المهجرين أنفسهم ،ومارست هذه اللجنة عملها على الأرض حيث أصبحت ملاصقة تماما ًلحياة المهجرين ، وعرفت باسم لجنة متابعة المهجرين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان ، وضمت أعضاءً كانوا ناشطين بالمجتمع المحلي في مخيمات سوريا قبل الأزمة ، حيث دعاهم الإحساس بالمسؤولية وضرورة خدمة أبناء شعبهم للتطوع والالتحاق بهذه اللجنة، فقد بلغ عددهم أكثر من مائة عضو رسمي فيها ، هذا غير المتطوعين الآخرين من أبناء المهجرين الذين يهبون للمساعدة عند النداء.

ولقد تم التنسيق والتعاون بين لجنة المهجرين ومعظم المؤسسات العاملة بالمجال الإغاثي في لبنان وفي كافة المناطق ، وكذلك مع الأونروا ، واستمرت هذه اللجنة رغم الصعوبات وعدم توفرالإمكانات اللوجيستية ، من أجل مواصلة عملها في خدمة أبناء شعبها .

إن كل تلك المعاناة التي يقاسيها اللاجئ الفلسطيني في سوريا ومنها ، لهي جدُّ عظيمة وخطيرة ، في زمنٍ ترتسم الخطوط السياسية بعكس مصلحة ذاك اللاجئ ، وزمن الضعف الفلسطيني المتولد من الضغوطات الممارسة عليه وعلى قيادته ، والحصار المستمر على منظمة التحرير الفلسطينية ، وانعدام البعد العربي والاسلامي ، ضمن ربيع ٍ ألقى باخضراره كاملاً ومبكراً في جفاف الخريف ، وضمن لوحة ٍ لا شرق أوسط جديداً فيها ، بل تهاوٍ سريعٍ في وادٍ سحيق ،لينتصب فيها المارد الإسرائيلي في المنطقة ، كما يـُخطط له أن يكون ، لذلك يجد الفلسطينيون أنفسهم في عنق ٍطويلٍ لزجاجةٍ لا يـُراد لها الانفجار

لكنّ اللاجئين الفلسطينيين يصرون على تفجيرها ، بغضب شعب الجبارين ،  الذين لا يتقنون إلا الاعتقاد بشعارهم الشعبي الأصيل ( عالقدس رايحين شهداء بالملايين ) ؛ فالقدس هي من الثوابت الوطنية التي تـُنتهب ضمن سياسة الإلهاء الممارسة في الوطن العربي حالياً ،ويجب على اللاجئين أنفسهم إعادة طرح قضيتهم من جديد في ظل الظروف الراهنة والمناسبة برأيي ، والعمل على تدويل قضية ما يحصل للاجئين الفلسطينيين في سوريا من قضية حصار وتجويع متعمد لعشرين ألف لاجئ فلسطيني في مخيم اليرموك.

          تم جلب المعلومات الاحصائية وما جاء في السياق من بيانات وتقارير صادرة عن:(وكالة غوث اللاجئين الفلسطينية في سوريا ولبنان ،مفوضية اللاجئين في الامم المتحدة ،دائرة اللاجئين الفلسطينيين في م . ت. ف ، مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا ، لجنة متابعة المهجرين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان ،بعض المؤسسات المذكورة أعلاه ) .