تحقيق/ وليد درباس

تغالي العديد من جهات الاختصاص اللبنانية ورجالات السياسة والسلطة وغيرها بموقفها لناحية تشخيص ماهية الحضور الفلسطيني في مخيمات لبنان، فتتعاطى معه من منظور أمني وإن على حساب شـُرعـة حقوق الإنسان ولجانبها المسؤوليات المتوجِّبة حيال اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات. ورغم ذلك، فقد أثبت الفلسطينيون في لبنان أكثر من مرة كونهم عاملاً مهماً في تعزيز علاقات العيش اللبناني الفلسطيني المشترك، وشريكاً فاعلاً بالدورة الاقتصادية في لبنان، وبشـراً كسواهم لهم تطلعات وطموح ومعاناة تتعدى مرارة اللجوء للعديد من القضايا الحياتية وتستدعي تقديم الدعـم والمساندة ومستوى عال من المسؤولية يُبذَل تجاههم.

 

ما بعد الضيق سـوى الفرج

حسن عبد الكريم نـدى، طفل بعمر الـورد، نزح مع أهله مؤخَّراً من مخيم اليرموك بسوريا. تعود فصول قصته لما حدث معه حين أوقد أهله النار لحمايته من البرد، فشاء الحظ أن تتطاير شرارات النار لتصله بلحظة غفلة، وتنال منه بعد أن طالت ساقيه ويديه والكفين منهما بشكل خاص، ما أدى لإصابته بحروق من الدرجة الثالثة. أشرف على علاجه أطباء مختَّصون لمدة 4 أشهر في مشفى المجتهد بدمشق بالمجان، وخضع بعدها لعلاج منزلي لمدة 3 أشهر تلقى خلالها عشرات الإبر بعد إصابته بالتهابات من الدرجة العالية وذلك بمعدل 4 إبر يومياً كانت تبلغ كلفة الواحدة منها منذ ما يقارب العامين 1050 ل.س.

غير أن حال حسن وأهله باتت لا تَسُر عـدواً ولا صديقاً، بعد أن انقطعت شهيته، وضمُر جسده، تعبت نفسيته. هذا إلى جانب ترحاله من مشفى إلى آخر، حيثُ أنه تلقى العلاج لمدة أسبوع في مشفى حيفا في برج البراجنة ببيروت، وبعدها في مشفى عاليه الوطني، لتحمِلهُ العائلة إلى مشفى الهمشري بصيدا ومنه لمستشفى النداء الإنساني في مخيم عين الحلوة.

من جهته، يشير مسؤول الملف الصحي في اللجنة الشعبية لفصائل "م.ت.ف" بعين الحلوة كمال الحاج إلى أن خدمات الأونروا لا تشمل المصابين جرَّاء الأحداث الطارئة أو النزاعات والحروب، أو الحروق، ويضيف: "اللجنة كعادتها تبذل قصارى جهدها للحد من أعباء المرضى، وقد تحدَّثنا مع المرجعيات الإستشفائية فاستقبله الهمشري من منطلق مسؤولياته الوطنية والإنسانية، فيما تعاطت الأونروا مع حالته جزئياً من منطلق إنساني بحت لا غير". ويختم الحاج حديثه بتقدير موقف جمعية "إغاثة أطفال فلسطين" كونها أبدت استعدادها لعلاجه.

بدورها تنوِّه المولجة بقضية حسن منى كيالي إلى أن جمعيتها تابعت حالة المريض وتتحمَّل تبعاتها منذ منتصف أيار 2013 بأكثر من مرحلة ومركز استشفائي، منها مشفى النداء الإنساني مؤخَّرا، وتوضح: "على ضوء استقرار وتحسُّن حالته، سيخضع حسن حينها لعملية ترميم جراحي، وبعدها ستتولى الجمعية متابعته للتأكـُّد من أخذه العلاج المناسب".

 

الشغل على مين يشيل

"حصول الفلسطيني على فرصة عمل ليست بالأمر اليسير.. ما الحال إذن ورواد السوق من النازحين من سوريا باتوا بالآلاف المؤلَّفة؟!". بهذه الكلمات يبدأ الفلسطيني يحيى حسين القاضي، رب الأسرة المكوَّنة من 5 أفراد، كلامه ويزيد: "عادة ما تكون فرصة العمل بحال ظُفِر بها مصحوبة بالمماطلة والتسويف "والعكننة" أيضاً وبأجر زهيـد". فرغم أن القاضي يتقن بمهنة البلاط جيداً، إلا أنه لا يتلقى سوى 3 دولار على كل متر تبليط مقابل 7 إلى 8 دولار للبلَّاط اللبناني، ويضيف: "الرابط بين الفلسطيني ورب العمل كلمة، لكنها ذات خاصية مطاطية يُقابلها عقد مبرم بين الطرفين الآخرين"، ثمَّ يُكمل: "عملت مؤخراً لدى أحد المتعهدين ببلدة المروانية. ولاتقاني لعملي عبَّر عن رغبته بجعلي شريكاً له، ولذات السبب تقرَّب مني صاحب الملك أيضاً، ما دفـع بالأول لتغيير اتفاق الشراكة بالأجر مقابل المتر، إذ سعى بعدها لمعاملتي مقابل أجر يومي. ولكن، من جديد تتكرَّر سبحة التسويف والمماطلة مع "رتوش" إضافية كتسديد الأجر وفقاً للرغبة، الأمر الذي اكتشفتُه إبان تسلمي ورشـة بلاط من متعهِّد من آل غـدار في منطقة الغازية".

 

المتهم بريء حتى تثبُتَ أدانتـه

يقول المثل الشعبي: "اللي ماله ظهر بِنْبَكَى عليه"، ولـذا يتحسَّب أصحاب الأحكام الغيابية من تسليم أنفسهم للقضاء حتى وإن كانوا أبرياء. وبذات السياق تندرج قضية اللاجئ الفلسطيني ي.أ البالغ من العمر 55 عاماً. وكان ي.أ قد تلقى في العام 1995 حُكماً غيابياً بالسجن لمدة 15 عاماً، على خلفية تعرُّض التنظيم الذي كان ينتمي إليه، "ج.ت.ع"، في العام 1992 لحدث داخلي كانت نتيجته تبعات نالت من وحدة التنظيم وأودت بحياة شخصين، ما دفـع والد أحدهما لاتهام 15 شخصاً بجرم القتل. وهكذا زُجَ باسم ي.أ بقائمة المطلوبين. غير أن ي.أ يرى أن الزج باسمه جاء كعقاب ذاتي لانحيازه للتنظيم الأم ورفضه اللحاق بركب الفريق الآخر، مُشدِّداً على براءته ولافتاً إلى أن وقوف الحمولة وأهالي بلدته لجانب براءته شكَّل دافعاً له لتوكيل المحامي ربيـع رمضان آنذاك، ولكن لقلة الحال ونضوب قنوات الدعـم فيما بعد، أستنكف المحامي. هذا ويرد أبو صلاح الدوافع الكامنة وراء تهرُّبه من تسليم نفسه لأسباب عدة أبرزها الخوف على أفراد أسرته الذين كانوا 5 أطفال آنذاك من الضياع، وتحسُّباً لفبركة الموقف السياسي للجبهة لغير صالحه إضافة لكونه بلا ظهر يحميه ويدعمه. ويشرح ي.أ وضعه الحالي قائلاً: "بعد مضي عقد ونيف، أُسقِط الإدعاء الشخصي جرَّاء الصلح مع المدعي، ومؤخَّراً تطوَّع القيمون على مشروع المعونة القانونية الدولية لتبني القضية بدوائر القضاء، ولحينه لازال الانتظار سيـد الموقف". غير أن ي.أ لا يملك حالياً سوى التفاؤل والأمل الذي يُداعب مخيلته بانتظار انقضاء الفترة القانونية لسريان الحكم ليُصبحَ بعدها حُـراً طليقاً خاصة أنه منذ ذاك الوقت حبيس المخيم، ومصاب بداء الضغط والسكري والقلب، الأمر الذي أدى لتحمُّل زوجته كافة مسؤوليات الأسرة، ناهيك عن حرمانه من الاحتفال بزواج أبنائه خارج جدران المخيم. ويختم الفلسطيني ي.أ برسالة يتمنَّى فيها على السلطات اللبنانية توخي الرأفة بتعاملها مع أصحاب الأحكام الغيابية بعيداً عن الجزم المسبق بصوابية التهم وصحة البلاغات والتقارير المقدَّمة بحقهم، ومطالباً قيادة "م.ت.ف" بتشكيل لجنة محاميين قضائية للبحث مع السلطات اللبنانية بملف وقضايا المحكومين غيابياً.

 

النازحون فريسـة مافيات الهجرة

بعد تردد وتهيُّب وباقتضاب شديد عرَّف المهاجر الفلسطيني مع وقف التنفيذ عن نفسـه "أحمـد  أبو خالـد، أعزب، 30 عاماً، خريج جامعي"، وتحدَّث عن توقـه للهجرة بداعي الخلاص من مرارة فقدان فرصة العمل والعيش الكريم في لبنان. فالمهاجر الفلسطيني مع وقف التنفيـذ لاجئ ومضى على نزوحه من سوريا إلى لبنان 6 أشهر تقريباً، ومن حينها يُقيم بدار مستأجرة من قِبَل شقيقه الأكبر سناً النازح منذ حوالي العام، والأخير رب أسـرة مكوَّنة من عـدة أفـراد، أكبرهم بالكاد بلغ الحادية عشرة من العمر. وحول قصة الهجرة معه يقول أبو خالد: "وجهة الهجرة حسب منظمي الحملة كانت تقتضي الإبحار من لبنان إلى إيطاليا باعتبارها المحطة الأولى، ومنها إلى السويد شريطة دفـع 5500 دولار مقدَّماً"، ويضيف "أوهمَنا منظمو الحملة أن السفر "على البواب" حين دعوا الجميع لنقطة التجمع، تحسُّباً لحدوث طارئ مـا ولنكون على مقربة من نقطة الانطلاق، وبعد انقضاء نهار وليلة بالتمام والكمال ولا علم ولا خبر، عُدنا حيثُ كنا. ومن حينها تحوَّل حُلم الهجرة لمراجعات ومطالبات وتمنيات باسترداد المستحقات البالغة 5500 دولار"، والمشاع بهذا الخصوص "أن أمكانية ما" لردها بعد حسم 10% بدل مصاريف نقليات وإقامة وطعام...الـخ".

وبالرغـم من كل ما سبق ذكره، بقي المهاجر مع وقف التنفيذ حالماً بالهجرة خاصةً أنها برأيه ستكون أسهل ومضمونة أكثـر عن طريق مصر.

هذا ولا تتوقَّف المأساة إياها بحدود أبو خالد ومبلغ الـ5500 دولار التي اقترضها ذووه لهذه الغاية وحسب، بل وطالت وفق معرفته عشرين نازحاً فلسطينياً وربما أكثر.

 

برنامج التربية الشعبية لمحو الأمية

100 طفلٍ وطفلة من الفلسطينيين الأميين والمتسربين دراسياً ممن تتراوح أعمارهم ما بين 9 إلى  20 عاماً تخرَّجوا خلال 12 عاماً من عمر البرنامج، وهم يجيدون القراءة والكتابة والحساب وكمَّاً متواضعاً من جُمَل اللغة الانكليزية ذات العلاقة بالحياة اليومية، وانخرطوا بعدها بالحياة اليومية دون تردد ولا تهيُّب.

من جهتها تصف الطفلة نـور محمود أصمهان ذات الـ13 عاماً تجربتها مع البرنامج فتقول: "بطلتني مدرسة الأونروا لأني رسبت بالصف الرابع مرتين وما بعرف القراءة ولا الكتابة ..بعدها اجيت عند المعلمة فوزية بشير لأتعلم"، وتضيف "بالأول كنت أخجل ومرات أبكي لأني ما بعرف أكتب شي على اللوح...بعدين بلشتْ أتحسن..صارت ثقتي بنفسي وبلي معي أحسن بكتير"، وتزيد "صرلي سنتين والحمد للـه صرت بكتب وبقرأ ... بعرف حساب وشوية كلمات بالإنكليزي"، وتنهي بالقول: "لدي رغبة بالبقاء في البرنامج لأتقوى لأني بعدها بدي أتعلم على الكمبيوتر..بدي أفهم الحياة أكتر".

 

ضالتها في مركز العلاج الفيزيائي

ولدت الطفلة ملك محمد جبر، وعمرها 4 أعوام، بتشوه خلقي بساقيها الاثنتين، حيثُ أن ركبتها اليمنى متموضعة في الخلف بدلاً من مكانها الطبيعي في الأمام، وكلتا قدميها منحنيتان باتجاه الداخل. وكانت والدتها السيدة حنين آغـا قد اكتشفت حالتها بعد أسبوع على الولادة، فسارعت لعرضها على أخصائيي مركز العلاج الفيزيائي في مخيم عين الحلوة، حيثُ عاينها الأخصائي الدكتور خالد طاهر، وحوَّلها بتوصية لطرف البرفسور الدكتور عصمت غانم في بيروت، الذي أخضعها بعد الفحص لعمليات بالجبس أسبوعاً بعد آخر لمدة 9 أسابيع.

وهو ما تشرحه آغا قائلةً: "يوم الخميس من كل أسبوع كنا نراجع الدكتور عصمت فيكشف على ملك، ويغير لها الجبس وفق مواصفات تتناسب مع التحسُّن بوضعها، ويُنبِّهنا لضرورة مراجعة مركز العلاج لتلقي التوجيهات والنصح بخصوص الحركة أو الجلوس وحتى حملنا لملك...الـخ"، باعتبار أن غانم ومركز العلاج على تواصل وتشاور بحالة ملك وبسواها من الحالات التي يحوِّلها المركز من وقت للآخر. وحول وضع ملك الحالي تقول آغا: "الحمد لله تحسَّن وضع ملك بنسبة 97%، وبات علاجها يتوقَّف حالياً على استخدامها الحذاء الطبي. كذلك فوضعنا بالبيت تحسَّن 180 درجة، وتخلَّصنا من الهم والغم ومعها راحت كل أحاديث الشؤم وتوقعات القرايب والمعارف بخصوص عدم تعافي ملك. فهي اليوم بالروضة بتمشي لوحدها.. بتلعب مع الأطفال بفرح ومسرَّة...وكله بفضل الله والدكتور عصمت ومركز العلاج". بدورها تُثني منسِّقة المركز لطيفة الصالح على العاملات بالمركز لتفانيهن برعاية عموم المرضى ولدورهن بتعافي الكثير من الحالات ومنها حالة ملك وترى بتعاون الأهل والأم تحديداً مع الأطباء والمركز، والاستماع لنصحهم دوراً هاماً بالعلاج ومنهن السيدة حنين آغا التي واظبت على مراجعة المركز ومكَّنت ابنتها من الاستفادة من عشرات جلسات العلاج الفزيائي وحتى حينه تراجعهم بشكل يومي، وتنهي بلفت الانتباه لضرورة مساندة ودعـم المركز بالمزيد من المعدات والتقنيات الحديثة توخيا لخدمات أفضل.

 

نـداء لجمـع الشمل

هو نداء لجمع الشمل يوجِّهه الطفل أحمد محمد خير درباس ابن الأعوام الثمانية ومعه أمه وأخوته، يناشـدون كافة الجهات المسؤولة في لبنان وأصحاب الحل والربـط والنخوة برد رب عائلتهـم وتسهيل عودته من سوريا إلى لبنان.

فالفلسطيني محمد خير نزح إلى لبنان مع عائلته المكوَّنة من 5 أفراد، أكبرهم في السابعة عشرة من العمر وأصغرهم ذو الأعوام الثمانية. ولما كان فنيَّا كهربائياً، فقد عمل بمهارة وتفان بالعديد من الورش في صيدا وبيروت تِبعاً لأماكن تعهُّدات مستخدميه، واكتسب محبَّهتم واحترامهم.

وحول تفاصيل ما جرى معه تقول زوجته: "ذهب أبو أحمد منذ شهرين وعشرة أيام لزيارة والده المسن في العاصمة دمشق، وبعد أربعة أيام تفاجأ كعشرات النازحين الفلسطينيين بالمنع من عبور نقطة الحدود "المصنع اللبناني"، حيثُ أنَّ لبنان بهذه الفترة فرض قيوداً للحـد من استقبال النازحين"، وتكمل "أبلغ أبو أحمد رجال الأمن أنه يُقيم مع العائلة في لبنان علـَّه يمر ولكنه مُنـِع. ومضَّى ما بين أربعة لخمسة أيام بحاولْ يجي وبرجعوه...حتى بعثناله عقـد الإيجار وعرضه على الأمن العام وكمان تعركست..حاول يوضح ويستفسر.. والنتيجة بلَّغوه بالمنع من دخول لبنان لمدة عام .. وفي غيره كمان" تتابع "كان بيشتغل وبيصرف علبيت... في غلى كتير بلبنان".

بدوره عبَّر أحمد وأخوته عن شعورهم بالقول: "معوَّدين يكون معنا دايماً..إحنا بنخافْ لحالنا...اللـه يفرجها ويرجعْ ويلتم شملنا..يارب".

هـذا ولا تتوقَّف المعاناة إياها بحدود أبو أحمد وعائلته، فعشرات العائلات الفلسطينية النازحة تقطَّعت لهذا السبب أوصالها، وعطفاً عليه وبسياق مساعي الأونروا للوقوف على ماهية القيود على دخول النازحين الفلسطينيين أصدرت بتاريخ 24/8/2013 بياناً ومما جاء فيه "أن بين اللاجئين الفلسطينيين النازحين الذين تمكَّنوا من الدخول إلى لبنان أولئك الذين تمكَّنوا من تزويد السلطات اللبنانية عند الحدود بعنوان سكنهم الكامـل أو عقـد الإيجار للمكان الذي ينوون السكن فيه في لبنان، والذين يحملون بطاقة هوية ووثائق غير مخدوشـة أو تالفة أو منْ أوراقهم الثبوتية مكتملة...الـخ"، فما هو موقع أبي أحمد من ذلك؟!