تحقيق/ مصطفى ابو حرب

لقد ضاقت الدنيا على فلسطينيي سوريا بما رحبت، فبتّ تراهم يهيمون على وجوههم لا يعلمون إلى أين أو كيف السبيل للوصول إلى بر أمان بعيداً عن تعقيدات السياسات الآنيَّة لأمراء الحروب الجدد الذين لا يُقيمون وزناً للأرواح البريئة التي تُزهق بلا ثمن. وهكذا شاءت الأقدار أن يجد فلسطينيو سوريا أنفسهم أمام حل يتيم هو الهرب غير آبهين بما قد يلحق بهم من مصير.

 

ذل وقهر في مصر

مازن علي كروم هو أحد المهجَّرين من مخيم العائدين في حمص، وعن تجربته يقول "تركت المخيم فارَّاً بعائلتي الصغيرة منذ ما يزيد عن العام نتيجة الاحداث الدامية التي تعصف بسوريا. وكانت الوجهة نحو مصر  العروبة. فحطت بي الرحال في مدينة الإسكندرية، ظنَّاً مني بأنها ارخص معيشة من لبنان، ولكنني للأسف تعرَّضتُ لمضايقات عديدة من افراد الشعب المصري بسبب وجود بعض السوريين في ساحة رابعة العدوية، بحيثُ أصبح كل من قَدِم من سوريا متَّهماً بالتعاون مع انصار الرئيس المخلوع. وبعد أن ازدادت المضايقات، ولم أعد احتمل دفع مبالغ مضاعفة لبدلات الايجار، خصوصاً أنني بلا عمل، بدأت افكر بالهجرة إلى أوروبا"، مؤكِّداً أن لا جهة دولية حاولت تقديم المساعدات له سوى من خلال السفارة الفلسطينية في القاهرة التي أعطت لكل عائلة مبلغ 1200 جنيه مصري لمرة واحدة.

ويتابع مازن "تحوَّلت حياتي من ترف العيش في مخيم العائدين في سوريا إلى تشرُّد وخوف من المستقبل خاصة وأن لدي أسرة وأولادي أطفال صغار. فحرمت نفسي من الطعام لتأمين الحليب وإيجار المنزل. وبكيت مرات عديدة ليلاً لئلا يراني أحد، ولكن المضايقات كانت تتزايد، حتى ان السلطات المصرية منعتنا من تجديد الإقامات، وبذلك لم يعد بإمكاني التنقل خارج الاسكندرية".

 

من مصر للبنان: رحلة سفر ملحمية

وهكذا اختار مازن الهجرة للسويد عن طريق ايطاليا بحراً مُخاطراً بولديه وزوجته، ويوضح "تعرفت إلى شخص طلب مني مبلغ 6000دولار لتسفيرنا، فجهدت لتأمين المبلغ عن طريق الأهل والأصحاب. وهكذا غادرنا الاسكندرية صبيحة 11/9/2012 بقارب صيد على أن نجد باخرة كبيرة بانتظارنا في عرض البحر لنقلنا إلى ايطاليا. ولكننا للأسف فوجئنا بعدم وجود تلك الباخرة، وبأنه علينا السفر عبر مركب الصيد، وكان على متن القارب 111 شخصاً من الأطفال والنساء والرجال. وعندما وصلنا للمياه الاقليمية الليبية، أخبرنا الربان بأن القارب قد ثُقِب ولم يعد امامنا سوى حلين أولهما الاستمرار بالإبحار نحو ايطاليا تحت طائلة غرق القارب بسبب الأمواج العاتية، أو العودة إلى مصر. ورغم عِلمنا بأنه في حال عودتنا لمصر فإنا سنجد غفر السواحل المصري والسجن بالانتظار، ولكن فرص النجاة بالعودة لمصر كانت أكبر".

ويتابع: "مكثنا في البحر بطريق العودة ستة ايام صعبة للغاية فقدنا خلالها الماء والطعام ولفحتنا الشمس الحارقة. وقبل وصولنا إلى ميناء الإسكندرية، طلب إلينا الربان دفع مبلغ 100دولار للشخص الواحد تحت تهديد السلاح، والرمي في المياه. فقبلنا مرغمين. وبعد ان غادر الربان السفينة إلى اليابسة، أرسل لنا قارباً أخذ 24 شخصاً سُلِّموا لعصابة على الشاطئ اخذت منهم اموالهم وهواتفهم، ولم يعد القارب ليأخذ الباقين. فمكثنا في القارب يوماً آخر، فطُلِب إلينا دفع مبلغ 60 دولار  لكل شخص، فدفعنا، وعندها أرسلوا لنا قوارب صغيرة اخذتنا للشاطئ حيثُ كانت الشرطة المصرية بانتظارنا، واخذتنا إلى فرع شرطة الاسكندرية، فاتصلنا بالقنصلية الفلسطينية وبالصليب الأحمر والأمم المتحدة ولم يستطع أحد ان يقابلنا سوى القنصل الفلسطيني الذي لم يتمكَّن من فعل شيء لنا، وكذلك الأمر بالنسبة للمفوضية العامة للأمم المتحدة. فخيَّرونا بين مغادرة مصر إما إلى سوريا أو إلى لبنان، فاخترتُ المجيء للبنان خوفاً من العودة إلى أتون الحرب الدائرة في سوريا" .

ويكمل "وها أنا ذا أقيم في لبنان عند اصدقاء استضافوني منذ ثلاثة أيام، ولا أعرف أحداً هنا. وقد بدأت بالبحث عن منزل لاستئجاره، ولا زلت لا أعلم ما تُخبِّئه لي الأيام، حتى انني بت اشعر بأن الفلسطيني قد أُخرِج من كافة قواميس الانسانية والأعراف والتقاليد والقوانين الدولية، وبأنه لا يتمتع بالحماية والحقوق التي قد تُعطى لغير البشر. وأنا وعائلتي مثلنا كثيرون ممن فروا عبر البحر، وإن تعدَّدت مصائرنا".

 ومن هنا فإن الفلسطيني اليوم بات اكثر حاجة للدولة الفلسطينية التي ترعاه وتحميه من العوز والبحث عن الملاذ الآمن. وكي لا يبقى الفلسطيني كالريشة في مهب الريح، فعلى القيادة الفلسطينية تحمُّل مسؤولياتها بالضغط على مؤسَّسات المجتمع الدولي لتتم معاملة الفلسطيني أسوة باللاجئين السوريين لحين ضمان عودتهم المؤقتة لسوريا لحين تحقُّق العودة النهائية لفلسطين.