ما بين القراءة الواقعية للتصعيد الإسرائيلي أول أمس الخميس على جبهة قطاع غزة وجنوب مدينة نابلس، تحديدا في قرية قصرة، وبين التطير في الاستنتاجات مساحة كبيرة. حيث يقع المتطيرون في دوامة المبالغة، ولا يميزوا بين السياسة التكتيكية التفصيلية، وبين السياسة المفصلية التي تقع في النطاق الإستراتيجي بمستوييه القريب والبعيد. وهو ما يؤدي إلى حدوث تشوش في فهم المراقبين للتطورات الجارية، ويوقعهم في دوامة الخلط غير المقصود.
ما حصل على جبهة محافظات الجنوب من تصعيد متبادل بين أذرع بعض الفصائل وإسرائيل شمل قصف جوي وبري على عدد من المواقع الخالية أو شبه الخالية في شمال قطاع غزة ووسطه في النصيرات وجنوبه في رفح، وإجراءات القيادة الأمنية الإسرائيلية الاحترازية في غلاف القطاع، وما حصل ظهر ذات اليوم بإطلاق الرصاص على المواطن محمود أحمد زعل واستشهاده في قرية قصرة من قبل المستعمرين في بؤرة "باش كود" وإصابة المواطن فايز فتحي حسن، ثم تطويق القرية من قبل جيش الموت الإسرائيلي يندرج في نطاق العمليات الردعية الآنية والسريعة. ولا تحمل في طياتها أكثر من ذلك.لان المخطط العسكري الإسرائيلي الراهن، رغم حالة الاستنفار القصوى في أوساط الجيش الإسرائيلي في غلاف القطاع منذ عملية قصف نفق "سرايا القدس" التابعة لحركة الجهاد الإسلامي في 31 أكتوبر الماضي، لا يدفع باتجاه عملية عسكرية كبيرة أو اجتياح لغزة.
عطفا على ما تقدم تستهدف هذه العمليات الإجرامية الإسرائيلية المذكورة أعلاه إدامة حالة التوتر في كل الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 دون استثناء، وخلق حالة عدم استقرار في المشهد الفلسطيني الإسرائيلي، والمضي قدماً في سياسة الردع لقوى المقاومة، وتحذيرها من تداعيات أية عمليات فدائية، وفي ذات الوقت مواصلة العملية الاستعمارية والقضم التدريجي للأرض الفلسطينية، واستنزاف الصمود الفلسطيني، وتضييق الخناق على حياتهم، والحؤول دون استقرارهم. فضلاً عن التشويش على عملية المصالحة الوطنية، والقتل اليومي لعملية السلام.
غير إن التصعيد الإسرائيلي يمكن أن يتحول في كل لحظة إلى عملية كبيرة على جبهة القطاع فيما لو حصلت تداعيات عسكرية من قبل أذرع المقاومة، وفي حال عدم تدخل الدول المعنية بتهدئة الأوضاع. لاسيما وان الخطط العسكرية الإسرائيلية جاهزة وموجودة في أدراج المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. ولأن العين الإسرائيلية متجهة نحو الشمال أي على حزب الله، الذي يعتبر أولوية في اللحظة الراهنة.
وللتأكيد على ما ذهب إليه المرء، فإن القيادة الإسرائيلية أرسلت رسالة لحركة "حماس" عبر أدوات التنسيق القائمة بينهما، وأبلغتها عدم رغبتها بالتصعيد، لكن عليها ضبط حلفائها في القطاع وخاصة "سرايا القدس"، التي أطلقت عدداً من قذائف الهاون على معبر بيت حانون وفي محيطه، التي لم تصب أي هدف، ولم توقع اية خسائر تذكر في الجانب الإسرائيلي. وهو ما فعلته قيادة حماس عبر تواصلها مع حركة الجهاد الإسلامي، فضلاً عن تدخل الأشقاء المصريين لضبط إيقاع الوضع على جبهة القطاع من خلال الاتصال مع زياد النخالة، نائب رئيس حركة الجهاد.
إذا هذه هي حدود وسقف عملية التصعيد التي جرت. ولا شيء غير ذلك. وهذا لا يعني غض النظر عن المخططات والمشاريع العدوانية الإسرائيلية، لأنها تستهدف الشعب والقضية والقيادة الفلسطينية، وتعمل بشكل حثيث على إستصال التسوية السياسية، والحؤول دون استقلال الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها