منذ أن وقعت "فتح" و"حماس" في القاهرة  الاتفاق النهائي على البدء بتنفيذ خطوات المصالحة الفلسطينية واستعادة الوحدة الوطنية ارتفعت درجة الأمل الحذر بتحقيقها، جاءت الحكومة إلى غزة في 30 أكتوبر وتسلمت الوزارات وتسلمت المعابر في  الأول من نوفمبر حسب الجداول الزمنية التي اتفق عليها الطرفان، عندها بدأ يساور البعض الكثير من الشكوك بإمكانية استمرار مسيرة المصالحة دون عوائق أو معيقات، عقدت الفصائل اجتماعها المجدول في الموعد المتفق عليه لتقيم ما تم انجازه  من المصالحة حتى هذه المرحلة وكنا نخشى أن يشكل هذا الاجتماع فرصة لتخريب المصالحة وليس العكس خشية من بحث الفصائل عن الصالح الحزبي الخاص، خرجت الفصائل في القاهرة ببيان غلبت عليه اللغة الإنشائية أكثر من لغة الجداول والإجراءات، انتقده البعض ووافق عليه الأخر هذا ليس مهما كثيراً فاعتقد إن البيانات الختامية كلها لا تعكس مدى نجاح أي لقاءات وما يعكسه في الحقيقة مدى تمسك الجميع بالمصالحة الفلسطينية كخيار استراتيجي وحيد لا يوجد غيره أمام النخب والفصائل السياسية وعلى مستوى الشارع الفلسطيني.

بدأت تخرج تصريحات غير ايجابية من هنا أو هناك وبدأت بعض التفسيرات لمفردات المصالحة تظهر بطريقة مشينة فالبعض انتقد ما أطلقت عليه فتح "التمكين" والبعض أراد أن يزج بملف سلاح المقاومة  كملف يقطع طريق المصالحة ويعيد عربتها للوراء  بالرغم من أن هذا الملف  لم يكن قد طرح على الطاولة ولم يذكره احد حسب المصادر المختلفة لكن أراد البعض أن يطرحه،  فتح كانت قد أعلنت قبل ذلك أن سلاح المقاومة يخضع لاتفاق قرار السلم والحرب  وهو شأن كل الفلسطينيين  وليس بيد طرف أو فصيل معين،  اعتقد أن هذا جاء لحسابات معينة لا تبتعد كثيراً عن استغلال هذا الاجتماع الهام لتعكير الأجواء وإعادة الطرفان إلى حالة من فقدان الثقة، لا اعتقد أن أي تفسيرات مناهضة لتمكين الحكومة يمكن أن يؤسس لطريق سالك أمام قطار المصالحة ويفضي  إلى الايجابية  المطلوبة لخدمة حالة الوحدة الوطنية .كما لا اعتقد أن زيادة الحديث عن ملف سلاح المقاومة قد يسمح بسير المصالحة والتقدم في مراحلها بالإضافة لفتح عيون أمريكا وإسرائيل علينا واسعة  والإمعان في الابتزاز والحصار،  لعل زيادة التفسيرات ودرجة التوقعات ومستوى الحسابات لكل مرحلة من مراحل المصالحة ومحاولات القفز من خطوة إلى أخرى قبل أن تكتمل  الخطوة السابقة من شأنه أن يخلق جملة من المشاكل والمعيقات،  كنت أتمنى أن يتفق الأطراف على تحديد الأولويات التي تهم الشارع الفلسطيني وتحل أزماتهم، عندها سيصل الجميع إلى أن تسلم الحكومة كامل مسؤولياتها الخطوة الأولى لتحقيق ذلك.

لعل تركيز المستوى الرسمي  والنخب السياسية والفصائلية والمستقلة في هذه الفترة الحساسة   يجب  أن ينصب على أهمية أن تتمكن حكومة الوفاق الوطني من بسط سيادتها على قطاع غزة  وتتمكن من قراراها دون وصاية حزبية أو تدخل وتحقق الشراكة الوطنية في إدارة كافة المؤسسات الحكومية من وزارات وهيئات وامن ومعابر وهذا يعني أن الجميع يجب أن يصغي لمتطلبات الحالة وعلى الجميع أن يستفيدوا  من الدور الهام  للخبراء المصرين المتمثل في وجود  وفد أمني وسياسي عالي المستوى  الذي سارع إلى غزة لمتابعة ومراقبة كل خطوات التمكين الحقيقي لوضع الجميع أمام استحقاقات متقدمة للوحدة الوطنية بثقة عالية في نوايا الجميع ودون تشكيك وتفسير غرضي لا يصب في المصحة الوطنية. إن الحالة الفلسطينية اليوم تمر في مفصل حساس وخطير باعتبار أن وحدة الفلسطينيين الجبهة المتقدمة التي تتصدى لكل المخططات التي تهدف لتصفية الحقوق وفرض حلول لا تحقق للفلسطينيين أي حلم سياسي  ولا تساهم في قدرتهم على التحرر وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

الفرصة نادرة ومهمة وقد لا تتكرر أن يستطيع الفلسطينيين الانتباه للمخاطر التي تترصد مستقبلهم السياسي إذا ما استمر الانقسام وهذا في تقديري من أهم عوامل صنع الإرادة  الوطنية التي تحتم  التخلي عن البرامج الخاصة والأجندات الحزبية للصالح العام، وما أصبح مهماً اليوم بعد انتهاء المرحلة الأولى من مسيرة المصالحة والبدء في مرحلة  التمكين وتعزيز سيادة القانون  الواحد والسيادة الإدارية والسياسية الواحدة من قبل الحكومة الفلسطينية أن نخرج  من دائرة الجدل والتشكيك وان نعزز ثقتنا بالأخر ونعتمده كشريك وليس نداً أو خصم ينبغي عزله عن المسار الوطني حتى التحرر من الاحتلال وبناء الدولة، وللبدء بهذا يتوجب أولاً على حماس أن توقف حالة المناطحة الإعلامية وتحول الصخب لإيجابي يعمل على دفع المسيرة،   ويتوجب على فتح أن تسارع لإقناع الرئيس أبو مازن المبادرة لوقف كل العقوبات المفروضة على غزة بدءاً من الموظفين وانتهاء بالمساواة في التعاملات الإدارية  والمالية والفنية مع الضفة الغربية باعتبار أن هذا ينعكس إيجاباً على عمل الحكومة نفسها ويساهم في تحسين الوضع الإنساني في غزة،  و يتوجب على الفصائل تعزيز الثقة بين الأطراف جميعاً والمساهمة في خلق  حالة ايجابية والبعد عن تشريح السلبيات وتكبيرها وإغلاق الطريق أمام أي حالة تشكيك في نوايا كل من "فتح" و"حماس" وهذا من شأنه  أن يحمي مسيرة المصالحة، ويتوجب عدم البحث عن الذات الفصائلية بقدر تحقيق الذات الوحدوية والوطنية الشاملة  وتشكيل حالة للمتابعة والمراقبة والدعم  لمسيرة المصالحة جنباً إلى جنب مع الدور المصري كنموذج للحماية والدعم والرعاية والمتابعة المستمرة.