ما علاقةُ تمكينِ حكومة الوفاق الوطني من ممارسة صلاحيّاتها ومهامها كاملةً في المحافظات الجنوبية، بسلاح "المقاومة" الذي ما زال النّاطق الحمساوي "أبو زهري" يروِّج بأنَّه سلاحُ ميليشيات حركته في مجموعات القسَّام؟! وكيف يُصبح تمكينُ الحكومةِ "محاولةً لإخضاعِ" سلاح المقاومة إنَّ صحَّ وجودُهُ، والتمكين لا يستهدفُ غير بسط الأمن والنّظام في المحافظات الجنوبية، وأن تواصل الحكومة عملها كما هي في المحافظات الشمالية، ثُمَّ ومرّة أخرى فإنَّ سلاح القسّام ليس هو سلاح المقاومة، إنَّه سلاح فصيله، وهذا السلاح على نحو ما، سلاح فلتان أمني، وعدا عن أنَّه انقلب على الشرعية في غزّة، فإنَّه قتلَ من أبنائها أكثر ممَّا أصاب جنود الاحتلال الإسرائيلي!!! وعلى مَن يُشكِّك بهذه الحقيقة أن يُجري الإحصاء الذي يريد.

غير أنَّ أبو زهري يعرف أنَّ لا علاقة لهذه بتلك، لكنه يتمسَّك بشعاراتِ خطابِ حركته الاستهلاكية،  للتهرُّب من استحقاقات المصالحة والالتفاف على اتّفاقها، كاشفًا بذلك أن تعاملَ حركته مع هذا الاتفاق هو تعامل إعلامي استعراضي حتى الآن، وهو بهذا يُؤكِّد دون أن يدري، ودون أن يُريد طبعًا، صحّةَ وحقيقةَ ما أعلنَهُ نائب رئيس حركة "فتح"، محمود العالول، ومن بعده عضو مركزيّتها حسين الشيخ: أنَّ تمكين الحكومة مازال شكليًّا وغير جوهري، ولا يتعدّى الخمسة بالمئة!!

لم يتحدَّث العالول ولا الشيخ عن "سلاح المقاومة" بل عن تمكين الحكومة، وعن ملف الأمن الذي لا تقدُّم فيه إلى الآن حتى سنتيمترًا واحدًا، والتعبير لحسين الشيخ. وتمكين الحكومة حسب اتفاق المصالحة يعني ببساطة أن تتسلَّم الحكومة كافة وزاراتها ومؤسّساتها ودوائرها في المحافظات الجنوبية، لبسط سلطة الإدارة الواحدة، والقانون الواحد، القانون الذي يضبط الأمن، ويحقق الاستقرار، ويمنع تاليًا سلاح الميليشيات من كسرِ أيِّ قرارٍ للقانون الواحد، بل إنَّ القانون الواحد لا يستقيم مع سلاح الميلشيات، ولا يتَّفق وإيّاه، ولا بأيِّ حال من الأحوال، لكن وعلى ما يبدو أنَّ حركة "حماس" لا تريد من حكومة التوافق غير أن تخرجها من أزماتها المالية والاجتماعية، وأن تُدير في أحسن الأحوال شؤون البلديات لا أكثر ولا أقل!!! بل وعلى ما يبدو جليًّا أنَّ "حماس" لا تُريد مغادرة الحكم، تمامًا مثلما قال إسماعيل هنية قبل ثلاث سنوات (خرجنا من الحكومة ولم نخرج من الحكم) هو الأمر هكذا مع سياساتها التي ما زالت تجعل من تمكين الحكومة شكلياً وغير جوهري بالمرة.

والأمثلة التي تؤكِّد هذه الحقيقة كثيرة، لعلَّ من بينها الآن تصريحات أبو زهري المخاتِلة والمنافية للواقع، بل والطاعنة بلغة الانقسام الاتهامية والتوتيرية البغيضة!!!!

لكنَّ المصالحة الوطنية مسؤولية الموقف الوطني، الذي لن يتراجع عن إتمامها كما يجب، وحيثُ يجب أن تقود إلى رفع المعاناة عن كاهل أبناء شعبنا في المحافظات الجنوبية، حتى يستعيدوا العافية لحياتهم اليومية بالعزّة والكرامة، والمصالحة الوطنية ليست للتحكم ولا للتقاسم الوظيفي، إنَّما هي لسلامة المستقبل الوطني، إذ تُعيدُ بناءَ الوحدة الوطنية على أنَّ أمتن الأُسس، لنواصل مسيرة الحرية حتى تحقيق كامل أهداف شعبنا العادلة، واسترداد حقوقه كاملة، في دحر الاحتلال، وتحقيق الاستقلال بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية وبالحل العادل دائما لقضية اللاجئين.

لا تراجعَ عن المصالحة ولا مساومةَ على غاياتها النبيلة.. ولراعيتها الشقيقة الكبرى مصر كلمة الفصل التي ستجعلها كذلك دون أدنى شك.