بقلم/ يوسف عودة
للذاكرة وقع خاص للإنسان الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية وفي تفاصيل يومياتها صفحات سوداء وحمراء وبقع ارجوانية على امتداد الازمة وآثار الزمن المبحوح.
قبل ثلاثة وثلاثين عاماً ضاقت المسافة بين الموت العاجل والمؤجل، والحياة في مخيم شاتيلا صعبة وخطاها ثقيلة، وكل خطوة على مفارق الأزمة مخضبة بالارجوان، ممهورة بعبق الشهادة والانتماء، في 16-18/9/1982، وعلى امتداد ثلاثة ايام حدث في شاتيلا ابشع مجازر همجية القرن العشرين، مارس الاحتلال الاسرائيلي الذي وصل باجتياحه لبنان الى العاصمة اللبنانية بيروت كل انواع القتل والارهاب والدمار والخراب والمذابح ضد شعبنا في مخيمات الجنوب وبيروت متوجاً عقيدة الماسادا الصهيونية وهي الموت الجماعي على الشعب الفلسطيني الاعزل معتقداً انه يستطيع كي الذاكرة الفلسطينية ومصادرة الارادة الوطنية وثقافة الانتماء لشعب القضية عن النفوس واسقاط حق العودة وتشتيت اللاجئين بعيداً عن وطنهم وثورتهم وقضيتهم .
يقع مخيم شاتيلا في مدينة بيروت وسط منطقة شعبية معظمهم من العمال والفقراء، كما يعتبر مخيم شاتيلا من اول المخيمات الفلسطينية التي انشئت اثر نكبة 1948، وقد شهد اكتظاظاً سكانياً مع وجود الثورة الفلسطينية المعاصرة التي افرزت واقعاً جديداً للاجئين الفلسطينيين بإنخراطهم بالنضال وشعورهم بالعزة والكرامة ، وبدأ مرحلة جديدة من نمط العيش برفع منسوب الوعي السياسي والتحصين النفسي والانتباه الى الحالة الوطنية الجديدة بعيداً عن الظلم والقهر والاضطهاد وبدأ اللاجئ الفلسطيني يمارس حياته ودوره في كافة المجالات النضالية وجعل من المخيم الفلسطيني خزاناً للثورة الفلسطينية يقدم الشهداء والجرحى والاسرى على طريق العودة واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
عام 1982 اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان واتخذت من محاولة اغتيال السفير الاسرائيلي في لندن شلومو ارغوف ذريعة ومتهمة منظمة التحرير الفلسطينية بالحادث ومع دخول الغزاة الصهاينة الى الاراضي اللبنانية ومتقدمة حتى وصلت مشارف العاصمة اللبنانية بيروت وقد حاصرتها براً وبحراً وجواً لمدة ثلاثة اشهر .
في ايلول عام 1982 رحلت الدفعة الاخيرة من المقاتلين الفلسطينيين، وكان صمودهم على مدار 86 يوماً من الحصار اسطورة تاريخية، حيث قاتل الفلسطينيون واللبنانيون الوطنيون عن بيروت قتالاً مستميتا على رأسهم عملاق حركات التحرر في العالم وحامل رايتها الرئيس الشهيد ياسر عرفات، دافع الفلسطينيون في تلك المرحلة عن الكرامة والاباء العربيين ولم يجدوا سوى الصمت الرسمي للعرب وكانت نجدتهم في الاذاعات والصحف فقاقيع هوائية.
غادر المقاتلون الفلسطينيون بيروت وهم يتوهمون ان مخيماتهم وعائلاتهم في امن ولن يصيبهم مكروه يضمان الاتفاق الذي وقعه حينذاك المبعوث الاميركي فيليب حبيب متعهداً بإشراف الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية بحماية السكان المدنيين من اللاجئين في المخيمات بعد خروج قوات الثورة الفلسطينية وبضمانات خطية بعدم دخول القوات الغازية الاسرائيلية الى بيروت الغربية.
بتاريخ 10/9/1982 ، غادرت القوة الاميركية بيروت ولحقت بها القوة الايطالية وتبعتها القوة الفرنسية، كان لخروج هذه القوات الثلاث تخلٍّ فعليٍّ عن التزامهم القانوني والأخلاقي في حماية السكان الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية وخاصة مخيمات بيروت.
15/9/1982، القوات الغازية الاسرائيلية تتقدم باتجاه المنطقة الغربية من بيروت وتتوجه معظمها الى المخيمات الفلسطينية وتضرب حصاراً حول مخيمي صبرا وشاتيلا، ومساء الخميس في 16/9/1982، ومع حلول الظلام بدأت القوات الغازية باطلاق القنابل المضيئة فوق المخيمين وذلك تسهيلاً للقتلة المجرمين حيث بدأوا اقتحام مخيم شاتيلا من الجهتين الجنوبية والغربية وبدم بارد كانت ترتكب ابشع مجازر العصر دون ضجة او خبر عاجل عن الهلوكوست الفلسطيني الذي ذهب ضحيته ثلاثة الاف شهيد ومئات المفقودين الذين تم جمعهم بالشاحنات ونقلهم الى اماكن مجهولة ولم يعرف مصيرهم حتى اليوم.
في 18/9/1982 صبيحة يوم السبت انسحب القتلة من مخيم شاتيلا بعد ان تناقل الناس خبر المجزرة وحيث كانت جثث الاطفال والنساء والشيوخ تملأ الازقة وشوارع المخيم ، لقد خلعوا انسانيتهم وداسوا على اخلاقيات الصراع حينما بقروا بطون الحوامل وقتلوا الاجنة في ارحام امهاتهم.
انتشرت اخبار المجزرة في عواصم العالم وبدأت الاتهامات تشير الى مسؤولية الغزاة الصهاينة الذين اسرعوا بإنشاء لجنة تحقيق وحملوا المسؤولية الى القوات اللبنانية واقتصرت مسؤوليتهم حسب زعمهم على سوء التقدير والاهمال.
بعدثلاثة وثلاثين عاماً، على جريمة صبرا وشاتيلا التي خطط لها الاحتلال الاسرائيلي ونفذتها المليشيات اللبنانية المتحالفة معه انذاك، تستصرخنا دماء الشهداء الذين عمدوا بالدم طريق الحرية والعودة، ولكي يظل الصوت عالياً وان يملأ ضجيج آهاتهم وصرخاتهم ضمير العالم.
ان لا ننساهم ابداً مطالبين المجتمع الدولي بديمقراطيته وحمايته لحقوق الانسان ان يلاحق المجرمين ويحاكمهم مهما طال الزمن.
الم تصنف الجمعية العامة للامم المتحدة في 24/9/1982 واستناداً الى معاهدة 1948 لمنع الابادة الجماعية ومعاهدة 1949 لحماية المدنيين في وقت الحرب، لقد تم تصنيف تلك المجزرة بعمل ابادة جماعية وتلك الجرائم لا تسقط بمرور الزمن او التقادم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها