مع ان إبراهيم صلاح، مدير مكتب موسى ابو مرزوق، عضو المكتب السياسي لحركة لحماس، أعلن امس، ان ما تداولته وسائل الإعلام ليس الوثيقة النهائية لحركة حماس، انما هي إحدى صيغ الوثيقة الخاضعة للتعديل. وقد أشرت لذلك في مقالتي قبل يومين بعنوان "عوامل أصلت للوثيقة"، وبالتالي علينا جميعا إنتظار الصيغة النهائية للوثيقة، ولكن الصيغة المطروحة تحمل في ثناياها مركبات الصيغة النهائية، ولا تحيد عن الشكل والجوهر، الذي سيعلن في مؤتمر صحفي خلال إسبوعين بحد أقصى.
لذا سأحرص على تسليط الضوء على ما حملته الصيغة المنشورة من ثغرات ونواقص وتناقضات لإعتبارين: الأول إسهاما في الحوار الدائر لتعديل الوثيقة، هذا إن كان جماعة حماس يقبلوا مثل هذا التدخل؛ ثانيا لكشف عناصر الخلل في الوثيقة، وكشف المستور فيما بين السطور، لاسيما وان بعض المراقبين الإعلاميين إندلق في قراءة متسرعة لما طفى على السطح من الوثيقة، ولم يحاول إعمال العقل في قراءة جدية. ليس بهدف الإساءة، انما لإيضاح الصورة للمواطن الفلسطيني وللمتتبعين العرب والمسلمين لخطاب حركة حماس. وأبرز ما إستوقفني في الوثيقة، هي المفاهيم والمحددات التالية، وسأتوقف امامها وفق اهميتها الفكرية والسياسية والتنظيمية:
اولا إنطلاقاً من خلفيتها الإسلاموية خلطت بشكل متعمد بين العرب والمسلمين، ووضعتهم في دائرة الأمة الواحدة. وهذا غير دقيق. لأن العرب بتاريخهم ولغتهم وثقافتهم وموروثهم الحضاري وموقعهم الجغرافي، هم أمة واحدة. وسماتهم القومية لا تنسجم ولا تنطبق على الشعوب والأمم الإسلامية، فلا يمكن إدراج الإيرانيين ولا الأتراك او الأندونيسيين او الماليزيين او الباكستانيين وغيرهم مع العرب تحت عباءة قومية واحدة. فلا اللغة واحدة، ولا التاريخ واحد ولا الجغرافيا، ووجود اية تقاطعات دينية او تاريخية لا يعني بحال من الأحوال دمج الجميع في مفهوم الأمة الواحدة. ثانيا ورد في المادة (27) بأن منظمة التحرير، هي "إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج". ولم تشر المادة للتعريف الفلسطيني المعتمد، وهو أن منظمة التحرير، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وهنا تناقض واضح بين القول، ان المنظمة إطار وطني للشعب، وبين الإطار الوطني الجامع. وبتعبير أخر ان إمكانية وجود أطر أخرى، بالنسبة لحركة حماس، هي إمكانية ورادة جدا، لأنها فتحت القوس للعبث بالمنظمة؛ ثالثا ورد في المادة ال(29) ان حركة حماس رفضت وترفض "إتفاقيات اوسلو وملحقاتها، وما ترتب عليها من إلتزامات تتناقض مع مصالح الشعب." وفي المادة (30) تؤكد الوثيقة على "ان دور السلطة الفلسطينية يجب ان يكون في خدمة الشعب، وحماية أمنه وحقوقه ومشروعه الوطني." فأين هو الموقف الصحيح لحركة حماس من إتفاقيات أوسلو؟ هل هي مع إفرازاتها وملحقاتها وتداعياتها ام هي ضدها؟ هل السلطة والمجلس التشريعي، الذي حمل نواب حركة حماس إلى سدة التشريع وما نجم عن ذلك من إفرازات أمنية واجتماعية وإقتصادية وغيرها، شرعي ومقبول ام مرفوض؟ على حركة حماس ان تخرج من دائرة التعويم والضبابية إلى دائرة التحديد والدقة؛ رابعا تؤكد حركة الإنقلاب في المادة (28) على ضرورة بناء المؤسسات والمرجعيات الوطنية الفلسطينية على اسس ديمقراطية سليمة وراسخة، في مقدمتها الإنتخابات الحرة والنزيهة وعلى قاعدة المقاومة والشراكة...إلخ". السؤال الأبرز، هل حماس تؤمن بالديمقراطية من أصله؟ وهل هي جاهزة لتطبيقها في الواقع العملي؟ وإذا كانت كذلك لماذا تكمم الأفواه في محافظات الجنوب؟ ولماذا تعتقل اصحاب الأراء المختلفة معها؟ لماذا لا تسمح بالتظاهر والإعتصام وتطارد كل صاحب رأي حر؟ وهل فعلا تؤمن بالإنتخابات من حيث المبدأ؟ ولماذا ترفض المشاركة في الإنتخابات البلدية في ايار القادم؟ ولماذا ترفض إجراء إنتخابات رئاسية وتشريعية طيلة عشر سنوات؟ وهل من يؤمن بالإنتخابات والديمقراطية يواصل الدفاع عن الحكومة الربانية؟ وهل تؤمن حماس بالشراكة؟ وإذا كانت كذلك، فأين هي من الشراكة والقبول بالآخر الفلسطيني؟ خامسا تؤكد في المادة (26) بأن حماس تؤمن وتتمسك بإدارة علاقاتها الفلسطينية على قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية، وقبول الأخر، وإعتماد الحوار بما يعزز وحدة الصف والعمل..." من يقرأ ما ورد يعتقد انه يقرأ وثيقة لحزب ديمقراطي ليبرالي، ولكن الوثيقة وموادها لحركة الإنقلاب الحمساوية. فهل اي نقطة من النقاط، التي وردت أعلاه دقيقة وتنسجم مع واقع الحال القائم في محافظات القطاع ومع فصائل العمل الوطني والقيادة الشرعية؟ ولا نقطة واحدة لها علاقة او صلة بالواقع. لأن حماس والتجربة الماثلة على الأرض ومواقف قيادات حماس الإنعزالية والإنقلابية خير دليل على ذلك، فهي لا تؤمن بالحوار ولا بالشراكة ولا التعددية ولا هي معنية بالمصالح الوطنية. ولو كان الأمر غير ما إستنتجته، لماذا لم تتقدم حركة حماس نحو المصالحة الوطنية؟ لماذا لأن بعد إغتيال الشهيد فقها تحاصر المواطنين وتمنعهم من الحركة وتأمين مصدر رزقهم؟ لماذا لا تسمح لحكومة التوافق الوطني بالعمل وتجسير الهوة بين جناحي الوطن؟ لماذا ترفض الإنتخابات بكل اشكالها وألوانها ومسمياتها؟ سادسا تؤكد حماس في المادة (31) على ضرورة إستقلالية القرار الوطني، وعدم إرتهانه لجهات خارجية .... إلخ هل هذا ينسجم مع إرتباطات وأجندات حركة حماس الإخوانية؟ هل إستقلت حركة حماس عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين؟ هل تملك إرادة التقرير دون العودة للحواضن العربية والإسلامية؟ هل حماس مستقلة وحريصة على إستقلالية القرار الوطني الفلسطيني، أم أنها تكذب على نفسها والشعب والعالم؟ سابعا في المادة (32) تؤكد حماس "ان مختلف مكونات المجتمع من شخصيات ورموز ووجهاء ومؤسسات المجتمع المدني، والتجمعات الشبابية والطلابية والنقابية والنسائية العاملة من اجل تحقيق الأهداف الوطنية، هي روافد مهمة لعملية البناء المجتمعي ولمشروع المقاومة والتحرير." من قرأ هذه المادة من الشباب والنساء والمنظمات الأهلية والنقابية صدق كلمة واحدة فيما ورد؟ هل حركة حماس تعتقد ان الشعب "ساذج" وأهبل حتى تضحك عليه؟ ام هي حركة مخبولة ولديها إنفصام في الشخصية والمواقف؟ بالتأكيد حماس ليست غبية ولا لديها إنفصام، ولكنها تسعى من خلال ما طرحته في الوثيقة الكذب بشكل فاجر ومعلن على المواطنين الفلسطينيين. وهي فيما اعلنته او ستعلنه لاحقا ترتب لشيء مريب وخطير.
لم اتوقف امام موضوع قبولها بالدولة على حدود ال1967، لان حماس مذ زمن بعيد اعلنت قبولها بدولة "ذات حدود مؤقتة"، وهي تؤصل الآن لإستمرار الإمارة الغزية، وليست معنية لا من قريب او بعيد بالمشروع الوطني. وان كانت القيادة الجديد بزعامة يحيى السينوار ي القطاع معنية بتجسير العلاقة مع الكل الوطني، عليها اولا ان توقف فورا كل اشكال التحريض والإنفصال والشرذمة، وتطوي صفحة الإنقلاب مرة وإلى الأبد. لإن الباقي يأتي في إطار التفاصيل.
بالتأكيد عندما تصدر الوثيقة بشكلها النهائي، سيكون هناك مناقشة لمحتوياتها الفكرية والسياسية والتنظيمية والنضالية.