نيسان ليسٓ كمثلهِ شهر.. فهو سرُّ أسرارِ الربيعِ، وهو عودةُ الحياة إلى بداياتها.. لذلك اختار أجدادُنا الكنعانيون أن يحتفلوا في بدايتِه بذكرى أمواتهم.. في "خميس الأموات" أو "خميس البيض"، ثاني يوم خميس من شهر السنابل..وكأنهم كانوا يعرفونٓ سلفاً أن هذا الشهرٓ سيكونُ شهرٓ الشهادةِ والشهداء..

في الذاكرة الفلسطينية المعاصرة يكادِ نيسانُ أنْ يختزلٓ كلّٓ ما في الجرحِ الفلسطيني من دروبِ النزيف، فهو نداءٌ مستمرٌّ لا ينقطعُ عن اختبارِ جهوزيتنا لإثباتِ حبّنا لفلسطين لتبقى مُزهِرةً فخورةً بعاشقيها..

نيسانُ شاهدُ مجزرةِ دير ياسين بما فيها من تجسيدٍ للإرهاب الصهيوني المجّرّدِ من كل الأقنعة، وهي مجزرةٌ تشكّلُ بكلّ ما فيها من بشاعةٍ شهادةٓ الميلادِ الحقيقيةٓ لإسرائيل.

نيسانُ هو الإسمُ الحركيُّ لمعركةِ القسطلِ وشهيد القدسِ وفلسطين عبد القادر الحسيني.. وهو القائدُ الشاهدُ أنّ الفلسطينيّ لم يٓهرُبْ تاركاً القدسٓ لمصيرِها وإنما صمدٓ وقاتلٓ واستشهِدٓ فأصبح إسمهُ واحداً من أسماءِ القدْسِ الجميلة..

نيسانُ شهرُ الشهداءِ الثلاثةِ في فردان: أبو يوسف والكمالين.. الذين كان استشهادُهم بمثابةِ معركةِ كرامةٍ جديدةٍ شكّلتْ منعطفاً تاريخياً في التفافِ الجماهيرِ والقوى الوطنية اللبنانية حولِ الثورةِ الفلسطينية وهو ما شكّل درعاً حمى الثورةٓ في معركتِها ضدّ الإنعزاليين في زمن الحربِ الأهليةِ اللبنانيةِ وضدّ اعتداءاتِ إسرائيل التي بلغتْ ذروتٓها في معركةِ بيروت..

نيسانُ هو الشهرُ الذي تقلّدّ فيه أبو جهاد أرفعٓ أوسمةِ المجدِ ليصبحٓ "أميرٓ الشهداء" فكان استشهادُه انطلاقةً جديدةً للإنتفاضةِ الأولى، وهي الأنتفاضةُ التي جسّدت مقولةٓ قائدنا ورمزنا "أبو عمار" وهو يغادر بيروتٓ عندما سألوه : إلى أينٓ أنتٓ ذاهب؟ فكان ردّهُ بلغةِ الواثق: إلى فلسطين..

نيسانُ شهرُ ملحمةِ الصمودِ في مخيم جنين وقائدِه الأسطورة الفدائي يوسف أحمد ريحان (أبو جندل)

نيسانُ هو يومُ الأسيرِ الفلسطيني.. وها هُم أسرى الحريةِ في سجونِ الإحتلالِ يشحذونٓ سلاحٓ الأمعاءِ الخاويةِ ليشهروهُ في وجوهِ جلّاديهم رافعينٓ شعارٓ فتح: نموتُ واقفين ولنْ نركع..

نيسانُ الفلسطينيُّ شهرٌ لا مكانٓ فيه للكذب، فهو شهرُ الصِّدْقِ مع الوطنِ والحفاظِ على العهدِ والقسم..