أعلن نتنياهو قبل أربعة أيام بأنه مستعد للتفاوض مع الفلسطينيين على أساس مقترحات أوباما.  وكان أوباما قد أعلن في خطابه في أيار الماضي أن الدولة الفلسطينية يجب أن تُقام على أساس حدود 1967، (وهذه الحدود طبعاً تشمل الاراضي التي احتلت في العام 1967 وهي الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس الشرقية).

 

القيادة الفلسطينية وصفت نتنياهو مباشرة بأنه يكذب.

تصريحات نتنياهو استناداً إلى الواقع الملموس تحمل في طياتها شكلاً ممجوجاً من التضليل، ومحاولة لقطع الطريق على المسعى الفلسطيني لطلب الاعتراف من الامم المتحدة بالدولة الفلسطينية على حدود العام 1967.

نستنتج من مضمون تصريحات نتنياهو ما يلي:

أ‌.   القيادة الإسرائيلية تعيش أزمة حقيقية لأنها تدرك أهمية نجاح هذه الخطوة الفلسطينية، وتعتبر أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية المُستند إلى قرارات الشرعية الدولية هو تهديد حقيقي لوجود الاحتلال الاسرائيلي، وبالتالي انتقال الفلسطينيين في الاراضي المحتلة من مرحلة العيش تحت الاحتلال إلى مرحلة طرد الاحتلال، لذلك جاءت تصريحات نتنياهو لعبة سياسية مكشوفة، وهو كالتاجر المفلس الذي لم يبق عنده ما يسوِّقه من المواقف المقنعة.

ب . إنَّ الائتلاف الحكومي الاسرائيلي القائم لا علاقة له في توجهاته وسياساته بشيء اسمه المفاوضات المجدية، أو بشيء اسمه عملية السلام، ويحاول نتنياهو تمييز نفسه بمواقف سياسية كاذبة حتى يقنع الآخرين بأنه يختلف مع ليبرمان وشاس وباقي أركان التحالف اليميني.  هذه الكذبة المكشوفة تفتقر إلى أدنى مستوى من مقومات المصداقية.  فنتنياهو يمثِّل هذا الثالوث العنصري المتطرف الذي يؤكد يومياً أنه لن يوقف الاستيطان ولو ليوم واحد، وانما يؤكد على بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية يوماً بعد يوم، وخاصة في القدس الشرقية لإفقادها طابعها العربي، وتهجير سكانها، وتهويد أحيائها، وسنِّ القوانين العنصرية المعادية للوجود العربي في القدس، وتعزيز الوجود الاسرائيلي.

 

ج نتنياهو لا يقيم وزناً للمجتمع الدولي، لا هو، ولا من سبقه من قادة الكيان الاسرائيلي العنصري، والذي وصل به الحد إلى تحدي الرئيس أوباما، وممارسة الضغوط اليهودية عليه لإظهاره أمام العالم كدمية بيد إسرائيل وأعوانها المحافظين الجدد من المسيحية المتصهينة التي كان لها الفضل في تدمير العراق، وقتل ما يزيد على مليون من ابنائه.  يتجرَّأ نتنياهو ويستخف بعقول قادة الدول، ويحاول أن يظهر بمظهر المرونة، والاستعداد لإعادة الحسابات السياسية المتعلقة بالمفاوضات مع الجانب الفلسطيني، إلاَّ أنَّ تصريحاته لم يأخذها أحدٌ بالحسبان لأنها بضاعة فاسدة، ولأنَّ دول العالم باتت اكثر معرفة وجرأة في التعاطي مع الحقائق التاريخية، ومع المعطيات السياسية.  لقد فشل نتنياهو في تسويق هذه المواقف التي لم تجد من يتعاطى معها، أو يصدقها، أو يتأثر بها.

 

د هذا التصريح لنتنياهو ترافق مع حملة محمومة من التحريض على الجانب الفلسطيني، وقيام وفود إسرائيلية بزيارة العديد من الدول الافريقية والاميركية الجنوبية والاوروبية، واستخدام أساليب الترهيب والترغيب معها، لحملها على رفض الطلب الفلسطيني من الامم المتحدة الاعترافَ بالدولة الفلسطينية المستقلة، لأن نتنياهو يعتبر الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني المشرد منذ ثلاتة وستين عاماً بتقرير مصيره عملاً عدوانياً يشكل خطراً على وجود إسرائيل.  وهو منطق سياسي مرفوض بكل المقاييس والمعايير.  فالكيان الاسرائيلي الذي قام على أساس القرار 181 العام 1947 هذا القرار نفسه يقرُّ أيضاً بقيام دولة فلسطينية عربية إلى جانب الكيان الإسرائيلي، فهل يجوز لإسرائيل التي أقامت كيانها، واحتلت كل الاراضي الفلسطينية إلى جانب أراض عربيه، ومارست القتل والتدمير والعنف يومياً، وتصادر الاراضي، وتقيم المستوطنات، وفي الوقت نفسه تطلب من العالم أن لا يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني.

 

هـ - نتنياهو يريد مفاوضاتٍ بالشروط الاسرائيلية، مفاوضات تركيع للجانب الفلسطيني، مفاوضات عدمية، مفاوضات تعطي المزيد من الوقت لمصادرة المزيد من الاراضي، مفاوضات تلبي الاهداف الصهيونية الاحتلالية التي تبحث عن أمن إسرائيل، وتسمين المستوطنات، وخنق القدس تمهيداً للقضاء على الوجود العربي فيها.

 

باختصار فَشل نتنياهو في تحريض المجتمع الدولي على القيادة الفلسطينية، وانقلب السحر على الساحر. ما يجري يؤكد أن معركة أيلول الدبلوماسية والسياسية لن تكون سهلة، وتحتاج إلى جهود مكثَّفة، وحسن إدارة من قبل إخصائيين قانونيين، ومن قبل الراسخين في علم السياسة. معركة أيلول في غاية الأهمية، وليس أمام الشعب الفلسطيني إلاّ أن يخوضها دون تردد، وعلى القيادة الفلسطينية أن تضع الخطط والبرامج لتحريك الشارع الفلسطيني والعربي، وستكون معركة أيلول رابحة لأنها تنطلق من قرارات الشرعية الدولية، ومن الحقائق التاريخية، ومن معاناة شعب مضى على تشرده أكثر من ثلاثة وستين عاماً. والفشل ينتظر نتنياهو وائتلافه الاجرامي الذي لا تعنيه المفاوضات، ولا تعنيه عملية السلام.

 

مفوضية الاعلام والثقافة

الحاج رفعت شناعة

6/8/2011