أتحفنا موشي أرنس، الليكودي المعروف بمقالة مفرطة في التذاكي والاستهبال للفلسطينيين عنونها "بلفور وابو مازن" نشرها في صحيفة "هآرتس" امس. حاول فيها أولا إظهار "اهمية" الوعد المشؤوم (بلفور)، عنوان ومصدر نكبات الشعب الفلسطيني، وكأنه "نعمة" نزلت من السماء على الفلسطينيين، لانه كان العامل الاساس في "استنهاض" شخصيتهم الوطنية، التي كانت حسب قراءته الاستعمارية غير محددة المعالم، ومطموسة في نطاق القومية العربية؛ ثانيا وكان "الوعد" البريطاني، الذي أعطى من لا يملك لمن لا يستحق وفق تشخيص أرنس "هدية من السماء"، لأنه اوجدهم تحت "رحمة" إسرائيل الاستعمارية، الامر الذي ابعدهم عن حالة التشظي، التي تعيشها الدول العربية الراهنة، وكأن إسرائيل لم تمزق وحدة الشعب الفلسطيني إلى ديانات وطوائف ومذاهب داخل إسرائيل، وكأنها لم تدعم الانقلاب الحمساوي لتمزيق وحدة ابناء الشعب وقضيتهم واهدافهم الوطنية لتصفية وتبديد وجودهم على الارض الفلسطينية؛ ثالثا إعتبار الوعد "فرصة ذهبية" للفلسطينيين، لانه اوجدهم على الخارطة الجيوبوليتكية. ولولا دولة التطهير العرقي الاسرائيلية لما كان احد سمع بهم؛ رابعا "ولاهمية الوعد" اصبح الرئيس ابو مازن موجودا وشخصية مهمة. وكتب في مقالته تعميقا لفكرتة الاستعمارية:" هل سيأتي اليوم، الذي يعترف فيه الفلسطينيون المواطنين في إسرائيل، وحتى اولئك، الذين يعيشون في القدس، "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) بحقيقة ان حظهم كان جيدا؟ وأن إنشاء دولة إسرائيل خلصهم، كما يبدو، من المعاناة، التي كانت من نصيب أخوتهم العرب في الدول المجاورة؟"

ولتعزيز رؤيته الخطيرة، إستشهد وزير الجيش الاسرائيلي الاسبق بما كتبه الاميركي المناصر لإسرائيل، سكوت أندرسون في مقالته "سياسة محطمة: كيف تفكك العالم العربي" في صحيفة "نيويورك تايمز" في13 آب الحالي، التي جاء فيها:" من المرجح انه لولا قيام دولة إسرائيل، لما كان الفلسطينيون سينجحون بالافلات من الكارثة الغربية.."؟ 

دون مقدمات يمكن للمرء الرد بشكل مكثف ومقتضب على المستعمر ارنس ونصيره الاميركي البشع اندرسون، اولا الشعب الفلسطيني يعتز ويفتخر بانتمائه لأمته وقوميته العربية. وهو كان ومازال وسيبقى من دعاة الوحدة العربية؛ ثانيا إنتماء الشعب الفلسطيني لقوميته العربية، وتداخل المصالح الاخوية المشتركة بينه وبين الشعوب العربية الشقيقة، لم تلغ يوما من الايام لا في زمن الخلافة التركية ولا في زمن الانتداب البريطاني. وكان الجميع يعي وجود الشعب الفلسطيني، التي تكرست عبر تاريخ وجوده على الارض الفلسطينية منذ بدء الخليقة؛ ثالثا كان الانتداب البريطاني ووعد وزير خارجية حكومة المملكة المتحدة لعنة وكارثة حقيقية ألمت بالشعب الفلسطيني، تجسدت بقيام دولة التطهير العرقي على انقاض تشريد وطرد ما يقرب من المليون إنسان فلسطيني من مدنهم وقراهم وسهولهم وجبالهم إلى بلدان الشتات والفاقة والعوز والجوع. ووقع على رأس الفلسطينيين عشرات المجازر والحروب الاسرائيلية والبريطانية وبدعم من الغرب الرأسمالي ككل. وبالتالي عن اي نعيم يتحدث أرنس واندرسون؟ رابعا لو لم تكن إسرائيل والنفط والثروات العربية، التي سعى لها الرأسماليون الغربيون جميعا: بريطانيا، فرنسا، المانيا، ايطاليا وأميركا وغيرهم، ومازالوا يسعون اليها لتحطيم الاهداف الوطنية والقومية لشعوب الأمة العربية، لما كان هناك حاجة اولا لقيام دولة إسرائيل، وثانيا لما كان هنك ضرورة لكل عمليات الشرذمة والتفكيك والحروب، التي يشنها الغرب عموما واميركا خصوصا وإسرائيل المارقة والخارجة على القانون وادواته التكفيرية من الاسلامويين على الدول والشعوب العربية. بتعبير ادق وجود إسرائيل ومصالح الغرب الحيوية كما اعلنها رؤساء اميركا المتعاقبين ألف مرة لما فعلوا ما فعلوا في شعب فلسطين والشعوب العربية الشقيقة؛ خامسا الرئيس ابو مازن وفصائل العمل الوطني جميعها، لا يهمها اين تكون في المشهد السياسي، ولم تكن تريد اي مطمح شخصي سابقا ولا راهنا، ولكنهم جميعا كأبناء للشعب الفلسطيني ارادوا وحلموا اسوة بكل بني الانسان في الكرة الارضية، ان يعيشوا بسلام ووئام، وان يعيش اطفالهم وشعبهم أحرارا دون جرائم وانتهكات واحتلالات بغيضة وبشعة، ودون عنصرية وفاشية وتطهير عرقي وعمليات إقتلاع، يعيشونه على مدار الساعة من ممارسات دولة إسرائيل الاستعمارية؛ سادسا لن يقول الشعب الفلسطيني لا في داخل دولة إسرائيل ولا في الاراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس "ان حظهم كان جيدا"، بل كان وبالا ولعنة عليهم وجريمة بحق البشرية كلها، لأنه في الوقت، الذي انتصرت فيه البشرية على الفاشية الايطالية والنازية الالمانية، قام الغرب الاستعماري باقامة دولة الاستعمار الاحلالي والاجلائي والاقتلاعي الاسرائيلية على انقاض الشعب الفلسطيني. وبالتالي كما لعنوا اللحظة، التي وجد فيها الانتداب البريطاني المجرم ودولة إسرائيل الاستعمارية البغيضة، سيلعنون دوما هذا الوجود الدامي، الذي أدمى حياتهم وشردهم من بيوتهم ومدنهم وقراهم ودولتهم، وأوقع بينهم عشرات ومئات الالاف والملايين من الضحايا: امواتا او جرحى او معتقلين او مشردين في اصقاع الدنيا، وسيواصلوا الكفاح العنيد لبلوغ هدف الحرية والاستقلال وتقرير المصير والعودة لديارهم ومدنهم وقراهم، التي شردوا منها في عام النكبة 1948 وعام النكسة 1967.

واما ملاحقة بريطانيا غير العظمى ومقاضاتها في المنابر البريطانية والأممية من قبل القيادة الفلسطينية سيستمر ويتواصل، ولن تحيد عنه، رغم كل العقبات، التي يمكن ان تعرض حملتها الوطنية والقومية.