زيارة سامح شكري، وزير خارجية مصر لإسرائيل الاحد الماضي ليست مفاجئة لاحد، رغم انها جاءت بعد تسع سنوات من آخر زيارة لوزير خارجية مصري، وكون الوزير المكلف عادة بالتواصل مع القيادات الاسرائيلية، هو وزير المخابرات ومساعديه. لان العلاقات المصرية الاسرائيلية لم تنقطع، لا بل إستمرت بقوة، ولم تتأثر كثيرا بما أحدثتة ثورتي 25 يناير و30 يونيو، وإنقشعت الظلال، التي واكبتها، لان  القيادة المصرية وضعت نصب عينيها الاعتبارات التكتيكية والاستراتيجية للدولة والنظام المصري.

كما ان توقيت الزيارة لم يكن عفويا، انما جاء معدا بدقة وبما يخدم ويؤمن الحصاد المصري على اكثر من مستوى وصعيد. فجاءت الزيارة في اعقاب زيارة المحامي إسحق مولخو للقاهرة، الذي وصل مطار تل ابيب قبل دقائق من وصول الوزير المصري له، وبعد انتهاء زيارة نتنياهو لافريقيا، وفي اعقاب توقيع الاتفاق الاسرائيلي – التركي، وايضا بعد زيارة شكري باسبوعين لرام الله ولقاء القيادة الفلسطينية وخاصة الرئيس محمود عباس، وتنسيق المواقف معها بشأن عملية السلام والدور المصري المؤمل لعبه في مقبل الايام.

مما ورد اعلاه، فإن زيارة وزير خارجية الشقيقة الكبرى جاءت متوافقة مع مصالح مصر الوطنية والقومية بمعايير النظام السياسي، ووفق التقديرات الموضوعية، فإن الملفات، التي جرى بحثها والحوار بشأنها او اخذ الاجابات عنها او معالجتها، هي: اولا تعزيز التعاون الثنائي المشترك بين البلدين، وإعطاء دفعة قوية للعلاقات الديبلوماسية من خلال زيارة وزير الخارجية لإسرائيل؛ ثانيا الوقوف على ما حمله نتنياهو من زيارته لاثيوبيا ودول حوض النيل الافريقية بين 4و8 تموز الحالي. لاسيما وان سد النهضة الاثيوبي قارب على الانتهاء، وفي حال لم تتراجع الحبشة عن سياساتها المائية، التي تحرم مصر ما بين 11 إلى 19 مليار متر مكعب، التي تعني تخفيض الطاقة الكهربائية ما بين 25 إلى 40%، وانعكاس ذلك على المشاريع وحاجات الشعب المصري. وحسب مصادر إعلامية إسرائيلية، فإن نتنياهو حمل معه مؤشرات ايجابية لصالح مصر. اضف الى ان اهمية ما يمكن ان يكون نتنياهو قد حمله، سيكون له صدى في لقاء وزراء خارجية دول حوض النيل يوم الخميس المقبل في اوغندا لبحث مسألة توزيع مياه النيل؛ ثالثا كما ان الزيارة تأت في اعقاب توقيع إتفاق التطبيع الاسرائيلي_ التركي، وإنعكاس ذلك على علاقة تركيا مع حركة حماس وإرتدادات ذلك على النظام المصري على اكثر من مستوى وصعيد؛ رابعا ايضا يندرج في قضايا البحث العلاقات الاسرائيلية مع كل من قبرص واليونان، والاطلاع على ما يهم القاهرة على هذا الصعيد؛ خامسا طلب المساعدة من إسرائيل للضغط على الولايات المتحدة بعدم سحب قوات المراقبة الدولية من سيناء، وهو ما تعتبره مصر رضوخا لمشيئة الجماعات التكفيرية؛ سادسا الملف الفلسطيني الاسرائيلي، الذي بادر له الرئيس عبد الفتاح السيسي في السابع عشر من ايار الماضي عندما دشن عدد من مشاريع الكهرباء في الصعيد المصر، وكان يحرص على جمع القيادات الاسرائيلية من الحكومة (نتنياهو) والمعارضة (هيرتسوغ) والدفع بتشكيل حكومة وحدة وطنية بهدف فتح افق نحو خيار حل الدولتين. لكن نتنياهو افشل تلك الافكار بضمه ليبرمان لحكومته. وعلى ما يبدو ان القيادة المصرية لم تفقد الامل بتعزيز الثقة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي كمقدمة للانتقال خطوة جديدة نحو عملية السلام. لادراك القيادة المصرية ان فكفكة الالغام الاسرائيلية من امام عربة السلام، يساعد في تعزيز الامن الاقليمي. كما ان الملف السوري كان موجودا على طاولة البحث، والعلاقات الاسرائيلية الروسية لم تكن بعيدة، وغيرها من الملفات العربية والاقليمية، التي تهم الطرفين.

مع ذلك، على القيادة الفلسطينية، وهي تبارك الجهود المصرية الشقيقة لدفع عملية السلام، فإنها معنية بالتركيز على المبادرة الفرنسية، ومنحها ما تستحق من الاهتمام، لان عقد المؤتمر الدولي وخلق ميكانيزمات لرعاية اممية جديدة، يشكل احد عوامل القوة الفلسطينية في مواجهة التعنت والاستعصاء الاسرائيلي وايضا المحاولات الاميركية المستميتة التغطية على انتهاكات إسرائيل، وتقرير الرباعية الدولية خير مثال على ذلك. في السياق تملي الضرورة ايضا التوجه لمجلس الامن لانتزاع قرار اممي جديد لادانة الاستيطان الاستعماري في اراضي الدولة الفلسطينية المحتلة. ولا يجوز هنا وضع اي من الخطوات الثلاث (الجهد المصري، مؤتمر باريس في الخريف القادم والتوجه لمجلس الامن) في مواجهة بعضها البعض، بل النظر لها في نطاق التكامل بما يخدم المصالح الوطنية.