مضى عام آخر من نكبة الشعب العربي الفلسطيني، وهو أكثر تصميما وإصرارا على بلوغ الاهداف الوطنية في الحرية والاستقلال وتقرير المصير وحق العودة إلى ارض الاباء والاجداد، التي طرد منها بفعل مؤامرة اوروبية اميركية رأسمالية وتواطؤ عربي وغياب أداة وطنية جامعة.

ثمانية وستون عاما من عمر النكبة، التي حلت على الشعب بإقامة دولة إستعمارية لليهود الصهاينة، الذين هُجروا من أصقاع العالم قصراً او عبر التضليل ليحلوا مكان اصحاب الارض الاصليين الفلسطينيين. وامدهم الغرب الاستعماري بكل مقومات التأصيل لدولتهم المارقة من المال والسلاح والاقتصاد، فضلا عن البنية التحتية الموجودة اصلا في الوطن الفلسطيني، التي جرى تطويرها بما ينسجم ويتوافق مع تطلعات الرأسمال العالمي والحركة الصهيونية لقاعدتهم المادية الدولة العبرية.

اراد الصهاينة بدعم من الغرب الرأسمالي وتواطؤ العرب من خلال النكبة نفي وطمس الهوية والشخصية الوطنية الفلسطينية كليا، غير ان مشروعهم الكولونيالي، انتج مفاعيل عكسية لجهة التأصيل للمشروع الوطني الفلسطيني؛ واوجد الشروط الذاتية والموضوعية لانبعاث المارد الفلسطيني، رغم التشرد والاضطهاد والجوع والملاحقة من كل الدول المشاركة في جريمة النكبة.

وكانت الثورة الفلسطينية المعاصرة 1965 1967 تعبيرا عن ولوج مرحلة نوعية في الكفاح التحرري الوطني، التي جاءت بفعل تراكم الجهود الكفاحية للقوى الوطنية والقومية واليسارية الفلسطينية، وبدعم من القوى القومية العربية الناهضة بعد غروب عصر الاستعمار القديم عن دول الامة العربية والاصدقاء الامميين في العالم. وتمكنت من تحقيق إنجازات هامة واستراتيجية في فضح وتعرية المشروع الكولونيالي الصهيوني الاجلائي والاحلالي، وارغمت العالم على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب العربي الفلسطيني، واعترفت الشرعية الدولية بكفاح الشعب وحقه في تقرير المصير، وأقرت له استخدام كافة اشكال النضال لتحقيق اهدافه الوطنية.

ورغم تكالب إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة، إلآ ان القيادة الفلسطينية نجحت في فرض خيارها الوطني على الجميع عبر تبوأها موقع فلسطين في المنابر والمؤسسات العربية والاقليمية والقارية والاممية. واي كانت المثالب والاخطاء الملازمة لاتفاقية اوسلو، ومع انها لم تستجب لطموحات الشعب الفلسطيني ولا لتضحياته الجسام خلال العقود الخمسين، التي سبقت التوقيع عليها، غير انها اوجدت اول كيانية فلسطينية، وتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية في نوفمبر 2012 كعضو مراقب في الامم المتحدة، بالاضافة لتحقيق انجازات اخرى منها عودة مئات الالاف من المشردين والنازحين لوطنهم الام. والاقرار العالمي بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. نعم الدولة الاسرائيلية قائمة منذ النكبة، وهي ماضية في إستكمال مشروعها الصهيوني، إلآ ان كفاح الشعب الفلسطيني متواصل بدعم واسناد الاشقاء والاصدقاء وكل انصار السلام في العالم لاستكمال بناء واستقلال الدولة الفلسطينية ذات السيادة على حدود الرابع من حزيران عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194.

وبمناسبة حلول ذكرى النكبة ال68، فإن الضرورة تحتم التأكيد، ان المشروع الوطني يواجه تحديا داخليا اخطر من الاحتلال، ويعتبر مصلحة إستراتيجية إسرائيلية، هو الانقلاب الاخواني على الشرعية منذ تسعة اعوام، الذي هدد ومازال يهدد المشروع الوطني، الامر الذي يستدعي من الجميع الوطني العمل على طي صفحته مرة والى الابد، لانه لا مشروع وطني دون تصفية إنقلاب حماس وعودة القطاع لحاضنة الشرعية الوطنية.

حق العودة كان ومازال حقا مقدسا، ولا يمكن لكائن من كان التنكر له او إسقاطه، لانه حق شخصي ووطني عام. متمسكون بالحق حتى نعود، ولن نتخلى عن روايتنا وحقوقنا الوطنية مهما كانت التضحيات، وسنعود يوما عما قريب.