مساءات الفقراء في قطاع غزة المنكوب بالاحتلال والحصار الاسرائيلي والانقلاب الحمساوي، تسكنها العتمة الموحشة او بصيص ضوء شمعة يعبث بها الريح المتسلل من البحر عبر الابواب والشبابيك المتآكلة والمتشققة. والعائلة السعيدة منهم، التي يصبح عليها الصباح، وهي تواصل الحياة. غير ان عائلة محمد ابو الهندي، المقيمة في معسكر الشاطئ، كانت يوم الجمعة الماضي، على موعد مع الكارثة، حيث امتد لهيب الشمعة إلى فرشات الاسفنج، التي ينام عليها الاطفال الثلاثة: رهف ويسرى وناصر، الذين تتراوح اعمارهم بين عام واحد واربعة اعوام، فاشتعلت واشعلت البيت والاجساد الندية. دقائق معدودة لا تزيد عن الخمس الفاصلة بين إحضار الدواء لاحد الاطفال وبين الكارثة.
الدفاع المدني واجهزة الانقلاب الحمساوية المعنية تأخر وصولها قرابة الساعة، والبعض حين يشاء التخفيف من وقت التأخير، يدعي انه يزيد على النصف ساعة قليلا. لكنه لا ينكر التأخر. وبعد ان سبق السيف العذل، واتمت النيران المشتعلة شي لحم الاطفال الشهداء الثلاثة لم تشأ قيادة الانقلاب الحمساوية التستر على فضيحتها ومسؤوليتها عن الجريمة، وتصمت او تحاول البحث عن ذرائع ومبررات للتغطية على فضيحة الكارثة الجديدة، فقامت باصدار تعميم على قياداتها وناطقيها الاعلاميين، تطالبهم فيها بتوجيه الاتهام للرئيس محمود عباس وقيادة السلطة الوطنية. فتنطلق الابواق المسعورة بالنعيق لتغطية عوراتها وجرائمها، هذا من جانب، ولتعميق حالة التوتر في اوساط الساحة، من جهة ثانية، ولقطع الطريق على حوارات المصالحة في الدوحة، لاغلاق اية بارقة امل، من جهة ثالثة، وايضا في محاولة مفضوحة لتعليق ازماتها على شماعة القيادة الشرعية خاصة الرئيس ابو مازن، من جهة رابعة ولتبرئة إسرائيل من جريمتها، اخيرا.
مما لاشك فيه، ان من يتحمل المسؤولية الاساسية عن كل ما يصيب ابناء الشعب الفلسطيني في كل الارض الفلسطينية، هو دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية. لانها بمواصلة حصارها، وعمليات الخنق الممنهجة لحياة المواطنين في محافظات الجنوب، ومواصلة تدمير توربينات محطة الكهرباء، والتقليص المتعمد من كميات الكهرباء الممنوحة للقطاع، أدت لانخفاض حاد في زمن التقنين. غير ان العامل الاسرائيلي على اولويته، لا يغيب المسؤولية المباشرة والرئيسية لحركة الانقلاب الحمساوية عن الجريمة الكارثية في حرق الاطفال الثلاثة ومضاعفة حالات الانتحار والمصائب المتصاعدة، التي تطال حياة المليون وثمانمئة الف مواطن في قطاع غزة. والاسباب المنطقية والعلمية تستند للتالي: اولا انقلابها على الشرعية الوطنية منذ تسع سنوات؛ ثانيا مواصلة سيطرتها على محافظات الجنوب، وعدم منح حكومة التوافق الوطني اي فرصة للقيام بمهامها على الارض؛ ثالثا مواصلة حكومة الظل بقيادة زياد الظاظا إدارة شؤون المواطنين في القطاع؛ رابعا رغم ازمة الكهرباء الناجمة عن تعطيل بعض التوربينات، غير ان حماس تصادر الحصة الاكبر من الكهرباء، حيث تقوم بمصادرة حوالي 40% من الكهرباء لانفاقها على بيوت ومكاتب قياداتها ولمنابرها الاخرى، التي لا ينقطع عنها التيار الكهربائي، ومنها بيت إسماعيل هنية، الذي لا يبعد سوى مئة متر عن بيت محمد ابو الهندي المنكوب؛ خامسا تتحمل سلطة الطاقة التابعة للحكومة الشرعية بقيادة الدكتور رامي الحمد الله المسؤولية عن 70% من ضريبة البلو، التي تقدر شهريا ما بين 70 و80 مليون شيقل، في الوقت، الذي لا تسدد حركة حماس ولا من هم محسوبون عليها قيمة فواتير الكهرباء... إلخ.
القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس، لم تتخل عن مهامها ومسؤولياتها عن كل الشعب في الداخل والشتات وحيثما كان. ولكن المسؤول المباشر، والذي يعطل اي تقدم تجاه عملية المصالحة، ويعمق من ازمات المواطنين لفرض خيار الامارة، هي قيادة حركة حماس، ولا احد غيرها، وعلى ابناء الشعب في القطاع تحمل مسؤولياتهم لطي صفحة الانقلاب الحمساوي، والانعتاق من شروره مرة والى الابد، لان حماس وما تمثل، هي عنوان الخراب والتدمير الذاتي، وتتكامل مع اسرائيل في ضرب ركائز المشروع الوطني.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها