دوما ما تحتفظ بيرزيت ببريق مختلف عما سواها من الجامعات سواء الامريكية أو النجاح أوبيت لحم أو الخليل أو الأزهر، رغم أهمية الجامعات الأخرى التي ربما يتفوق حجم التأثيرالواقعي فيها عنه في جامعة بيرزيت، وما هذا البريق لجامعة بيرزيت الا ارتباطا بعوامل تاريخية[1] وسياسية-نضالية طلابية قديمة، بل واعلامية وتوظيفية-سياسية يجعل مثل هذا البريق يستمر ساطعا رغم حقيقة المتغيرات الجديدة على الأرض، أو تناقض هذه الرؤية مع الحقيقة العلمية.
يمكننا أن نلاحظ تقارب النشأة التاريخية لكل من جامعة الخليل (كلية الشريعة) وجامعة بيت لحم (يديرها رهبان) في الفترة الزمنية مع جامعة بيرزيت وجامعة النجاح إلا أن الأخيرتين كانتا منبر الحركة الطلابية "الوطنية" الأساس، وإن طغى بريق بيرزيت كثيرا لأنها قريبة من العاصمة المؤقتة رام الله، ولأنها ضمت تنوعا فكريا وتنظيميا كما ضمت من قادة العمل النضالي الكثيرين خاصة مع انطلاق حركة شبيبة فتح للعمل الاجتماعي في الثمانينات من القرن العشرين.
الانتشار الطلابي والتمثيل
أصبح الانتشار الطلابي بعد تزايد عدد الجامعات في الوطن متوزعا في كافة انحاء فلسطين، فشكل بذلك عاملا مستجدا هاما يؤخذ بعين الاعتبار فلم تعد "العينة التمثيلية" لرأي أو مزاج أو مناخ الطلاب على عموميتهم مقتصرة على محيط رام الله فقط أي في جامعة بيرزيت، وكذلك الأمر لو ركزنا فقط على جامعة الخليل أوالنجاح أو الجامعة الاسلامية.
كما أن قِدم الجامعة أو أي من الجامعات المشار لها وتميزها في مراحل سابقة وباعتبارها مقياسا للتقدم أو التراجع للحركة الوطنية (الحركة الوطنية تضم حركة فتح وفصائل المنظمة وحماس والجهاد) ما عادت تمثل الحقيقة الوحيدة، لأن الحركة الوطنية عامة (ومنهاالطلابية) والجماهير منتشرة في طول فلسطين وعرضها ولم تعد متركزة فقط في صرح أو مساحة جغرافية دون غيرها لذا لم يعد هناك معنى مقبول للنفخ الاعلامي أو للبكائيات على جامعة بيرزيت حين يكسب أو يخسر هذا التنظيم أو ذاك ، مالا يلغي قطعا أنها مؤشر كغيرها للوعي الطلابي ومدى استجاباتهم ونشاطهم وتأثيرهم، وفي الاتجاه الآخر لا يلغي ضرورات المراجعة والمحاسبة والتقييم الذاتي من كل فصيل لأدائه وعمله سواء داخل أسوار الجامعة أو خارجها.
هل الجامعات تعبر عن الرأي العام؟
يقول الكاتب المخضرم عمر حلمي الغول في مقاله تحت عنوان مبروك للفائزين في 29/4/2016 أن جامعة (بيرزيت، الجامعة الاكثر اهمية في عموم الجامعات الفلسطينية، والتي تعكس المزاج الفلسطيني العام).
يقول أحمد العوري القيادي في حركة الجهاد على فضائية القدس التابعة لحماس في 28/4/2016 (جامعة بيرزيت تاريخياً في الضفة المحتلة وفي فلسطين بشكل عام دائما خيارها خيار مقبول ودائماً يعطي مؤشر حقيقي على ما يجري على الساحة الفلسطينية) ويقول حسام بدران الناطق باسم حماس على فضائية حماس من غزة عن فوز طلبة حماس في جامعة بيرزيت (هذا فوز للمقاومة ويعبر عن المزاج العام ورفض الشارع للمشروع الأخر)؟!
فضائية الاخوان المسلمين في العالم (الجزيرة) وتحت عنوان إيهامي تعبوي مخادع على موقعها: "حماس تحصد أصوات طلبة بيرزيت مرة أخرى" (؟!) تقول: (اعتبر فلسطينيون أن فوز كتلة الوفاء الإسلامية الممثلة ل(حماس) في انتخابات مؤتمر مجلس الطلبة للعام 2016-2017 بجامعة بيرزيت في الضفة الغربية مؤشر على قياس المزاج السياسي الداخلي العام.)
نعتقد أننا نبتعد كثيرا عن العلمية عندما نربط بشكل وثيق بين نتائج أي جامعة، وخاصة بيرزيت وبين التـأثير السياسي بمنطق "الانعكاس المباشر" أو الآلي لمزاج الناس عامة.
يقول في ذلك د.جورج جقمان:(إن الخطأ الشائع المشار إليه- الإفتراض أن نتائج الجامعات تعكس الرأي العام وغير مقصورة على طلبة الجامعة- يكمن في الافتراض أن إنتخابات مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية هي انعكاس للرأي العام الفلسطيني في الضفة الغربية وربما أيضا خارج الضفة، وأنها تمثل المواقف السياسية لهذا الجمهور الأوسع، أنه يمكن أيضا أن تكون مؤشرا على نتائج أية إنتخابات نيابية تعقد في نفس الفترة. غير أنه من الواضح أن طلبة الجامعات ليسوا بأي معيار علمي متعارف عليه عينة ممثلة أو عشوائية من الجمهور العام) مستندا بذلك لشرطي العينة العلمي من حيث تنوع السن والعشوائية، وهذا قطعا لا يقلل من شأن الحركة الطلابة وتأثيرها بالمجتمع ولكن زاوية الكلام هنا ذات طابع علمي استطلاعي.
واليكم مثال آخر للخطأ الشائع الذي يفترض "الانعكاس المباشر" بين مؤشر انتخابات طلبة الجامعة (أي جامعة) والمجتمع سياسيا حيث يشير البعض أنها مؤشر حقيقي وانعكاس آلي ما لم نجده كنموذج حي في الانتخابات الفلسطينية عام 2006 التي تلاها انقلاب فصيل "حماس" الدموي عام 2007 حيث كانت النتائج في جامعة بيرزيت لصالح حركة "فتح"، بينما تلك النيابية ليست في صالحها.[3] لذا فإن حقيقة (النفخ) من فصيل أو (البكاء) من الآخر على الانتخابات الطلابية وعلى نتائج جامعة بيرزيت تحديدا يرتبط بالاستغلال السياسي والإعلامي والاسقاط النفسي لصاحب التحليل على واقع هذه الجامعة المحدود نطاق التأثير، مثيرين في اللاوعي أنها قريبة من المركز حيث السلطة ما يقع معه الظن أنها "انعكاس مباشر" لما يدور، بينما الحقيقة أن ما يدور في المقاطعة أو في غزة أو غيرهما ينعكس بتأثيراته ضمن الثورة المعلواتصالية من شمال فلسطين الى جنوبها وفي الداخل والخارج بنسب تتحكم فيها عوامل عدة.
الى ذلك أيضا قد يلجأ البعض كما الحال في واقع انتخابات جامعة بيرزيت الى مثل هذا الأسلوب غير العلمي حين يسقط رأيه المسبق والجاهز على الواقع وهو المعبر في حقيقته عن واقع مضى يفترض هذا الشخص صلاحيته رغم تغير الظروف.
نرى من ذلك أنه لا يصح نهج الربط الآلي الاوحد بين المواقف السياسية وما يحصل بالجامعة بشكل شرطي انعكاسي، لأن ذلك في حقيقته استغلال سياسي كما ذكرنا، وعملية استقطاب جماهيري يستغل فيها الواقع الطلابي المتميز عن واقع الناس بشكل قد نتعامل معه أحيانا ما اتسم بالصدق ولكن متى تم قلب الحقيقة أو تم اللجوء للكذب والتحايل النفسي فإننا نوجه له أصابع الاتهام.
يقول د.مازن صافي الباحث العميق والكادر الهام ما نتفق معه فيه كليا عن الانتخابات الطلابية أنها (هي إنعكاس مباشر لمستوى التأثير داخل الجامعة، بحيث يلعب الإستقطاب والوسائل النفسية الممنهجة دور هام، وهذا الدور يتم تدعميه "بإستمرار" من المؤثر الخارجي بكل أنواعه) مضيفا: (بحيث يتم تسخير أي حدث عام لخدمة الاستقطاب الداخلي لأن الجميع هم عناصر البيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الواحدة، ومن هنا يمكن أن نفهم جيداً، أن بعض الجامعات يتم التركيز عليها لمدلولات خاصة بالجامعة نفسها ولمكانتها وتاريخها التنافسي والاستقطابي ولربما ترتبط بأحداث تمت فيها على مر السنوات السابقة)
حاشية
[1] يعود تاريخ جامعة بيرزيت الى العام 1924 م وتطورت الى كلية عام 1942 وفي العام 1972 تحولت لجامعة كاملة رغم انها اكتسبت اسم الجامعة عام 1975، اما جامعة النجاح كمثال فتحولت لكلية العام 1941 وفي العام 1977 أصبحت جامعة، وفي العام 1978 انطلقت الجامعة الاسلامية في غزة، وأسس الشهيد الخالد ياسر عرفات جامعة الازهر في غزة العام 1992 اما جامعة الخليل التي بدأت بكلية الشريعة عام 1971 فانها تحولت لجامعة الخليل عام 1980، اما جامعة بيت لحم فتأسست في العام 1973 كأول جامعة في الضفة الغربية، وهي جامعة كاثوليكية يديرها رهبان دي لاسال، والآن عام 2016 في فلسطين 14 جامعة، وعديد الكليات في الضفة وغزة.
[2] بتعليمات الأخ الشهيد القائد "ابو جهاد" خليل الوزير تشكل الإطار الفتحاوي الجماهيري تحت اسم" لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي " وتحمل مسؤولية تاسيسها وقيامها ومتابعتها ثله من الكوادر والمناضل من قيادات الحركة الاسيرة والطلابية والجماهيرية خاصة في جامعة النجاح برئاسة مفيد عبدربه في الانتخابات الاولى، وبيرزيت، وكان الحضور الرسمي للشبيبة عام 1982 واضحا وذلك في الجامعات والكليات والنوادي والمدن والمخيمات والقرى الفلسطينية ، ويقول القائد أبوعلي شاهين أنه: في عام 1982م تم عقد أول مؤتمر للشبيبة في " بيرزيت " بين قادة حركة فتح في غزة والضفة الغربية، ومن ثم امتدت الشبيبة إلى قطاع غزة؛ وبدأت الشبيبة في الانطلاق معتمدة البرنامج الاجتماعي في سيرها ومقاومتها للاحتلال من الشكل الظاهر، أما الشكل الخفي للحركة كان في تنظيم الشباب الفلسطيني وتوعيتهم لمقاومة الاحتلال، والفترة المحصورة بين عام 1982 -1987م كانت برامج الشبيبة تعتمد على الأعمال التطوعية.
[3] كانت النتائج لبيرزيت قبل الانتخابات النيابية عام 2006 كالتالي: حماس: 22 جهاد: 1 فتح: 23 يسار: 3 المنبر الطلابي: 2 قبل شهر من انتخابات التشريعي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها