الافكار الفرنسية لتحريك عملية السلام على المسار الفلسطيني الاسرائيلي، التي لم تتبلور حتى الآن في صيغة مبادرة محددة المعالم، اعلن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو رسميا عن رفضها بشكل شديد الوضوح نهاية الاسبوع الماضي. يأتي هذا الرفض بعد الاعلان عن عقد اجتماع دعت اليه الخارجية الفرنسية لثمانية عشر وزير خارجية من دول العالم المختلفة بالاضافة للامم المتحدة وبعض المنظمات الاممية في الثلاثين من ايار الحالي. وكأن لسان حال زعيم الائتلاف اليميني المتطرف الحاكم في تل ابيب، يقول لفرنسا والعالم اجمع: إسرائيل، التي احكم ليست معنية، ولا جاهزة لخيار السلام. لان خيارها الوحيد، هو الاستيطان الاستعماري. لذا لا ترهقوا انفسكم، ولا تزعجونا بافكاركم، لان آذاننا مغلقة، ولن نسمع سوى خطابنا وخيارنا المعادي لحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967.

وللاسف فرنسا أفقدت نفسها العصا غير الغليظة، التي كان تعهد بحملها وزير الخارجية السابق، لوران فابيوس، ومضمونها الاعتراف الفرنسي بدولة فلسطين في حال فشلت الجهود السلمية في عقد مؤتمر دولي، تنبثق عنه قوة اقليمية ودولية داعمة لعملية السلام. الامر الذي حرر نتنياهو وحكومته من اي قيد، وسمح له التعامل بلا مبالاة تجاه الافكار الفرنسية من حيث المبدأ، ومنذ اللحظة الاولى، التي طرحت فيها القيادة الفرنسية افكارها في حزيران 2015.

ولمن لا يعرف، كان الاعتراف الفرنسي بدولة فلسطين، سيتبعه اعتراف حوالي خمس عشرة دولة اوروبية. وهو ثقل سياسي ودبلوماسي اوروبي مهم، بالضرورة لو بقي سيكون له كبير الأثر في قرار وتوجهات القيادة الاسرائيلية. مع ذلك، ورغم التراجع المعلن من الوزير الفرنسي الحالي، إيرو، إلا ان إمكانية العودة لخيار الاعتراف، هي إمكانية مشروعة ومنطقية، وتستجيب لتوجهات الرئيس اولاند واركان القيادة الفرنسية. واذا كانت فرنسا متحمسة لحماية خيار حل الدولتين، فإنها مطالبة باعادة النظر بالآليات القائمة، وفتح الافق لاستخدام سلاح الضغط المقرون بفرض عقوبات على حكومة نتنياهو لإعادتها إلى جادة الصواب والسلام، لأن ترك الباب على الغارب لحكومة اليمين المتطرف لمواصلة خيار الاستيطان الاستعماري، يعني طمس وتبديد الحقوق الوطنية الفلسطينية، والتمهيد لتنفيذ مخطط الترانسفير بشكل غير معلن او حتى معلن، خاصة وان القيادات الاسرائيلية بمشاربها المختلفة في الموالاة والمعارضة على حد سواء لم تعد تأبه بمواقف الدول، لانها تعتبر نفسها دولة فوق القانون، ولم تعد تخشى ردود الفعل الشكلية.

كون الافكار الفرنسية المطروحة مازالت عائمة الملامح، فإن الحراك الفرنسي يحمل معالم طريق اممي جديد بعيدا عن السطوة الاميركية. مع ذلك بعض القوى اعتبرتها، شكلا من الملهاة للقيادة والشعب الفلسطيني. والبعض الآخر، اعتبر تمسك القيادة الفلسطينية بها، بمثابة "الشماعة"، التي علقت عليها "مراوحتها" و"هروبها" من التوجه لمجلس الامن وغيرها من المنابر الاممية. وايا كانت الخلفية، التي حكمت فرنسا في طرح افكارها القابلة للتبلور باسرع مما يريد او لا يريد البعض، فإن طرحها، يشير لرغبة القيادة الفرنسية في فتح قوس الامل لخيار التسوية السياسية، وتجاوز التعثر الناجم عن الاستعصاء الاسرائيلي في اعقاب عدم التزامها نهاية آذار 2014 بالافراج عن الدفعة الرابعة من اسرى الحرية، الذين اعتقلوا قبل التوقيع على اتفاقية اوسلو. كما ان القيادة الفلسطينية لم تعلن عن تخليها او تراجعها عن التوجه لمجلس الامن او اي منبر اممي، وهي تنتظر الموقف والتوقيت العربي، ولم تغلق باب الانضمام للمنظمات والمعاهدات الاممية، التي تعزز مكانة الحقوق الوطنية. وبالتالي التمسك بالافكار الفرنسية، يأتي لتأكيد القيادة الفلسطينية بخيار السلام، ومعنية بتسهيل مهمة الاقطاب الدولية في خلق حوافز للتسوية السياسية.

انطلاقا مما تقدم، فإن القيادة الفلسطينية معنية بالبحث عن بدائل لحماية الحقوق الوطنية، لقطع الطريق على رفض نتنياهو للافكار الفرنسية، ولتحفيز فرنسا للعودة لسلاح الاعتراف بدولة فلسطين، بالاضافة لبدائل داخلية وعربية واقليمية ودولية