الحملة الشعبية لمساندة أسرة الشهيد مهند الحلبي أعادت لنا صورة جميلة غابت عنا في السنوات الأخيرة، محتواها يتجاوز بكثير نتائجها الرقمية "رغم أهميتها"، الحملة بأدبياتها تعيد ترميم التصدعات التي أصابت بنيتنا المجتمعية المتعلقة بالتكاتف والتعاضد والتلاحم بين فئات مجتمعنا المختلفة، تعيد انتاج لوحة للسلوك الحقيقي لشعبنا بعيداً عن الصورة المشوهة التي صاحبت الانقسام وتداعياته، حملت الطابع الشعبي برحابته لتتجاوز به محددات وقيود العمل الحزبي، هذا العمل المشرق للحملة الشعبية أعاد أمامنا شريطا من الانتفاضة الأولى، تلك المرحلة التي ذخرت تفاصيلها اليومية بالعديد من صور التلاحم الشعبي التي عززت كثيرا من صمود شعبنا في وجه غطرسة الاحتلال.
أتاح التلاحم الشعبي بين فئات مجتمعنا المحتلفة مساحة واسعة للابداع في أدبياته، كنا نعيش من خلاله اسطورتنا الأروع في النضال ومقارعة الاحتلال، تلك الثقافة تغلغلت في مكونات مجتمعنا الحياتية وباتت جزءاً أصيلاً منه، هي التي دفعت الأهالي بعفوية للوقوف بجانب المناطق الجغرافية التي فرض عليها الاحتلال حظراً للتجوال، تقاسم الجميع قوت يومه مع جيرانه وسكان بلدته، تلك الثقافة هي التي دفعت النسوة في المناطق الغير مشمولة بحظر التجوال لأن يخبزن ويحضرن ما يحتاجه الأهل تحت الحصار، لم يكن الجانب المادي في تلك الأعمال هو الغاية بل كان ما يحمله من مضامين معنوية هو الأهم.
سعت دوما قوات الاحتلال لفرض هيمنتها على الشارع الفلسطيني، واستعانت لتنفيذ ذلك بقوتها العسكرية، لكنها دوماً كانت تجر ذيول الخيبة وتتراجع أمام لغة التحدي التي أجادها شعبنا، أرادت قوات الاحتلال بداية الانتفاضة الأولى أن تكسر قرارات قيادة الانتفاضة الداعية إلى اضراب شامل، لجأت إلى قوتها لإجبار أصحاب المحال التجارية على فتح محالهم بعد أن عجزت عن فعل ذلك بلغة التهديد والوعيد، عمدت إلى خلع ابواب المحال التجارية بآلياتها العسكرية، لم تفلح في عملها هذا في إنهاء الاضراب التجاري، الاضراب التجاري بالنسبة للمواطن الفلسطيني لم يكن يرتبط بإغلاق المحال بقدر ما كان ثقافة آمن بها ومارسها بإرادته، يومها سارع العاملون من أبناء شعبنا في مجال الحدادة لعمل طوعي لإصلاح ما لحق بالمحال التجارية من أضرار، كانت تلك اللوحة النضالية لحالة التكاتف المجتمعي كفيلة بأن تلحق بالاحتلال فشلاً يدفعه لعدم تكرار تجربة غطرسته مرة اخرى.
لا شك أن مثل هذه اللوحات المشرقة غابت عن ساحة عملنا خلال السنوات الأخيرة، ولا شك أيضاً أن الانقسام أوغل في طمس تلك الاعمال الشعبية، ونحن اليوم بحاجة لأن نستعيد تلك القوة التي نملكها والتي تقزمت قدراتها بفعل الانشطار الذي أصاب نسيجنا المجتمعي.
الحملة الشعبية لمساندة أسرة الشهيد مهند الحلبي تمثل عودة لمنهاج عمل يكون للمجتمع المحلي دور المبدع فيه. مؤكد أن اسرة الشهيد مهند الحلبي بحاجة لإعادة تشييد منزلها في بلدة سردا شمال رام الله الذي دمرته قوات الاحتلال، لكنها بحاجة أيضاً لمثل هذا الالتفاف الشعبي بما يحمله من مضامين، والحقيقة أن شعبنا بحاجة لأن يستعيد روح التكاتف والتلاحم التي لا توفرها الخطابات بقدر ما تجسدها الممارسة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها