لم يمر سوى سنتين على مقتل آية برادعية وحبل الجرائم على جرار غير معهود من قبل. للمرة الأولى في عام 2011، وتحديداً في أوائل أيار للعام ذاته، عندما تم العثور على ما تبقى من جثة أية في بئر قديم عندها، انتفض الكل مستنكراً ومستهجناً، على غير عادة مجتمعنا الذي يبرر قتل النساء، ويتقبله، انطلاقاً من مفهوم غسل شرف العائلة!! لكن هل كانت هذه الانتفاضة كافية لاقتلاع النية المبيتة مسبقاً لإنهاء حياة الإناث على أي خلفية كانت؟

في أواخر أيامها، وقبيل اختفائها لوحظ عليها التعب والإنهاك، كأنها تشعر فعلياً أنها ستغادر دون رجعة، في شهر نيسان للعام 2010 اختفت آية، فشرع الجميع، إلا من رحم ربك، دون أي تردد، بقذفها بما "يحلو!!" لهم من الإشاعات والشائعات، وبعد عام ونيف وعن طريق الصدفة اختار القدر أن تُكشف الجريمة، حين توجه أحد الرعاة للبئر الموجودة فيها الجثة؛ فاشتم رائحة كريهة ولاحظ وجود شعر في المياه، فأخبر أحد المشايخ وتم إبلاغ الشرطة.

سكان بلدتها كانوا أول المستَهْجِنين، وبعد أيام قليلة تم إلقاء القبض على عمها وأربعة من رفاقه، الذين اعترفوا بخطف آية وإلقائها بالبئر هذه الرواية صدقها الناس وعلى أساسها نظروا لهوية القاتل وسار التحقيق القضائي.

 سكان صوريف لم يقتنعوا بهذه الرواية، وشككوا بأن يكون القاتل عمها ورفاقه، بل ذهبوا للتشكيك بطريقة القتل التي شاعت بين الناس ووسائل الإعلام، والقضاء وآذان الشرطة لم تنصت لما شاع بين سكان البلدة، وبعد فترة وجيزة طالب المتهمون الأربعة بقتل آية، بضرورة إنصافهم، كونهم اعترفوا، تحت التعذيب، بجريمة لم يرتكبوها. وحتى تلك اللحظة يعتقد الجميع أن القاتل عم الضحية ورفاقه، هذا ما خرج به التحقيق حتى الآن، ومنذ الإعلان عن العثور على عظم آية في البئر والإعلام يتناقل قصتها بجزئية مفرطة، وعلى ما يبدو أن كل ما جاء من ترجمة إعلامية للحدث كانت فورية عفوية لا تعكس إلا الحدث نفسه، بمعنى أن الطرح الإعلامي العميق كان عاجزاً عن مواكبة المقتل وخير دليل على ذلك، ضعف الحديث عن قضية آية واختفائه بمرور ثلاثة شهور.

وهنا يظهر جلياً أن الإعلام الفلسطيني جاء مشبعاً برغبة الرد على الفعل-الحدث- والتباطؤ عن المبادرة بالقيام بدور المحقق على طريقته، المغايرة للأسلوب الذي اتبعه القضاء بما يتوافق مع شروط المهنية الصحفية ونزاهة الطرح، فآية قتلت قبل سنتين، وحتى الآن لا يعرف أحد هوية القاتل الحقيقية، ودوافع الجريمة والعقاب المقرر! ما يعني أن كل جريمة من هذا النوع يقودنا الظن بأن مجراها سيأخذ عمر الضحية نفسها. فهل ننتظر 19 عاماً (عمر آية) لنعرف نتيجة التحقيق!!؟

قضية آية، ونانسي، وميناس وغيرهن كثيرات، لن يكون نهاية الأمر، حيث أن ما فعله الإعلام مع ثلاثتهن فعله القضاء أيضاً. فكلاهما شريك في الإصلاح، شريكان يفترض أن يوجهان بقوة إصبع الاتهام لمن يستحق حتى إحقاق الجزاء، وإذا بقي الأمر لا يتعدى دائرة ردود الفعل، فعلى القضاء والإعلام انتظار دورهما في فقد إيمان الناس بقدرتهما على تحقيق الردع لبوادر الجريمة، وصولا للجريمة ذاتها، وحينها سنقول: على الدنيا السلام.