ليست المرة الأولى التي يلد المخيم فيها موهبة فذة، وإحساسًا صادقًا، وعقلية متفتحة، وهمة عالية، تحلق حرة بلا قيد، تعلو على جدار الفصل العنصري، وتعبر الحاجز، وتتجاوز المستعمرات المحيطة، وتُبحر في ظروف المعيشة الخاصة دون أن توقفها قلة الإمكانات، تشق طريقها بعزم، وترسم لنفسها خطًا فريدًا بين بنات جنسها، بالتزامها وعملها الدؤوب وتفانيها وطموحها وحُسن معشرها.

المخيم الحاضن التي واكب نشأة إيمان، على بُعد عشرات الأمتار عن القدس المحتلة، وغذّى فيها الوفاء للرمزية الفلسطينية، والحنين المتجذر للعودة والدمج بين أصالة الماضي وعصرية الحاضر.

"إيمان محمد خشان" مواليد مخيم شعفاط شمال شرق القدس، تحلّت بالإصرار الذي مكنها من دراسة تخصص لم يكن المجتمع يقبله بسهولة، فتخرجت من قسم الفنون التشكيلية (التصوير-رسم زيتي) من جامعة النجاح الوطنية عام 2000م، وبدأت مسيرتها الفنية بالمشاركة بمعارض فنية لأهداف مختلفة فكانت أولى معارضها السبعة في إيطاليا في الفترة 2001-2004، وفي هذه الفترة أراد الله عز وجل أن يجعل لإيمان من اسمها نصيبًا فأينعت البذرة التي في قلبها والتي كانت تكشفها رسومها وخطوطها التزامًا شرعيًا بدأته في 2002م وهي محطة تفتخر بها إيمان، مما جعلها من قلة جمعوا بين الالتزام والفن والتعامل مع مختلف البيئات وأصناف البشر دون حواجز نفسية مصطنعة، وقد أكرمها الله تعالى بدعم إخوتها وزوج شقيقتها لتتميز وتستمر.

وفي الفترة 2004-2013م توجَّهَت للعمل اليدوي والتراث الفلسطيني، حيث احترفت فيه، وقطعت شوطًا لا بأس به في مجال إعادة تصنيع البيئة "recycling" والوسائل التعليمية للمدارس سواء للطلبة العاديين أو ذوي الاحتياجات الخاصة، كما عملت في هذه الفترة على المشاركة في تحسين البيئة المدرسية، وتنوعت أعمالها ومساهمتها الفاعلة بين دورة فنية تشرف عليها، ومخيمات صيفية تقدم فيها بعض المهارات، ومدارس تشرف على وسائلها، كما تقوم بتجارب في فن الموزاييك.

وقد شاركت إيمان خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة في معارض تراث في مدينة القدس أحدهما مع مؤسسة الدرب كمهرجان تسوق، والآخر تحت عنوان "أسوار القدس".

وعن أساسيات مشروعاتها أشارت إيمان إلى أنها:

-        الحفاظ على التراث.

-        الدمج بين التراث والعصرية كي لا يضيع التراث مع الحرص على إخراجه في أجمل صورة.

-        التجديد من خلال متابعة الإنترنت والتلفاز والسوق وأعمال الناس.

تملك إيمان بصيرة فنية نافذة ترى العمل جاهزًا قبل تنفيذه، فما يراه مَن حولها عاديًا ومقبولًا في لحظته الأولى يكون لديها غاية في الجمال، يفهمها الآخرون بعد إنجاز العمل.

للزائر لبيتها والمتابِع لأعمالها والمستفيد من المواد التي يطلب منها تشكيلها أن يرى تنوع مجالات أعمالها بين الرسم بالزيت، والرسم المجرد بالأبيض والأسود، والوسائل التعليمية، والتراث، كما يلاحظ تكرر عناصر معينة في تركيز قوي على هويتها الفلسطينية، كما يمكن الإحساس بألوانها المنسجمة الدافئة.

ثلاثة مسائل هامة في أعمال إيمان:

-        الطبيعة كمصدر إلهام، في غزارة مادتها، وتنوعها، وتناسق ألوانها.

-        عشق القديم من تراث، والحرص على رموز للبلدة القديمة والأقصى والقدس.

-        الاستفادة من كل المساحات المتوفرة.

ولإيمان رسالة في حياتها أن ترسم البسمة في وجوه الناس كصدقة جارية لعلها تكفر ذنب وتبعدها عن النار، ولها عدة رسائل للفتاة المسلمة والمؤسسات وزملائها الفنانين:

-        للفتاة المسلمة: الفن لا يتعارض مع الدين بل يخدم الدين ويدعمه، وهو دعوة، وأقل شكر لله عز وجل أن لا أعصيه بالفن.

-        للمؤسسات: لم تعطِنا حقنا والعروض يلفها الظلم والاستغلال، بترويج العمل باسم المؤسسة وإخفاء صاحبها مقابل أجر زهيد!

-        لزملاء الفن: اتق الله في موهبتك وفنك، واحرص أن لا يكون سلاحًا ضدك يوم القيامة، ويجب أن لا توقفنا مشاكل الحياة، ولا أن تقيدنا الهموم عن العطاء، وأن نستغل موهبتنا أو قدرتنا لإسعاد الناس ورسم البسمة على وجوههم، وأن ننطلق للأمام، ويكون لدينا هدفًا مستقبليًا مهما بلغت صوبته، وأن يكون يقيننا بالله عاليًا جدًا وبإذن الله سنصل.

إيمان هي روح طموحة ورسالة شابة تطمح لتقديم برنامج فني بطريقة مبتكرة عبر قناة فضائية، لتفيد مما لديها وتنشر أفكارها وجمالياتها. وهي نبع ماء دائم التدفق والجريان، في الحزن والفرح، في الفتور والنشاط لا يمكن أن تفتر عن عملها الفني الذي هو أنفاسها ومفجر طاقتها.