مثلما جاء في كلمة الرئيس محمود عباس أمام القمة الإفريقية في جوهانسبيرغ؛ يتوجب التركيز في كل مرة، على التأريخ الصحيح لبدء العذابات الفلسطينية، التي بدأت في العام 1948 دون أن ينسينا التمادي الاحتلالي، أصل القضية. ففي فعل السياسة، لا بد من محاصرة التوسع الاستيطاني، وفضح لا شرعيته، وحث المجتمع الدولي على اتخاذ اجراءات عملية لكبح جماح هذا التمادي، والتأكيد على جنون الاستيطان، وعلى لا واقعيته، مهما استشرى بنانه الإسمنتي وتمدده، فهو الى انحسار والأرض المحتلة في العام 1967 ليست أرضاً متنازعاً عليها، وإنما هي أراض محتلة، لا بد من الجلاء عنها، مع ترسيخ وجود اصحاب الأرض في فلسطين الأولى (أراضي احتلال 1948) على أرضهم، والتمسك بقضيتهم العادلة للظفر بالمساواة وحقوق المواطنة الكاملة.
إن الرد الطبيعي على التطرف الإسرائيلي، يقتضي التذكير دائماً بأن إسرائيل التي تأسست كمحصلة لغزو امبريالي، ليست فاقدة لشرعية توسعها الاستيطاني في الضفة وحسب؛ وإنما فاقدة أيضاً لشرعية انتهابها للأملاك الخاصة ولحقوق الفلسطينيين في أرض وطنهم التاريخي. فهي، بسبب طابعها العنصري، وقيامها على أساس الديانة والأساطير، وسلوكها اليومي، باتت تمثل نقطة سوداء في العلاقات الدولية، ويتعين مواجهة أسرة الأمم لها، بكل الحزم والمثابرة، مثلما توحد العالم في مواجهة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
الخطاب الصائب، المستند الى العدالة والى الحيثيات التاريخية، هو وحده الجواب على الخطاب الاستعلائي المجافي للعدالة، الذي تسعى إسرائيل الى تسويقه. فمقابل نكران هذه الدولة للحقوق الفلسطينية في أراضي عام 67 وممارساتها الفاشية، لا بد من نكران شرعيتها هي نفسها، وتعريف العالم، بأن الاعتراف الأهم بها، من قبل ضحاياها، كان فرصتها الأخيرة لأن تكون دولة مقبولة من العالم. أما تمسكها بأراض محتلة يقطنها أصحابها وتقوم عليها مؤسسات دولة يعترف العالم بها، فإنه يمثل استهتاراً بالقانون الدولي وبالحد الأدنى من العدالة وبحاجة المنطقة الى الاستقرار. وعبثاً تحاول إسرائيل الآن، إجهاض مشروع الاستقلال الفلسطيني وتفتيت الاجتماع السياسي الفلسطيني، وتحويل هذا المشروع الى شظايا، بدسائس وطروحات وغوايات، لا تتقبلها ذائقة الفلسطينيين ولا ثقافتهم ولا وجدانهم الجمعي.
إن حجم التحديات التي تواجهنا هائلٌ يقتضي جهوداً لتحقيق وحدة الصف، ولترسيخ البناء الذي وُضعت أسسه، لتعلية شأن العمل السياسي على المسرح الدولي. وتظل وحدة الكيانية الفلسطينية، على أسس وطنية وواقعية ودستورية، هدفاً ذا أولوية. وهذا ما ينبغي أن تفهمه حركة حماس وأن تعمل به، لكي لا تنجح محاولات المحتلين تفتيت المشروع الفلسطيني. إننا بصدد عملية تاريخية، هي البديل المتاح للحرب الخاطفة أو للتحرير العاجل، غير المتاح، الذي يشغل مساحة الخطاب النظري وأحاديث المنابر، دون أن يتغير شيء على أرض الواقع. وفي هذه العملية التاريخية، نكون في الاتجاه المضاد، للخط الذي قطعته الحركة الصهيونية منذ تأسيسها في أواخر القرن التاسع عشر، وحقق أول أهدافه بعد أكثر من نصف القرن، عندما تأسست إسرائيل في العام 1948.