إسرائيل المارقة والخارجة على القانون الدولي، تسابق الزمن بحثا عمن يغطي جرائم حربها، ويدفع عنها ولو لحين سيف الحق الاممي. لهذا استبقت معطيات التقرير الاممي عن حربها على قطاع غزة في تموز وآب 2014، التي استمرت 51 يوما ادمت حياة مليون وثمانمئية الف فلسطيني باختطافها ارواح 2200 مواطن، من بينهم 540 طفلا، وما يزيد على عشرة آلاف جريح وتدمير كامل وجزئي لحوالي مئة الف منزل اضافة للمصانع والمؤسسات الدولية والمدارس والمستشفيات والبنى التحتية باسم "الجرف الصامد"، الى إعداد تقرير على مقاس جرائم حربها، وطعمت طاقمها بعدد من الشخصيات الدولية، منهم عسكريون ودبلوماسيون من الولايات المتحدة، بريطانيا، هولندا، ايطاليا، استراليا وكولومبيا، يرأسهم رئيس الاركان الالماني السابق، الجنرال كلاوس نؤمان لاعطاء "مصداقية" له.
ووفق صحيفة "يديعوت احرونوت" فان اللجنة الاسرائيلية، نشرت امس الاول تقريرها، قبل ان تنشر اللجنة الاممية تقريرها، الذي يفضح بشاعة وهمجية الحرب البربرية الاسرائيلية على ابناء الشعب الفلسطيني في محافظات الجنوب. ومما يتضمنه تقرير حكومة نتنياهو "ان الجيش الاسرائيلي تجلد بالصبر، واظهر اخلاقيات لا مثيل لها". ويمعن التقرير اللاأخلاقي في تغطيته على وحشية الجيش الاسرائيلي، الذي اعترف اكثر من سبعين جنديا وضابطا إسرائيليا من صفوفه، بانهم نفذوا عمليات قتل متعمدة للاطفال والمواطنين عموما، في الاستهتار بحياة الابرياء من ابناء الشعب الفلسطيني، عندما يقول" إن إسرائيل لم ترغب بالحرب، وبذلت المستطاع كي توقف إطلاق النار، والعملية في غزة، كانت ضرورية لحماية مواطنيها".
لا غرابة على من اعد التقرير وفق رؤية ومقاس حكومة اليمين المتطرف، ان يغطي الحقيقة بغربال ممزق وبال، ويقلبها رأسا على عقب. فجيش الموت والبطش، بات في نظر معدي التقرير "جيشا أخلاقيا". وأمست دولة التطهير العرقي الاسرائيلية "لا ترغب بالحرب"، ومع ذلك، يمنحها الطاقم "الحق بشن الحرب" ويعتبرها ضرورية. لماذا؟ وكيف؟ وعلى اي اساس؟ وما هي المعايير الاخلاقية والسياسية، التي تكفل لدولة تمارس الاحتلال بشن الحرب على الشعب الواقع تحت نير الاحتلال منذ خمسة عقود خلت؟.
ويمكن للمرء ان يعيد معدي التقرير المزور للحقائق، لما نشره مراسل الغارديان البريطانية، الذي شاهد بأم عينه كيف قتل ضباط وجنود إسرائيل اربعة اطفال تتراوح اعمارهم بين 9 و11 عاما على شاطئ مدينة غزة من عائلة بكر، وهم: اسماعيل وعاهد وزكريا ومحمد، بدم بارد عن بعد مئة متر اثناء حرب "الجرف الصامد". هؤلاء الاطفال، الذين كانوا يلهون على الشاطئ هربا من ويلات الحرب، شاء ضباط البحرية الاسرائيلية اغتيال طفولتهم على مرأى ومسمع من وسائل الاعلام في كل مكان، ومع ذلك اغلقت محاكم إسرائيل ملف القضية قبل ايام، استنادا لتقريرهم البعيد كل البعد عن المعايير والقيم والقوانين الدولية. وبعدما رفض الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ادراج اسم إسرائيل في التقرير الدولي، الذي يسلط الضوء على الجيوش والجماعات الارهابية، التي انتهكت القوانين وحقوق الانسان وبطشت بالاطفال. مع ان ممثلته ليلى زروقي، المعنية بالاطفال، اوصت بادراج إسرائيل وجيشها في القائمة السوداء الى جانب "داعش" و"جماعة بوكو حرام".
واذا افترض المرء، ان جيش إسرائيل الارهابي، ابلغ المواطنين بالخروج من بيوتهم لقصفها، فأين سيهربون والقنابل والصواريخ من البر والبحر والجو تغطي المكان؟ وكم من الوقت منحهم للهرب من بيوتهم، خمس دقائق ام عشر دقائق؟ والى اين سيلجأون والقطاع من اقصاه إلى اقصاه لا يزيد عن 362 كم2؟ وبعد قصف المؤسسات الاممية والمدارس والمستشفيات والاطفال على شاطئ البحر، فأين الملاذ؟ واذا كانت محافظات الجنوب تخضع كليا للاحتلال الاسرائيلي، لماذا تشن الحرب عليها؟
ايا كان محتوى وطبيعة التقرير الاسرائيلي المفصل على مقاس نتنياهو، فإن العار سيلاحق معديه، ويلاحق اسرائيل، ولن يتمكنوا من تغطية الحقيقة بغربال اسرائيل ومن يقف خلفها. وقادم الايام سيدرجهم وتقريرهم في مزابل التاريخ واللعنة الانسانية والالهية.