الخبر: أكدَّ نائب وزير الخارجية الاسرائيلي "دانيأيالون"، أنّ اسرائيل لن تعتذر لتركيا عن أحداث سفينة مرمرة التي ما زالت تلقي بظلالها على العلاقات بينالبلدين.

التعليق:

بالتأكيد لو كانت الحكومة الاسرائيلية تنوي الاعتذارلتركيا والتراجع عن الموقف المتشنِّج لما نفَّذت قرار التحدي العسكري بالسيطرة علىالبواخر بقوة السلاح، وخاصة سفينة "مرمرة" التي شهدت مواجهة غير متكافئةبين جنود مدججين بالسلاح، ومدنيين عزَّلٍ من السلاح، وأدت هذه المواجهة إلى سقوطثمانية شهداء أتراك كانوا من بين المئات الذين جاءوا على أسطول الحرية لنصرة الشعبالفلسطيني.

أنصار الشعب الفلسطيني الذين جاءوا من مختلف الدولللتعبير عن موقف مبدئي كانوا مسالمين، ورفعوا شعارات إنسانية تطالب الاحتلال برفعالحصار، والسماح بوصول المساعدات إلى قطاع غزة.

إستخدام العنف من قبل جنود الاحتلال وبأوامر مركزية كانتعبيراً واضحاً عن العدوانية والعنصرية التي تحكم التفكير الاسرائيلي، والحكومةالاسرائيلية واضحة في سلوكها، وتعرف تماماً أن المشكلة ستكون مع تركيا وهي دولةصديقة لاسرائيل، وتربطهما علاقات عسكرية، وأمنية، واقتصادية، وسياسية. والتصعيدالاسرائيلي لم يأتِ من فراغ لأن الأمن الاسرائيلي بالنسبة للقيادة اليمينيةالمتطرفة الحاكمة هو الأهم، وهو المقياس للعلاقة مع أي طرف. الحكومة الاسرائيليةتدرك خلفيات الموقف التركي الرسمي الذي وجدَ الفرصة سانحة للقيام بدور إقليميمميَّز من خلال هذا الموقف الاعلامي الذي حاز على احترام شمولي دولي، وعلى تقديرعربي وإسلامي، لأنَّ القيادة التركية تجاوزت الخطوط الحمر مع الجانب الاسرائيلي.وإذا تساءلنا: هل القيادة التركية كانت تتوقع ما حصل أو لا؟ وإذا كانت تتوقع تلكالمواجهة فلماذا أصرَّت على مواصلة قيادة أسطول الحرية باتجاه قطاع غزة؟

القيادة التركية كانت تتوقع ردود فعل إسرائيلية تحول دونتكرار مثل هذه التجربة، لكنها بالتأكيد لم تكن تتوقع أن تصل الأمور إلى قتلالمدنيين الأتراك في السفينة. وكان على القيادة التركية أن تخوض تداعيات هذاالعدوان السياسية، والقانونية في إطار حسابات دقيقة تتعلق بمستقبل العلاقات بينالبلدين. فتركيا التي تبحث عن دور إقليمي مميَّز يضاهي الدور الإيراني في المنطقةوجدت الأمور مهيأة، فهناك حالة التفكك العربي، والتخلي نسبياً عن دعم القضيةالفلسطينية، وهناك حالة القصور في الموقف الاسلامي من جراء الصراعات المحتدمة،وغياب الوحدة الحقيقية التي حلَّ مكانها سياسة التبعية، وسهولة الاستقطاب بحثاً عنالمساعدات العسكرية والاقتصادية.

تركيا بقيادتها الحالية التي فازت للمرة الثالثة بقيادةأردوغان تعرف حدودها، لقد طالبت القيادة الاسرائيلية بالاعتذار وليس بمحاسبة منارتكب الجريمة، لأنَّ الجريمة ارتكبت بقرار من أعلى مستوى رسمي. كانت تركيا تأملبالحصول على الاعتذار للحفاظ على ماء الوجه ولتحقيق هدفين اثنين: الأول هو تسهيلإعادة العلاقة الطبيعية مع الكيان الاسرائيلي، وهي علاقة مهمة تشكل مدخلاً للعلاقةمع الولايات المتحدة، وبالتالي تضمن لها مصالحها الاستراتيجية الدولية، ونجاحجهودها في الانضمام إلى الاتحاد الاوروبي. والثاني هو مساعدتها في استثمار هذاالانجاز السياسي على صعيد القضية الفلسطينية، وتحديداً فك الحصار عن قطاع غزة الذييلقى التأييد والمباركة من معظم دول العالم، ومن المؤسسات والهيئات الدولية.

الرد الاسرائيلي جاء واضحاً على لسان داني أيالون بأنإسرائيل لن تعتذر لتركيا عن أحداث سفينة مرمرة. فالاعتذار لتركيا يعزِّز موقفتركيا الإقليمي، وهذا الأمر لا تقدمه إسرائيل مجاناً، لأنه يعني بالمقابل أنَّإسرائيل مُدانة. وحتى لو فكّرت إسرائيل بتقديم الاعتذار، فلن يكون بالصيغة التيتتمناها تركيا، ولن يحمل الاعتذار سوى مضمون إنساني، وشيءٍ من التمنيات بأن لايتكرر ما حصل، وأن يكون هناك احترام متبادل.

لا شك أن الدولتين حريصتان على إعادة العلاقات بينهماإلى وضعها الطبيعي، علماً أنَّ نسبة ضئيلة من العلاقات التي تضررت، أما القضاياالاستراتيجية فما زالت قائمة بين البلدين. والأهم أن تركيا التي تريد تعزيز دورهاالاقليمي والدولي تعرف أنَّ المدخل إلى ذلك هو أن تلعب دوراً مؤثراً في القضيةالفلسطينية، وهذا يحتاج إلى علاقة جيدة مع الكيان الاسرائيلي.

 

 الحاج رفعتشناعة

 11/7/2011