هناك فتور لافت، في حماسة الحكومات العربية وبعض الأقطار الإسلامية، حيال فلسطين ممثلة في قيادتها الشرعية. وعند إمعان النظر، في أسباب هذا الفتور، يمكن لواحدنا أن يلحظ نوعين من الأسباب، أولاها موضوعي يتعلق بأحوال داخلية في هذه البلدان. وتقع ضمن هذا الموضوعي وربما لا تقع الضغوط الأمريكية في الاتجاه المضاد. أما النوع الآخر فهو أسباب ذاتية تتعلق بنا وبصورتنا أمام الأمم، وحتى بلغتنا وبعشوائية سياستنا، ولن يفيد إنكارها، ولا القفز عن أعراضها الضارة، مثلما لا يفيد تجاهل كون الآخرين يعلمون بها.

ربما تكون هناك مبالغة في تقدير حجم الضغوط الأمريكية على العرب لكي يمتنعوا عن مساندتنا. هذا إن لم تكن هناك أي ضغوط أصلاً. وعندما نؤكد على وجود ضغوط، فإن المراد هو تسخين الفاترين وإحراجهم. !

على مر سنوات، ظللنا معلقين في الهواء ننتظر جواب «حماس» على عروض التصالح. كل شيء توقف، وليته ظل على حاله، وإنما ككل شيء مهمل، يبلى مع الزمن. ولا نعلم ما هو الذي عندنا، من مؤسسات أو وزارات فاعلة، نبهر بها شعبنا الذي ستسعده الوحدة الوطنية، ونبهر وسطاء المصالحة، ونقول لهم إن هذا هو مستوانا الذي يليق بالشرعية، وإن هذا هو ما أعددناه في الزمن الصعب؟!

كلما كنا ننتقد زائراً لحكومة الانقلاب في غزة، سواء كان موتوراً أو بريئاً، وعاتبناه على خطوة تمس بالتمثيل الفلسطيني؛ كان الحظ وأدب الزائرين وتحفظهم، هو الذي يحمينا من الحرج الشديد لو رد الزائر بأي سؤال عن أوضاعنا ومؤسساتنا، أو عن أدائنا العام، أو عن احترامنا نحن لتمثيلنا في بلاده؟

 الحركة على خط الاتصال السياسي الدولي لم تتوقف. هي وحدها التي لم تتجمد، وإن كانت تفتقر الى العمل المؤسسي، والى توسيع دائرة التشاور، والى مراعاة التنوع المطلوب في الكفاءات والاختصاص، وتوظيف قدرات الكادر، وتفعيل الإدارات، وتنمية الثقافة الوطنية، والتركيز على مناقب العمل الوطني العام. لقد استمر تحرك القيادة الفلسطينية في الخط السياسي، مقتصراً على رأس الهرم ورجلين أو ثلاثة، حتى بات ينُسب الفضل في المساعدة على بلوغ ما بلغناه، في الأمم المتحدة؛ الى دبلوماسية القضية وزخمها التلقائي، من حيث هي ذات حيثيات معلومة لدى الأمم، وليس الى دبلوماسية فلسطينية، تضطلع بها مؤسسة للخارجية، تكون وضعت خططها وهيأت كادرها وشبكة بعثاتها، ووطدت إداراتها وكرّست ضوابطها، وأنفذت القانون على القاصر والعاجز والفاسد والزائد عن الحاجة وذي السوابق، وقدمت النـزيه والمقتدر والمتحصل على مؤهلات ومهارات العمل في المكان والزمان الذي يلائمه، أو أحاطت نفسها على الأقل علماً بالناس، ورفعت مستوى معرفتها بمن يتواجدون ويعملون أو يتواجدون ولا يعملون!

لم يحن بعد، وقت التعرض تفصيلاً، لأمراض بُنية السلطة، ولا لفاجعة غياب الأطر التي تراقب وتحاسب وتحسم، ناهيك عن غياب إطار بديل للمجلس التشريعي المعطل، يؤدي مهام الرقابة وسن القوانين، ويضع النقاط على الحروف!

لم يحن الوقت، لأننا ما زلنا نأمل أن يتاح لنا، في أي إطار للحوار الداخلي، أن نطرح ما عندنا، وأن نحظى بالبديهي والطبيعي مما نحتاج عليه كأصحاب قضية محاصرة وكمناضلين يواجهون ما هو شائك وصعب من المهام؛ وهو أن تتسع قاعدة إدارة السياسة، لكي تشمل عناصر عالية التأهيل، متنوعة الاختصاصات، وحتى متنوعة المواقف والرؤى!

لقد تحدث الرئيس أبو مازن، بعد رفع مستوى تمثيلنا في الأمم المتحدة، عن بناء عاجل أو ضروري للمؤسسات. وفي الحقيقة، نحن في أمس الحاجة الى عملية بناء تقوم عليها وحدة الكيانية الفلسطينية وليس العكس. الآن يصح التساؤل: متى وكيف تبدأ عملية بناء هذه المؤسسات؟ إن كان الجواب المُضمر ان البناء سيكون بعد المصالحة، أي بعد الجمع بين شطرين يعلم واحدهما كل عيوب الآخر، فيا ليتنا نسمع هذا الجواب، لكي نعلق عليه بعد أن «نرقع» بالصوت!