نخشى أن البعض يسعى لأخذ دور البطولة على حساب حاجة الموظفين المعيشية والحياتية ( الراتب ) عبر استخدام غير متوازن للحقوق المشروعة المكفولة بالقانون للمواطنين، فمهام النقابات لا تقتصر على المطالبة بحقوق العاملين في القطاع الذي تمثله النقابة وحسب بل يتعداه الى التفكير والتخطيط والحوار والعمل من اجل رفع مكانة القطاع الذي تمثله أولا في اطار عملية بناء داخلية وطنية شاملة بخطوط متوازية بمشاركة المنظمات غير الحكومية كرديف لبرنامج الحكومة للارتقاء بمستوى البلاد ومصالح المواطنين باعتبار أننا ما زلنا في مرحلة حركة تحرر وطني،حتى وان كنا نملك مؤسسات على شاكلة مؤسسات دولة مستقلة ذات سيادة .

لا بد من الاقرار أن حقوق العاملين والموظفين مصانة في مواد القانون الأساسي، ومنها حق الاضراب.. لكن الظروف الموضوعية والواقعية والمعطيات المادية تحتم على المسؤولين في النقابة أخذ الأزمة المالية وتوصيف مواضع الخلل، والحوار مع الحكومة بقصد المعالجة، والتقييم والتصويب، بمنطق المصلحة العامة، ليس لشريحة من الشعب تمثلها النقابة وحسب، بل يتعداها للحفاظ على مصالح كل المواطنين، والسير في اجراءات عملية تحفظ حق الموظف، والمواطن على حد سواء، اذ يجب ألا ننسى أن الشعب يدفع الضرائب للموظف ليقدم له الخدمات في المؤسسات والمرافق الحكومية، فتعطيل العمل في المؤسسات الحكومية بواقع 50% من ايام العمل لا نراه حقا مشروعا ينسجم مع حق الاضراب المكفول بالقانون، خاصة وان الخاسر الأكبر هو المواطن الواقع بين سندان الحصار المالي والسياسي ومطرقة تعطيل مصالحه اليومية، ولعمرنا انه اي ( المواطن) ضحية حسابات خاطئة ومشكلة بنيوية لدى البعض في نقابة الموظفين، وسياسة الحكومة المالية، اذ لا يجوز لعضو قيادي في النقابة التشهير بأسماء اشخاص، مهما كانت المبررات، فسبيل القضاء مفتوح طالما ان النقابة مقتنعة أن هنالك تجاوزات ومخالفات للقانون، أما استغلال رغبة معظم شرائح الجمهور بالتلذذ والمتعة عند الاستماع الى مثل هذه الاتهامات عبر وسائل الاعلام، واستخدامها كمواد حارقة وورقة للانتقام الشخصي، فهذا ليس من قيم العمل النقابي، وبالتوازي لا يجوز للحكومة التوقف عن مراجعة سياستها المالية، فهي قد مضت بخطوات جريئة، وعليها المضي حتى وان اقتضى الامر مراجعة قوانين الخدمة المدنية والعسكرية، خاصة وأننا جميعا في مرحلة تحول نوعي في الصراع مع مشروع الاحتلال الاستيطاني، اذ تبيح لنا هذه المرحلة تقديس حق المواطن، لكن ذلك لايعني تقديس نصوص قوانين و( سنّة واعراف مالية ) نعلم كلنا عمق وسعة الفجوة التي نتجت عنها بين الموظفين الكبار والصغار، فنحن نخشى من تحول مشكلة بنيوية الى «صراع « يفرغ مؤسساتنا الوطنية من مبدا الالتزام الوطني في العمل والالتزام بنصوص قوانين العمل، فحالة التعطيل والاضرابات المتتالية ستضعف مداخيل مؤسسات الحكومة، فيبدو الموظف بسبب الدفع الخاطئ في أحيان وظروف معينة من مسؤولي النقابة كمساهم ( وهو لم يقصد ذلك ) في عملية تردي وانهيار المشروع الوطني القائم على مؤسسات دولة فلسطينية مستقلة اخذت بالأمس القريب مقعدها في الأمم المتحدة بصفة مراقب.

لا مجال اثناء عملية البناء لوطني لرؤى أو تعاملات او مواقف شخصانية، فهذه العقلية مدمرة ولا تساهم بخلق مقومات صمود ومقاومة شعبية سلمية، فالثغرات الداخلية عندنا كالفجوات في السدود ترابية، سرعان ما تنهار وتتوسع وتنجرف زاد الضغط الداخلي والخارجي عن حدود الاحتمال .

لماذا يتحمل الموظفون العسكريون، فهم يعانون كما الموظفين المدنيين ؟!

يبقى سؤال مهم : هل عمل الموظف في الأيام والظروف العادية سبع ساعات بالتمام والكمال عندما كان صرف المخصصات والرواتب منتظما ؟! .. وباتجاه آخر لماذا لم تحاسب الحكومة موظفين كبارا وصغارا لم يوفوا العمل حقه بمعيار الانتاج، فهذا التراخي أدى الى انخراط شريحة لا بأس بها من الموظفين في « بحبوحة الراحة « بحجة الاضراب، فالموظف من هذه الشريحة سيتذرع بالالتزام بتعليمات الاطار النقابي، فيما الملتزم المؤمن بأخلاقيات ومناقبية العمل على اسس وطنية يضيع في متاهات الاستجابة للضمير الوطني أو الانخراط في اضرابات خلعت اضراس المواطن، لكنها لم تؤثر بشيء على آكلي الحصرم العرب والعجم.