لا شك أن نتيجة الانتخابات العامة التي جرت قبل أيام في إسرائيل تعتبر ضربة موجعة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فهي من حيث عدد المقاعد التي حصل عليها ائتلاف 'الليكود - يسرائيل بيتينو' في البرلمان (31 مقعداً) تشكل خيبة أمل كبرى حيث كان نتنياهو وشركاه يتوقعون الحصول على أكثر من 40 مقعداً، أي التحول إلى الحزب الكبير الذي تتمحور حوله الأحزاب الصغيرة الأخرى والذي يضمن له تشكيل حكومة مستقرة ومريحة مع من يشاء من الأحزاب و الحركات الأخرى وعلى قاعدة برنامجه هو. وعملياً صوت الإسرائيليون ضده بحجب ثقة نسبي عنه ورفضوا سياسته الداخلية والخارجية، وخاصة السياسة الاقتصادية التي اعتمدها خلال السنوات الماضية والتي أضرت بصورة ملموسة بالطبقة الوسطى في إسرائيل عدا الطبقات الفقيرة، وكانت عملية التصويت امتداداً لحركة الاحتجاج الاجتماعي التي بدأت في صيف العام 2011 والتي رفعت مطالب اقتصادية - اجتماعية ضد سياسة الحكومة وضد الغلاء الفاحش في أسعار الوقود والحاجيات الاستهلاكية الأساسية ومن أجل توفير مساكن للشباب، والتي ساهمت في فوز حركة 'ييش عتيد' بزعامة السياسي الجديد يائير لبيد بالمكانة الثانية بعد ائتلاف نتنياهو- ليبرمان وحصوله على 19 مقعداً.
كما أنه تصويت ضد سياسته الخارجية القائمة على تخويف الإسرائيليين من البعبع النووي الإيراني الذي يتطلب قائداً بمستوى نتنياهو يعرف كيف يتعامل معه. وهذا هو السبب الذي أغرى رئيس 'كديما' شاؤول موفاز للانضمام إلى حكومة نتنياهو ما ساهم في إضعاف 'كديما' بل تدميرها، عندما لم يحقق موفاز شيئاً من برنامجه على أي مستوى من المستويات. وتصويت ضد سياسة نتنياهو القائمة على استبعاد العملية السياسية مع الجانب الفلسطيني واستبدالها بسياسة استيطانية ساهمت في زيادة عزلة إسرائيل وفشلها في منع الفلسطينيين من الحصول على الاعتراف الدولي بدولتهم بأغلبية أصوات دول العالم الساحقة. على الرغم من أن قسماً كبيراً من الجمهور يصدق الأكذوبة التي تقول إنه لا يوجد شريك فلسطيني للتفاوض ومقابلة يد نتنياهو الممدودة للمفاوضات دون شروط. فهو اضطر من أجل كسب أصوات الجمهور اليميني إلى الكشف عن وجهه الحقيقي عشية الانتخابات عندما أعلن رفضه لفكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ورفض مبدأ حل الدولتين.
الآن يحاول نتنياهو استبدال فكرة الحزب الكبير القائد بائتلاف واسع مستقر ولكن هذا ليس سهلاً، ليس بسبب إحجام الأحزاب والقوائم الانتخابية عن المشاركة في الحكومة، فإغراء الحكومة يؤثر على عدد كبير من السياسيين، ولكن لأن الشركاء المحتملين يختلفون حول العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فعلى سبيل المثال هناك خلاف جوهري بين حركة (يوجد مستقبل) برئاسة يائير لبيد وبين الأحزاب الدينية الأصولية حول ما يقول عنه لبيد تقاسم العبء في الدولة كناية عن فرض الخدمة العسكرية على الأصوليين اليهود والمواطنين العرب. وهناك تناقض في المواقف السياسية حول التسوية وحل الدولتين بين حركة لبيد من جهة وتكتل 'الليكود - يسرائيل بيتينو' و(البيت اليهودي) بقيادة نفتالي بينت من الجهة الأخرى. وتوجد خلافات حول سياسة نتنياهو الاقتصادية وفي هذا يلتقي لبيد مع بينت ومع حركتي 'شاس' و 'يهدوت هاتوراة' بشكل نسبي ضد نتنياهو.
وما يهم نتنياهو الآن هو تشكيل الحكومة بأوسع تشكيل ممكن حتى لا يكون تحت رحمة يائير لبيد أو أي حزب أو حركة أخرى وخاصة الأحزاب الدينية التي شكلت فيما بينها جبهة واحدة لتعزيز موقفها في الحكومة القادمة. وحتى لا يفشل وتنتقل الكرة إلى لبيد الذي لم يخف في لقاء تليفزيوني رغبته في ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة في الانتخابات القادمة علماً أن موضوع تغيير طريقة الحكم مطروح على جدول أعمال الحكومة القادمة، حيث من المرجح جداً العودة إلى انتخاب رئيس الحكومة مباشرة من الشعب. ويعتقد نتنياهو أنه عندما يشكل حكومة يضمن لنفسه على الأقل سنتين في الحكم كرئيس حكومة يمكنه أن يدجن فيها الأحزاب الأخرى وربما إضعافها كما حصل مع 'كديما' في السابق.
وبعد الفشل في تحويل الموضوع الإيراني إلى رأس أولويات الحكومة وتوجيه ضربة لإيران بدعم من الولايات المتحدة وتحت غطائها، بعدما رفضت إدارة أوباما صراحة قيام إسرائيل بضرب إيران بل وسخرت من قدرتها على تدمير البرنامج النووي الإيراني، وبعدما رفض رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي ورؤساء الأذرع الأمنية في إسرائيل هذه الفكرة ورفضوا ادعاءات نتنياهو بتجاوز إيران للخطوط الحمراء في تطوير الذرة على المستوى العسكري، يلجأ نتنياهو في هذه الأيام إلى الترويج لفكرة انتقال أسلحة الدمار الشامل السورية وخاصة السلاح الكيماوي إلى أيدي 'حزب الله' والقاعدة بعد تفكك الجيش السوري وفقدان سيطرته على مواقع تخزين هذا السلاح ،أو قيام النظام السوري كنوع من الانتقام بتحويل قسم من السلاح لحلفائه في لبنان. فمن جانب يريد نتنياهو الإيحاء للأحزاب الأخرى بأهمية المشاركة في الائتلاف الحكومي على خلفية التحديات الكبيرة التي تواجه إسرائيل، وهذا يأتي على خلفية نشر بطاريات صواريخ 'بتريوت'، وبطاريات القبة الفولاذية في الشمال. ومن جانب آخر يحاول التمهيد لما يقولون في إسرائيل أنه ضربة وقائية ضد سوريا لمنع تسرب السلاح الكيماوي. وهكذا يبدو أن نتنياهو قبل الانتخابات هو نتنياهو بعد الانتخابات مع فارق بسيط هو ضعف حزبه وائتلافه اليميني، الذي لم يفلح في السابق على الاتفاق على تمرير موازنة العام 2013، واضطر إثر ذلك إلى تقديم موعد الانتخابات. ومهما يكن ائتلاف نتنياهو وحكومته القادمة من المتوقع أنها قد لا تعمر طويلاً، ومن الواضح أنه لن يغير من سياسته إلا إذا تعرض لضغوط قوية خارجية وداخلية. ونحن نستطيع أن نساهم في ذلك إذا امتلكنا زمام المبادرة وخرجنا من دائرة الانتظار وردود الأفعال.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها