حوار/ امل خليفة- رام الله - فلسطين

خاص- مجلة "القدس"، يخوض الشعب الفلسطينية في الوقت الراهن معركتين هامتين يمكن أن تؤثر كل منهما وإلى حد بعيد على مستقبل الدولة الفلسطينية المنتظرة. وتتمثل المعركة الأولى بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وما صحبه من وقوفٍ للسلطة الفلسطينية إلى جانب أهلنا في القطاع وتقريبٍ لوجهات النظر بين المتخاصمين للوقوف معاً ضد الاحتلال وغطرسته، فيما تكمن الثانية في مسألة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية وما سيتبعه من سياسات وتوقعات وطنية وسياسية. وللوقوف تفصيلياً على تلك المواضيع كان لنا هذا اللقاء مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" مفوض التعبئة والتنظيم للمحافظات الجنوبية والعلاقات الدولية الدكتور نبيل شعث.

 

س:  كيف يمكن تقييم وقوف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية إلى جانب قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي المحتل عليها؟

إن هذه الوقفة كانت أمراً طبيعياً تماماً. فهذه غزة وهذا وطننا، وغزة عندنا مثل القدس بالضبط. واليوم القدس تواجه خطر التهويد وغزة تواجه خطر التدمير. وقد كنت مبعوث الرئيس الخاص لغزة، وبصفتي مفوض التعبئة والتنظيم في المحافظات الجنوبية اجتمعت والفصائل الوطنية والتنظيمية في قطاع غزة وناقشنا الوضع الوطني والعدوان على قطاع غزة والأوضاع التنظيمية في القطاع، والتقينا بعض أعضاء المجلس الثوري وكتلة "فتح" البرلمانية وقيادة أقاليم قطاع غزة والمكاتب الحركية والشبيبة، واضعين إياهم في صورة الوضع، ومؤكدين مواقف الرئيس محمود عباس وجهوده لوقف العدوان واستكمال المصالحة بعد انتهائه. كما ناقشنا مع القيادات التنظيمية سُبُل تعزيز التنظيم ووحدة حاله في مواجهة العدوان والتصدي له وحتمية وقوف الحركة صفاً واحداً في معركة شعبنا أمام الهجمة العدوانية الشرسة التي تستهدف القطاع. ونحن كأبناء "فتح" وفلسطين علينا الالتحام مع معاناة شعبنا أينما كان سواء في غزة أو في السجون أو في الشتات، لأن الذود عن أبناء شعبنا واجب وطني.

 

س: كيف كانت طبيعة التحرك الشعبي والفصائلي المساند لقطاع غزة في الضفة، وخصوصاً فيما يتعلق بالاشتباك مع العدو الإسرائيلي على المحاور في الضفة الغربية؟

كانت هناك فعلا هبَّة حقيقية تضامنية مع شعبنا في غزة، وقد تصاعدت يومياً لدرجة أنني اعتقد أن جزءاً مهماً من القلق الأمريكي تجاه ما يحدث في غزة، كان خوفهم من مشاركة الضفة وتحولها إلى جبهة أخرى مما يعني انتفاضة ثالثة لا تستطيع إسرائيل التصدي لها في الوقت الراهن الذي نتوجه فيه إلى الأمم المتحدة للحصول على عضوية الدولة الفلسطينية بصفة المراقبة. وهنا أذكِّر أن قوات الأمن الفلسطينية منعت قوات الاحتلال الإسرائيلي من دخول طولكرم، وسدت طرق طولكرم بالسيارات والشاحنات، وحولتها إلى متاريس، في حين كانت انتفاضة الجماهير الشعبية في الخليل ونابلس هائلةً إلى جانب أهلنا في غزة، ونعتقد أن جزءاً من هدف كلينتون بالمجيء إلى المنطقة كان إحساسها أن الضفة بكاملها ستنفجر إلى جانب غزة.

 

س: ما هي أبرز التطورات على المستوى السياسي ما بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؟ وما هي المتغيرات التي تتوقعونها وتنتظرونها؟

نحن نسعى إلى الوحدة الكاملة، وأعتقد بأننا نجد تجاوباً ليس فقط في القول وإنما في السلوك. فعلى سبيل المثال، قبل بضعة أيام كان هناك وفد عند الرئيس أبو مازن من نواب حماس الذين لم تعتقلهم إسرائيل، ضمَّ الدكتور ناصر الشاعر والدكتور سمير أبو عيشة والدكتور عمر عبد الرازق وآخرين جاؤوا ليقولوا للرئيس ما مفاده أن حماس تقف وراءك وتدعمك في ذهابك إلى الأمم المتحدة، موجهينَ رسالة للرئيس وللعالم أجمع بأن الشعب الفلسطيني كله خلفك لأنك تسعى إلى قضية تهم كل الفلسطينيين. بدوره قال لهم أبو مازن في اليوم التالي خلال المهرجان الذي أقيم في المقاطعة "إنني الآن أقوى من العام الماضي لأن كل الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه يقف خلفي".

كذلك فنحن شاركنا في الاحتفال في قاعة رشاد الشوا في غزة والذي حضره السيد إسماعيل هنية وخليل الحية وغيرهم من قادة حماس والجهاد والقيادات الأخرى، وكان أمين سر المجلس الثوري لـ"فتح" أمين مقبول حاضراً، وألقى كلمة في تأبين الشهداء والاحتفال بالنصر ناقلاً تحيات الرئيس أبو مازن والشعب في الضفة الغربية وحركة "فتح". وبدوري أيضاً فقد كنت في غزة وشاركت في كافة النشاطات أثناء الحرب وبعد نهايتها. كما شاركت في مهرجان كبير شارك فيه 150 ألفاً من أبناء حركة "فتح" في غزة، حيثُ كنت مع إسماعيل هنية وخليل الحية ومحمد الهندي وغيرهم على المنصة، وهتفنا جميعاً بنفس اللغة. إلى جانب ذلك فقد تحدث معنا خالد مشعل مؤخراً، واعتقد أننا جميعاً سنكون في القاهرة بعد استحقاق الأمم المتحدة، وذلك من أجل التوصل لإنهاء الانقسام.

 

 س: هل أنتم واثقون بأن المصالحة أصبحت قريبة؟ وما هي توقعاتكم حول مسار الوصول للمصالحة النهائية مع حركة حماس وغزة؟

نحن متيقنون من كون المصالحة أصبحت قريبة جداً. فالأمور حالياً مرتبطة بالرئيس المصري محمد مرسي ونحن ننتظر اليوم الذي يقول لنا فيه تفضلوا جميعاً. ولكن كما نعلم فهو يعاني مشكلة داخلية في القاهرة وقد وُجِّهت له دعوة للذهاب إلى باكستان. وهو كان قد أرسل دعوة للقاء غير محددة الوقت ربطها بعودة الرئيس أبو مازن من نيويورك، وبما أن الرئيس لن يستطيع الذهاب للقاهرة قبل 30/11، فاعتقد أن المسألة قد تستغرق أسبوعاً.

أمّا بالنسبة للنفوس، فالجميع أصبح جاهزاً تماماً في "فتح" وفي حماس وفي الجهاد وكافة التنظيمات الفلسطينية، لأنهم يعلمون بأن  الشعب الفلسطيني بكافة أطره السياسية والشعبية والوطنية ينتظر الاتفاق على أحر من الجمر، والاتفاق قادم بإذن الله، وهذا أيضاً سيكون ورقة قوية بيد الرئيس أبو مازن خلال توجهه إلى الأمم المتحدة. فذهابنا منقسمين ومختلفين يضعفنا عن المطالبة على المستوى الدولي بحقوقنا الوطنية والتاريخية والسياسية. لذا فإن القيادة بانتظار دعوة القاهرة للحوار بعد العودة من الأمم المتحدة لرسم خارطة سياسية للمستقبل لحل كافة الأمور السياسية، وتشكيل حكومة وحدة، والإعداد للانتخابات، وحل كافة مشاكل الموظفين المحرومين من رواتبهم وإعادة المؤسسات التي تم السيطرة عليها، وأمور عديدة أخرى وبالتفصيل.

 

س: ما الجديد في هذا الاتفاق؟ وهل يمكن اطلاعنا على النصوص، وعلى الخطوات الأولية التي اتخذت تجاه إزالة العوائق من أمام هذا الاتفاق ؟

ليس هناك نصوص لهذا الاتفاق. فكل النصوص تم الاتفاق عليها منذ عام في القاهرة، ونحن لا نتحدث عن اتفاق جديد، بل نتحدث عن تفعيل ما وقَّعناه ولم ننفذه لأسباب مختلفة. إضافةً إلى ذلك، فستكون هناك  وثيقة سياسية حول المخطط السياسي في الأيام القادمة. وحالياً تتم إجراءات كسب الثقة، من خلال الإفراج فوراً عن معتقَلي حماس في الضفة ومعتقَلي "فتح" في غزة، وقد طلبت حماس أن تشارك في اجتماعات القيادة الفلسطينية في الضفة ووافقنا، وطلبنا من حماس إقامة مهرجان يوم الخميس في غزة بمناسبة اعتلاء الرئيس أبو مازن منصة الأمم المتحدة ووافقوا. وبالتالي فهذه أدلة بالقول والفعل على أن الأمور تسير بسرعة نحو الوحدة. ومن جهتي، فأنا لا أجد اليوم أيَّ عائقٍ أمام إتمام هذه الوحدة، خاصةَ أننا كأطراف مدركون لأهمية هذه الوحدة لجهة دعم الشعب الفلسطيني وقضيتنا العادلة، ولا أظن أن أية عوائق سوف تثنينا عن هذا الاتفاق هذه المرة، لأننا فعلاً في خطر، ولكننا في نفس الخندق وعدونا واحد ومعروف، لذا علينا جميعاً توجيه السهام إلى العدو الحقيقي للشعب الفلسطيني، والعمل على قضايا شعبنا المختلفة، والمطالبة بالحقوق المنزوعة على مر فترة طويلة من الزمن. لذا فإن هذا التوجه ايجابي، وخاصة بعد استجابة حماس والجهاد الإسلامي لدعوة الرئيس عباس ودعمهما له في الذهاب إلى الأمم المتحدة ومن خلفه كل الشعب الفلسطيني، والدول العربية جميعاً، والدول اللاتينية، وجزء من الدول الأوروبية، ودول آسيا وإفريقيا.

 

س: ما هي توقعاتكم بخصوص ردود الفعل الأوروبية والأميركية والإسرائيلية فيما يتعلق بتوجه الرئيس للأمم المتحدة؟

أنا لا اعبأ كثيراً بالردود والأفعال الإسرائيلية، فهذه ردود العدو الذي يهددنا ويتوعدنا بأكبر الشرور التي رأيناها في كل آلة جهنمية وجهها نحو أبناء شعبنا في غزة. ولكن هذه الآلات كلها لم تستطع أن تقهر إرادة هذا  الشعب، بل إن فشلها كان سبباً في انهيار القادة العسكريين في الجيش الإسرائيلي ومنهم  إيهود باراك الذي استقال وانسحب من الحياة السياسية بكاملها، وهذا لم يأتِ من فراغ بل كان نتيجة الهزيمة التي مُنِيَ بها في غزة. ولذلك فبماذا يخيفوننا؟ أبقطع الأموال؟!! المحور الوحيد الذي كان يمكن تهديدنا من خلاله هو السيطرة على الوضع الاقتصادي الفلسطيني، ولكنه لم يعد فعلاً يعنينا بقدر ما تعنينا الدولة. فبالحصول على هذه العضوية سوف تتغير الكثير من الأمور فيما يخص الاحتلال الإسرائيلي ونظرة المجتمع الدولي له ولانتهاكاته الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني. أما الموقف الأمريكي فأرجو أن يتغير، واعتقد أن مجيء السيدة كلينتون إلى منطقتنا وإصرارها على تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي كي لا يصعد الحرب إلى حرب برية يمثل قدراً من التحول. وفي المقابل، فقد فشلت الجهود والضغوط الأمريكية الإسرائيلية التي بُذِلَت خلال الأيام الأخيرة في محاولة الضغط علينا بخصوص صيغة القرار الفلسطيني الذي سيخضع لتصويت الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وذلك لجهة تضمين صيغة القرار بنداً يحول دون توجهنا مستقبلاً للمحكمة الجنائية الدولية، وقد رفضنا أي نقاش يتعلق بصيغة هذا  القرار. ونحن نرجو أن تتحول أمريكا عن الموقف السابق الظالم والمخطئ إلى موقف أكثر اعتدالاً. وبالنسبة لأوروبا فهي بغالبيتها تقف معنا، خاصة بعد التصريحات الفرنسية التي أعلنت التصويت لصالح الدولة الفلسطينية، وهذا سوف يجلب أصواتاً أكثر لصالح العضوية، حيثُ أن العديد من الدول الأوروبية كانت تنتظر القرار الفرنسي، لذا فإن الضغط الذي نفذه الشعب الفرنسي، والحزب الاشتراكي دفع هذه الدول للتصويت اليوم. أما الدول الأوروبية المترددة حتى الآن في التصويت لصالح الفلسطينيين، فهي انجلترا وألمانيا وهولندا ودول أوروبا الوسطى "الشيوعية"، ونرجو أن تتغير آراء تلك الدول خلال الفترة القصيرة القادمة.

 

س: هل هناك برأيك ارتباط بين توجه السلطة الوطنية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة ومساعي التهدئة في غزة ؟

دعكِ من موضوع التهدئة فهذه كذبة قديمة أنا أسميها دحر العدوان وانجبار العدو الإسرائيلي على التوقف عن عدوانه على غزة وهذا الذي حصل عملياً. وبالنسبة لي فكلمة التهدئة تعني نوعاً من تخدير الناس ونحن تخطينا هذه المرحلة. في الحقيقة نحن أجبرنا العدو الإسرائيلي على وقف عدوانه الآثم على غزة. ولا شك أن ما حدث سيساعدنا في إثبات مطلبنا في الأمم المتحدة، لأنه يقول للمعنيين بأنه إذا لم تلبوا التزاماتكم السياسية تجاه الشعب الفلسطيني، فأنتم تدفعون المنطقة للحرب مرة أخرى، وهذه الحرب لا تفيد أحداً لأنها تدمر أيَّ استعداد للذهاب إلى حل سلمي وبالتالي فهي تتنافى مع أي تهدئة.

 

س: ماذا سيؤمِّن الاعتراف بنا كدولة مراقبة في الأمم المتحدة للفلسطينيين وللدولة الفلسطينية؟

صحيح أن هذه الخطوة هي خطوة رمزية، ولكن الدبلوماسية كلها أشياء رمزية، والقانون أولاً وأخيراً يحافظ على الرموز لكي يحافظ على الجوهر، ورمز السيادة هو الاعتراف بهذه السيادة من العالم. فالسيادة تأتي من الشعب والأرض ومن التاريخ ومن النضال، لكن سيادة الدولة تحتاج أيضاً إلى اعتراف الدول بها، والدولة التي لا يعترف بها العالم لا تكتمل سيادتها. لذا فعندما يعترف بنا العالم نؤكد سيادتنا على أرضنا المحتلة التي يجب أن تعود لنا، وُيفتَح أمامنا الباب لكي نشارك في كل النشاطات التي تضع ضغوطاً كبيرة على قوى الاحتلال المعادية. فنحن مثلاً نستطيع أن نلجأ لمحكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية واتفاقية جنيف الرابعة، ووقتها نستطيع التصدي لكل من يمكن أن يعتدي علينا. أمَّا موضوع الأسرى فهو موضوع ثانٍ لا يتأثر بأية تطورات أو أحداث، فالأسرى مثل الأرض، ونحن نريد تحرير الأرض وتحرير الأسير.