حوار/ امل خليفة - رام الله - فلسطين

خاص- مجلة "القدس"، اعتراف دولي ساحق بفلسطين كدولة مراقب في الأمم المتحدة وبواقع 138 صوتاً أعطى السلطة الوطنية الفلسطينية زخماً ودعماً سياسياً غير مسبوق، وكشف وعزل الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية، وأوجد واقعاً سياسياً جديداً في المنطقة حول تغيُّر مجريات الأمور وكيفية تعامل السلطة الوطنية الفلسطينية مع هذا الواقع الجديد، إلى جانب تأثير ذلك على وضع الفلسطينيين في الداخل وفي الشتات على الصعيدين القانوني والسياسي. ومن هنا كان لنا هذا اللقاء مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" محمد اشتية، ليضعنا في سياق آخر المستجدات والتغيرات المرتبطة بانعكاس هذا الاعتراف على مستقبل القضية الفلسطينية.

 

س: ما هو مصير السلطة الوطنية الفلسطينية بعد الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية، وما انعكاسات ذلك؟

بدون أدنى شك اعتراف العالم بدولة فلسطين سيكون له انعكاسات كبيرة أولها على مصير السلطة الوطنية الفلسطينية، وكذلك بالنسبة للانتخابات القادمة وهل ستكون انتخابات لمجلس تأسيسي للدولة أم ستكون انتخابات لمجلس تشريعي للسلطة، كما أن هناك تساؤلاً حول إذا ما سنقوم بتغيير اللافتات المكتوب عليها السلطة الوطنية الفلسطينية إلى دولة فلسطين أم أنها ستبقى على حالها؟ وبالتالي فأمام القيادة الفلسطينية برنامج مكثف من أجل أن يكون هناك مد لهذه السلطة ليتم تحويلها إلى كيان فلسطيني اسمه دولة فلسطين، وبالتالي فنحن نحتاج إلى اتفاق على الاسم هل نسميها الجماهيرية الفلسطينية، أم جمهورية فلسطين، أم دولة فلسطين،  ولكن بالمجمل العام بيت القصيد بالنسبة لنا هو كيف نبسِّط سلطة هذه الدولة على أرض الواقع من جهة، وبما توحي به الرمزية من جهة أخرى. ولكن بالنسبة لي الأهم هو تحويل هذه الرمزية إلى أمر واقع،  فمثلاً لو تم تغيير جواز السفر الفلسطيني وبدل أن يُكتب عليه السلطة الوطنية الفلسطينية نكتب عليه دولة فلسطين، فإن كل هذه القضايا ستضعنا في مواجهة يومية مع الجانب الإسرائيلي. فالجانب الإسرائيلي سيرفض أن يتلقى أي ورقة مكتوب عليها دولة فلسطين، مثلما يرفض اليوم تلقي أي ورقة مكتوب عليها السلطة الوطنية الفلسطينية ويقبل ورقة مكتوب عليه السلطة الفلسطينية. وبالتالي إذا غيرنا جواز السفر فهل سيُسمح للفلسطيني بالمرور عبر الإجراءات الإسرائيلية على الجسر ومن المطار أو على أي مكان؟ لذلك هذا الأمر يحتاج إلى قرار وإلى تحدي، وهذا الأمر هو ذاته الذي يعني أن نبدأ ببسط سيادة الدولة الفلسطينية على أرض الواقع، وإلا فسيبقى الأمر في بعده الرمزي على المستوى السياسي دون أن يتم ترجمة هذا الاعتراف بالدولة على أرض الواقع.  من ناحية أخرى، فنحن سنخاطب هذه الدول التي اعترفت بنا لكي تغير وترفع من تمثيلنا الدبلوماسي. ففي فرنسا مثلاً هناك مفوضية فلسطينية، وفرنسا اعترفت بنا كدولة، لذا فهذا أمر يحتاج إلى متابعة مع الدول التي اعترفت بنا من أجل أن تغيِّر واقع التمثيل الفلسطيني لديها. ولكن هذا القرار غير ملزِم لأحد، فهناك دول تعترف بنا اليوم كدولة ولدينا في هذه الدول سفارة وسفير، ولكنها صوتت ضدنا أو لم تصوِّت لصالحنا في الأمم المتحدة بل امتنعت عن التصويت. فالعالم مليء بالتناقضات وهذا الكلام ينطبق على بلغاريا التي اعترفت بفلسطين دولة أيام الشيوعيين في 1988، ولدينا سفير فيها والأمر سيان بالنسبة رومانيا، ولكن هاتين الدولتين لامتنعتا عن التصويت في الأمم المتحدة، وهذا أمر مُحيِّر ويحتاج إلى عمل وجهد طويل لأنه يعني أنه في المجمل العام هذه الدول لا تحترم الاتفاقيات الموقعة من الدول أو الحكومات التي سبقتها. وفي المجمل العام سيكون هناك اجتماع للقيادة الفلسطينية، واعتقد أن أول البنود على جدول الأعمال هو بسط سيادة الدولة والمصالحة، لأنهما أهم قضيتين نحتاج للنقاش فيهما بشكل حقيقي، ونحن بحاجة إلى تجهيز أنفسنا لهذا الأمر من أجل ما ذكرت، وأن ندرس التبعات المترتبة على هذا الموضوع، وكيف سنُخرج هذا الأمر إلى حيز الوجود، لأنه إذا طلبنا من العالم أن يعترف بنا كدولة ونحن لم نمارس ذلك كدولة، فستكون هنا المشكلة.

 

س: على المستوى الخارجي ماذا سيحقق لنا الاعتراف بالدولة الفلسطينية غير التمثيل الدبلوماسي كحق من حقوق الشعب الفلسطيني؟

الاعتراف الدولي بنا كدولة فلسطينية له مردودات سياسية مهمة جداً أهمها اعتراف العالم بنا كدولة. فالعالم اعترف أن حدود هذه الدولة هي حدود العام 1967، وإسرائيل ترفض أن تكون حدود هذه الدولة حدود العام 1967، لأنها تعني أن مدينة القدس جزء لا يتجزأ من حدود هذه الدولة رغم كل الإجراءات الإسرائيلية، لذلك فاعتراف 138 دولة بأن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، حققنا انجازاً مهماً جداً هو أن هذه الدولة الفلسطينية المعترف بها هي دولة تحت الاحتلال، والقانون الدولي لا يتيح أن تعتدي دولة على دولة أخرى. ولكن هذا الكلام كان قائماً لأن إسرائيل كانت تتعاطى مع الأراضي الفلسطينية على أنها أراضي متنازع عليها، أي أن هذه الأراضي كانت أرض فلسطينية تحت الانتداب البريطاني وعندما خرجت قوات الانتداب البريطاني أحدث هذا الأمر فراغاً ملأت إسرائيل جزءاً منه، والجزء الثاني ملأته مصر في غزة، أما الجزء الثالث فكان من نصيب الأردن في الضفة الغربية. وبالتالي هذه الأراضي الفلسطينية كانت أراضٍ متنازعاً عليها وما جرى في الأمم المتحدة هو أن قرار الجمعية العمومية قد رسَّخ بشكل لا رجعة فيه أن هذه الأراضي هي أراضٍ فلسطينية وليست أراضٍ متنازعاً عليها بين أيِّ طرف مع الجانب الفلسطيني، الشيء الآخر المتعلق بالانجاز هو أننا سنصبح أعضاء في جميع منظمات الأمم المتحدة، وهذا الكلام يشمل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة حماية الحقوق الفكرية ووكالة الطاقة الذرية ومحكمه العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية -أل دبليو تي - ومنظمة التجارة الدولية وكل هذه المنظمات. فنحن سنصبح أعضاء فيها وهذا بحد ذاته ترسيخ حقيقي للكيان الفلسطيني على الساحة الدولية، لذا فهذا الاعتراف مهم بالنسبة لنا من جميع النواحي التي تحدثنا عنها.

 

س: كدولة مراقب ما هو الطرح الذي يمكن أن يكون فيما يخص اللاجئين؟

لا يوجد علاقة بين اعتراف العالم بنا كدولة وموضوع اللاجئين. فموضوع حق العودة لللاجئين حق مقدس ليس له علاقة بأن الفلسطيني أصبح له دولة يستطيع الآن أن يعود إليها، ونحن لا ننظر إلى هذا الأمر بهذه الطريقة، لأن القرار الذي صوَّت عليه العالم ينص على أن موضوع اللاجئين الفلسطينيين يُحَل على أرضية الشرعية الدولية التي تضمن لهم حق العودة على أساس القرار 194، لذلك هذا الأمر لا يعني أن الفلسطينيين حيثما كانوا يعودون فقط إلى هذه الدولة، وإنما يقصد به أن حل مشكلة اللاجئين مستند على أساس الشرعية الدولية في حق العودة على أساس القرار 194 وهذا بند واضح وصريح في القرار أ.

 

س: هل ما سينطبق على المواطن الفلسطيني في الداخل بموضوع جواز السفر وغيره من الأمور التي يمكن أن تتغير بعد الاعتراف بنا كدولة، سينطبق على الشتات وعلى اللاجئين داخل الضفة الغربية وغزة؟

اللاجئون داخل الضفة الغربية وغزة معهم جواز سفر وهوية ويجب علينا أن نحمي هذا الحق، وعلينا ألَّا نضع أيَّ تعقيدات قد تتسبب في أن يُفسَّر أي شيء عكس ذلك أو بشكل خاطئ. فنحن لا نريد أن نعطي الذرائع لإسرائيل، لذلك يجب أن نحتفظ بهذا الحق المقدس للناس والذي نصًّت عليه الشرعية الدولية والقوانين البشرية وكافة المواثيق الدولية. إن هذا الحق حق مقدس ولا أحد يستطيع أن يسقطه عن أي فلسطيني أينما وجد. ومن جانب آخر، فالأونروا مؤسسة قائمة لتعالج موضوع اللاجئين وبالتالي لا يمكن لنا أن نكون بديلاً عنها إلا عندما تنتهي قضية اللاجئين. يعني ما دام هناك لاجئون فلسطينيون يجب أن يستمر وجود الأونروا، ويجب ألَّا تتأثر الأونروا فهي مؤسسة تقدم خدمات لللاجئين وبالتالي أصبحت عنواناً من عناوين اللاجئين الفلسطينيين مما يوجب المحافظة عليها إلى حين انجاز حق العودة بشكل كلي وبشكل عملي.

 

س: كيف سيؤثر علينا الاعتراف بالدولة كمراقب في الأمم المتحدة على المستوى المعيشي الداخلي وعلى العلاقة مع الإسرائيليين خاصة أنهم يهددون على المستوى المالي والاقتصادي؟

إسرائيل اتخذت قراراً بوقف التحويلات المالية وعائدات الضرائب لمدة شهر، حيث قامت بتحويل الأموال للشهر السابق بتاريخ 27/11/2012 أي قبل يومين من صدور قرار الاعتراف، وستحول مستحقات الشهر الحالي في نهاية هذا الشهر، فعملياً القرار سيكون لمدة شهر. فإسرائيل تحاول أن تبحث عن طريقة للحفاظ على ماء وجهها لأنها قامت بتهديدات كبيرة جداً قبل صدور القرار وقالت أنها ستقوم وستدمر وستفعل إذا ذهبنا إلى الأمم المتحدة، ولكن إسرائيل لن تستطيع أن تفعل شيئاً آخر، وبالنسبة لتأجيل الأموال فمن الممكن أن  يحجزوها شهراً فقط لا أكثر، والأزمة المالية الفلسطينية أصلاً عمرها ثلاث سنوات وبالتالي فهي غير مرتبطة بتمويل شهر أو شهرين أو  غير ذلك من الأمور التي يتحدث عنها الإسرائيليون.

 

س: هل سيؤثر الاعتراف على المنح والمساعدات التي تأتي من الدول المانحة لنا كدولة؟ وهل سيكون هناك فارق بينها وبين السلطة؟ 

لا أعتقد أن أموال المانحين سوف تتأثر بوضعنا سواء كنا دولة أم سلطة بل إن أموال المانحين تتأثر بمجموعة عوامل ليس لها علاقة بالدولة. فهي تتأثر بشكل أو بآخر بالظروف السياسية وهي تُدفع من أجل دعم المسار السياسي والتفاوضي. وهذا المسار التفاوضي غير موجود حالياً ومتوقف منذ فترة، لذلك فأموال المانحين تنحصر وتتأخر تبعاً للتقدم بالعملية السياسية، أما أموال العرب فيجب أن تكون عكس ذلك. يعني كلما كان هناك أزمة يجب على العرب أن يدفعوا أكثر. ولكن للأسف الشديد بعض الدول العربية لا تفي بالتزاماتها هذا من جانب، ومن جانب آخر فالدول المانحة لديها أولويات فمثلاً الاتحاد الأوروبي كان لديه فائض من المال في السنوات السابقة وكان يعطيه للأراضي الفلسطينية. أمَّا الآن فقد أبلغونا بأنهم سيساعدون اللاجئين السوريين بفائض المال. وبالتالي هناك أولويات لدى العالم  تتولد بشكل يومي أو شهري أو سنوي، فالعالم يقول أنه يريد تقديم المساعدات لكل دول العالم  المحتاجة للمساعدة. فمثلاً دولة مثل النرويج أو السويد أو دولة من الدول المانحة الكبيرة تقول أنها تريد أن تعطي 1% من موازنتها مساعدات وهذه الــ1% ممكن أن يكون مثلاً مبلغ 60 مليون دولار تريد إعطاءه لفلسطين، ولكن إذا حدث زلزال في بنغلادش سيتحول هذا المبلغ لبنغلادش وليس لنا وهكذا، يعني العالم يتعامل بالمساعدات مع الأحداث، ولذلك لا أعتقد أن المساعدات ستتأثر بل ستكون بتقديري وتيرة المساعدات هي ذاتها، ما عدا الأمر المتعلق بالولايات المتحدة وحسب قرار الكونغرس وحسب ما سيصدر عنه.

 

س:  فيما يخص علاقتنا مع الدول التي اعترضت على الدولة الفلسطينية كيف سيكون التعامل معها في المستقبل القريب؟

الدول التي لم تصوت معنا هي 9 دول منها 4 دول هي أصلاً دول صغيرة ليس لها وزن سياسي مثل مورو وعدد سكانها 8000 نسمة ومايكرونيزيا وعدد سكانها100000، وهذه الدول عبارة عن جزر ليس لها سياسة خارجية، وهناك اتفاق بينها وبين الولايات المتحدة، لذا فهي  تلتزم  بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وتنحاز وتصوت كيفما صوتت أمريكا. وهكذا يبقى لدينا كندا التي لديها حكومة يمينية بحتة، وكان ملفتاً للنظر وجود وزير الخارجية الكندي الذي حضر الاجتماع من أجل التصويت ضد فلسطين. ولذلك الموضوع المتعلق بهذه الدول ليس موضوعاً فلسطينياً، بل هو موضوع عربي ولهذا فعلى العرب أن يخاطبوا العالم بلغة أخرى وهي لغة المصالح المشتركة وليس لغة الأخلاق والكرم العربي الأصيل أو أي لغة أخرى. والعرب عليهم أن ينسجوا منظومة مصالح بينهم وبين العالم وبالتالي الدولة التي تقف مع قضيانا يجب أن نساعدها، وهناك بعض الدول مثل الكاميرون امتنعت عن التصويت وهي عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي يعني كيف يعقل هذا الكلام!، لذلك أعتقد أنه علينا أن نكون مدركين وواعيين حول كيفية تعاملنا مع هذه الدول ومع من يصوِّت ضدنا ومع من يقف معنا. فنحن لسنا دولة معتدية ولم نعلن الحرب على أحد وكل الذي نطالب به هو حقوقنا ليس إلا.

 

س: كيف سنتعامل مع الحكومة الإسرائيلية ومع الاعتداءات من الجيش الإسرائيلي فيما يخص الاعتقالات والاقتحامات لمناطق الضفة الغربية هل سنتصدى لهم أم سنبقى كما نحن؟

بصراحة القانون الدولي يتيح لنا أن ندافع عن أهلنا وشعبنا، وكذلك كما ذكرت سابقاً هناك مجموعة من القضايا التي تتدارسها القيادة الفلسطينية، وعلينا أن نجيب على هذه القضايا بما فيها السؤال المتعلق بكيفية مدافعة السلطة عن شعبها، وهذا أمر علينا دراسته والتعاطي معه بكل جدية. وبالنسبة لأسرانا البواسل في السجون الإسرائيلية، فالمستشارون القانونيون للسلطة يدرسون الآن جميع التبعات وإذا ما كان هؤلاء الأسرى أسرى حرية وأسرى حرب تنطبق عليهم اتفاقية جنيف الرابعة، ومعنى ذلك بأن التصنيف الإسرائيلي للأسرى على أنهم إرهابيون وأنهم أسرى أمنيون وأسرى إداريون يجب أن يسقط من المنظور الدولي، ولذلك نحن كلفنا فرقاً قانونية لتدرس التبعات المترتبة على هذا الموضوع كلٌ باختصاصه.