يعاني المشروع الوطني الفلسطيني ، والقضية عامة منحالة تراجع غير مسبوقة وتشرذم على المحاور العربية والحزبية ، فقديما كان الاصطفافمع قوة عالمية عظمى أو خصصها، واليوم تراجع الاصطفاف ليتخذ من قوى إقليمية أوأحزاب مظلة ومرجعية وسندا كلها تحت دائرة الاستهداف الأمريكية.
إن المشروع الوطني الفلسطيني في مهب الريح،فالدولة الفلسطينية في حدود 1967 (حل الدولتين) الذي اجمع عليه الفلسطينيون فيفترة من الفترات بما فيهم حماس والفصائل أخذت تبتعد هذه المرة بتنسيق مجموعة منالإرادات.
فلسطين ودولة الأمم المتحدة
يصر الأمريكيون وبعض الأوربيين وبعض العرب على رفضالطلب الفلسطيني المقترح تقديمه للأمم المتحدة لنيل صفة الدولة غير العضو رغمرجاءات سابقة كانت تطلب من الرئيس أبومازن أن يتواضع ولا يتقدم بطلبه لمجلس الأمنولما حصل ما حصل ولم يستطع الفدائي الفلسطيني أن يحقق استجابة ونزل درجة في طلبالدولة حسب رجاءات كثير من الدول أصبحت العملية وكأنها أعقد إذ تكالبت قوىفلسطينية مع دول في الإقليم وتساوقت مع الرغبة الامريكية الاسرائيلية في منعالحراك الفلسطيني السلمي.
إن الدولةالعبرية تخشى فتح ملف الاستيطان بالاعتراف الفلسطيني كما تخشى فتح ملف الحدود وملفالقدس التي تصبح كلها في سياق الدولة غير العضو ضمن مرجعية الاعتراف بالأممالمتحدة ما يضير ب(نتنياهو) شخصيا وتحالفاته مع المستوطنين، كما يضر في السعيالسراطي = الاستراتيجي الصهيوني لبناء تحالف دولي تحت عنوان الدولة الفلسطينيةبالحدود المؤقتة ما يعني مع (الهدنة طويلة الأمد) أن تستولي الدولة العبرية على ماتبقى من الضفة، إذ بعد هدنة السنوات العشر أو العشرين كما تقترح حماس يخلق الله مالا تعلمون
إن السياسة الأمريكية مازالت تتخذ من (إسرائيل) هدفا مركزيا إلى جانب النفط وهما المسلمتان الوحيدتان فيالمنطقة، وتتساوق بعض دول المنطقة مع هذا الهدف إذ أن حماية النفط حماية(لإسرائيل) كما تفهم أو يجب أن تفهم بعض الدول النفطية التي تضطلع مختارة أومنقادة للهيمنة الأمريكية.
حماسوالممانعة للدولة و للمصالحة
ويأتي هنادور حزب حماس، ودعني وأخص بالذكر تحديدا جناح حماس الممانع للمصالحة والمقيم فيغزة الذي يشن هذه الأيام – كما فعل في مناسبات كثيرة سابقة – حربا شعواء علىالشرعية الفلسطينية تتساوق مع من يبتغون هدم الطموح الوطني ، فلماذا؟
1- استطاعت الدبلوماسية الفلسطينية أن تعري وجه(إسرائيل) وتعزلها دوليا كما قال قادة الكيان الصهيوني، وما كان لانتصار فلسطين فياليونسكو إلا اللطمة المدوية على الخد الصهيوني ، ولأن تيار الممانعة للمصالحة فيحماس يعتبر أن كل نصر للشرعية انتقاص من شرعيته المتآكلة بانتهاء مدة المجلسالتشريعي التي جاوزت العامين، والتي تبغي استمرارها للأبد دون انتخابات ، فانالتساوق مع الاحتلال لضرب القيادة الفلسطينية يصبح مفهوما، ولن تنتهي الحملاتالصليبية الحمساوية إلا باختراق كبير في فكر وسياسة وجسد هذا التنظيم.
2-افترضت حماس أن طاقة القدر فتحت لها 4 مرات الأولى في الانقلابالدموي عام 2007 فلا مناص من الحفاظ على هذا المكتسب، والثانية في استغلال الشعببغزة عبر الإتاوات والأنفاق وصنع الأموال وعبر الترزّق على ظهر الشعب الصابر منخلال الحصار الذين يتباكون عليه حينا، ويعلنون انه قد زال حينا آخر (في طهراناعتبروا الحصار زال بالدعم الإيراني ، وكذلك مع الرئيس مرسي، ومع زيارة أمير قطرأيضا اعتبروه سقط ).
أماالمناسبة الثالثة التي فتحت فيها طاقة (نافذة) القدر لحماس فهي فوز الإخوانالمسلمين الضعيف في رئاسة مصر ، والذي ظنوا معه أن أبواب الجنة قد فتحت وانإمارتهم ستضم حكما للإمبراطورية 'الإخوانية' في العالم لولا أن آثر الإخوانالمسلمين في مصر المصالح القومية على الأوهام الاسلاموية الحمساوية .
أما المناسبة الرابعةفكانت مع زيارة أمير قطر (وفيها أعلنواللمرة الثالثة إن الحصار زال كما أسلفنا) الذي بسطوا له السجاد الأحمر وعزف علىمسامعه النشيدين والتقى فيه هنية كرئيس غزة مع الأمير وزوجتيهما معلنا رسميا نشوءالإمارة وتتويجه على رأسها . إن كل هذه (الطاقات) التي فتحت استطاعت القيادةالفلسطينية أن تغلقها بحنكة ما أغاظ ممانعو حماس وأضر بمشروعهم الانفصالي.
3-رغم التنازلات المتواصلة لحركة فتح أمام مطالبحماس منذ حوارات دمشق والقاهرة وصولا للدوحة (لمن يريد استعادة التفاصيل الرجوعلتصريحات عزام الأحمد، وخالد مشعل) ومثلها في مكة واليمن . إلا أن التيار الممانعللمصالحة الذي أثري على ظهر الشعب ما زال صلبا.
4- إن حرب حماس الشعواء ضد الشرعية الفلسطينية هيللتغطية المستمرة على قتلها ما يقارب ألف شهيد بالانقلاب الأسود في غزة معتقدة أنالناس ستنسى ، وهي محاولات يائسة لافتراض أن الناس ستتبع أصحاب اللحى والأيديالمتوضئة (وكأن لا احد يصلي غيرهم) على افتراض سخيف آخر هو أن قداسة الفكر تنعكسعلى قداسة الحزب فتقديس الشخص ثم تقديس حتى رذائله.
5-كما أن هذه الحرب الشعواء المتوافقة مع مبتغىالاحتلال تعتقد أنها بها تزيح خصما بينما هي تدمر القضية الفلسطينية برمتها وتحققللإسرائيليين حلم تحطيم الكيان الفلسطيني إذ عبر الاسرائيليون مرارا وتكرارا عنرغبتهم الأكيدة في أن تكون غزة مستقرة تحت حكم حماس القمعي الذي يجلب الأمن الدائمللدولة العبرية
6-لا تألوا تيارات (حماس الممانعة للمصالحة في غزة) في افتعالالأزمة تلو الأزمة، فكلما اتفق خالد مشعل أو أبومرزوق مع عزام الأحمد أو الرئيسأبومازن تخرج علينا الأصوات النشاز مرتكبة الإثم الثلاثي في واحد أو أكثر منركائزه وهي التكفير أو التخوين أو التشهير لتلعن الضياء وحملة المشاعل وتسوّقللظلام ، وتستخرج من الصورة المضيئة بعض الغبار فتنشره في وجه الناس قضية كبرى أومفسدة أو اتهاما معيبا ولا يليق.
شرفاء حماس وطائفةالمستفيدين
إنتثبيت حكم طائفة المستفيدين من الانقلاب والانقسام هو غاية أولئك الكارهين لشعبهم،المحبون لذواتهم، والنائمون في لذة حلم فصل غزة عن الضفة ، وافتراض إلحاق هذهالإمارة أو الولاية بالإمبراطورية 'الإخوانية' الناشئة ما هو حلم يعني استمرارالسلطان والهيلمان والتحكم في الأموال ورقاب الناس على حساب القضية التي أوكلوهالله كما فعل عبد المطلب لأن للقضية (البيت) رب يحميها.
تستمر اتهامات حماس الممانعةللمصالحة في شغل الحيز المركزي من تفكير هذه الجماعة ، وتتفنن في اختراع الحجوالتحريضات والادعاءات بما لا يجعلها تنساق لا سمح الله نحو المصالحة ..... فجماعةأوسلو عملاء وينسقون مع الاحتلال، فهم والاحتلال واحد... ويجب إسقاط أوسلووإسقاطهم وهم ضد فلسطين وضد حق اللاجئين (كما الحملة الأخيرة ضد الرئيس وحركةفتح).... وحركة فتح يجب آن تنتهي أو تنقسم أو تنقض على نفسها.... والقيادة فقط لنافنحن المنظمة الربانية (أي حماس) ولا حكم ولا قيادة إلا لنا كما أعلن معظم رموزهذا التيار المتساوق مع الاحتلال جهازا نهارا ، حيث أن الفكرة العامة هي أننا (الاسلامويون) دون غيرنا ....وأنناالمقاومون دون الآخرين (وان بالشعارات)، وعليه فنحن القافزون على رقبة الشرعيةأشاء الشعب أم أبى. إن علىشرفاء حماس وهم كثر على ما اعتقد مهمة تنظيف الجسد المترهل من الانتهازيينوالمتسلقين والمتساوقين مع الاحتلال ، كما هي مهمة حركة فتح وكافة الفصائل.
إنالسراطية (=الاستراتيجية) لهذه الفئة تنطلق من مربع الذات المنزهة وليس من مربعالفكرة الوطنية ، فالحفاظ على الذات المنزهة يتأتى بالحفاظ على الكيان والسلطةوالنفوذ الذي يحمي الذات ومصالحها ، ولا علاقة لذلك بالفكرة الوطنية الشاملة(الفكرة الوطنية هي من نبع الحضارة العربية الإسلامية) فكما خدمت الفكرة الذاتصحّت ، وكلما تناقضت أصبحت مرفوضة، فيصرح حينها الزهار أن لا إطلاق نار من غزةلأنها محررة، ويصرح المصري أننا الأحق بالخلافة (القيادة)، ويصرح العبادسه ضد أبومازن في الأمم المتحدة متقززا مما قاله وصامتا صمت القبور على رسالة الصديق الوفيللصديق العزيز متمنيا لبلده (من مرسي إلى بيرز) الرغد (أي لإسرائيل)، ويصرح بحروالظاظا مطالبا بمحاكمة أبومازن بتهمة الخيانة العظمي، وكأن من يديه ملطخة بدمأبناء غزة في الانقلاب الأسود لم يمارس الخطيئة والرذيلة العظمى كي لا نتساوقونقول الخيانة العظمى.
حملات طواحين الهواء
إنالحملة الجديدة وما هي بجديدة في حقيقة الأمر، وإنما امتداد لحملات ضد الرئيس أبومازن وضد حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح منذ الانقلاب الأسود -الذي أدانهمتأخرا خالد مشعل- وهو أي الانقلاب يمثل الوجع الفلسطيني الأكبر الذي لن ينتهيابدأ إلا بلملمة الجراح ومعاقبة المنقلبين بالقانون، وإلغاء كل ما ترتب علىانقلابهم وأيضا عبر الخيار الفلسطيني بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
إننا نسجل الاحترام الكبيرلتيارات حماس الشريفة تلك التي ترفض التساوق مع العدو الصهيوني، والتي نأت بنفسهاعن تدمير القضية الفلسطينية لمصالح انتهازية آنية وعلى رأسها خالد مشعل وأحمد يوسفوغازي حمد وغيرهم.
لقدخاضت حماس جل حروبها (الهجومية ) للأسف ضد حركة فتح وضد الشرعية الفلسطينية فيمقابل أن حروبها الكلامية ضد العدو الصهيوني كانت (دفاعية) في خلخلة واضحة فيتحديد الهدف والأولويات واتجاه السهام.
أدمنت معذلك حماس ( ودوما المقصود هم الممانعون للمصالحة من الانتهازيين والمتكرشين)الهزائم الداخلية فكل حروبها الداخلية منيت بهزائم، فهم إذ أغلقوا ميدان الحر ب ضد(الإسرائيليين) باعتقال وحبس كل من يطلق النار ضد الكيان الصهيوني فإنهم فتحواميدان غزوات ضد حركة فتح ولم يغلقوه حتى الآن رغم الهزائم المتكررة . وهم هزمواأنفسهم في غزوة الجامعات في الضفة الغربية التي خسروها بجدارة، وهزموا أنفسهم فيغزوة البلديات بانسحابهم وتحريضهم ثم مشاركتهم بغرض التأثير المعاكس ، كما هزموابالسقوط في انتهاكات حقوق الإنسان التي أدانتهم عليها منظمات حقوق الإنسانوالسلفيين، وخسرت في إظهار نموذج حكم مشرف فأرهقت العباد وقامت بفرض الإتاوات علىالناس ورعاية المتنفذين والقتلة في انقلاب 2007 والمتربحين على رقاب الغزيّين ،وهزموا أنفسهم في محاولة تقديم أنفسهم أدوات بيد الأجنبي ضد منظمة التحرير الفلسطينية التي فشلوا فيركوب قطارها كما فشلوا بدق عنقها أو استنساخها، وكان فشلهم المرعب بلزومهم التكفيروالتخوين والشتم المقذع للمخالفين فصنعوا فجوة مع تيارات حماس الأخرى ومع فتحوالتنظيمات والمحيط، ومع الوطنية والإسلام و الواقعية السياسية فلم يعودوا قادرينعلى مصافحة يد محمود عباس وحركة فتح التي كانت وستظل ممدودة للمصالحة.
أما آن لحركة حماس وخاصة الممانعون للمصالحةفيها أن يرعووا يوقفوا حرب طواحين الهواء التي لم تجدي (دون كيخوت) نفعا، وهي قطعالن توصلهم لعرش الشعب الفلسطيني الذين يحلمون به بكرة وأصيلا، ويتطيرون منالانتخابات خوفا من فقدانه
وأما آن لصوت العقل والحكمة وللشرفاء في حماس أنيقولوا كلمتهم ويوقفوا تيارات الانتهازية والتسلق والتحلّق حول عنق القائد من أنتلعب بمصائر أعضاء وجماهير حماس وتبلبلهم.
وأما آن لعقلاء التنظيمالمنتمي للشيخ أحمد ياسين وإسماعيل أبوشنب أن يلقوا بتيار الممانعة للمصالحة فيالصفوف الخلفية ، وأما آن لهم أن يعلموا هؤلاء أصول الحوار وأدب الاختلاف وأهميةالتناقض الرئيسي مقابل الثانوي، وان القضية الكبرى واضحة والتسديد بالسيوف والرماحوالسهام يجب أن يعرف طريقه الصحيح؟
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها