لأن قضيتنا صعبة، لأن حملنا ثقيل ترزح تحته الظهور،لأن تداخلات قضيتنا واسعة، يدخل فيها الصغير والكبير، الوفي والخائن، الأنقياء والشياطين،الحقيقيون والمزيفون !!! فإن هذه القضية تشهد مفارقات جادة بعضها يثير الإعجاب والدهشة،وبعضها يثير الصدمة، والحزن، والأسئلة الحائرة !!!

أعتقد أن ما يجري اليوم على امتداد الساحة الفلسطينيةوامتداداتها وتداخلاتها يجمع النموذجين معا، والنقيضين معا، الكفر والإيمان في وعاءواحد.

يعرف الجميع أن شعبنا الفلسطيني هو الآن في خضم المعركة،وفي قلب الاشتباك السياسي الذي هو بوابة الاشتباك الدموي، والمعركة ميدانها الجمعيةالعامة للأمم المتحدة، أي العالم بكل دوله ومصالحه وأيديولوجياته، وموضوع هذه المعركةالرئيسي هو فلسطين، هل تتقدم قليلا إلى مقعد الدولة أم تظل هكذا في حالة مؤقتة ؟!

وبطبيعة الحال، فان سلاحنا في هذه المعركة الطاحنة هوعدالة حقوقنا تحت سقف قرارات الشرعية الدولية، وقرارات المجتمع الدولي التي رفضت احتلالارض الغير بالقوة، وأكدت بطلان كل الإجراءات التي يتخذها الاحتلال الإسرائيلي، سواءقرارات الضم، أو الاستيطان، أو التهويد، مهما كانت الذرائع لذلك .

ونحن ذاهبون للتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدةعلى طلب تتقدم به القيادة الشرعية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها الممثل الشرعيوالوحيد للشعب الفلسطيني .

والسياق الوطني والديني والأخلاقي يقول، انه حتى لوكان بيننا على الصعيد الوطني لفلسطين خلافات، أو وجهات نظر – وهذا أمر طبيعي – فانهحين نكون في معركة، وخاصة معركة كبرى من هذا النوع , لها علاقة بتحديد المصير , فإنكل تلك الخلافات والتباينات ووجهات النظر يجب أن تدار بطريقة أخرى بمجرد أن تبدأ المعركة!!! إن هذا يحدث عند كل الشعوب صغيرها وكبيرها , في الشرق والغرب , في الشمال والجنوب, ومهما كانت التباينات , فالمعركة قد بدأت , ويجب على الأطراف المختلفة , المتباينةأن تتوقف عن التراشق والتشرذم حتى تهدأ نيران المعركة ونتبين المصير .

و لكن ما تراه اليوم :

هو شيء صادم للضمير الوطني , أن السعار الإعلامي , والافتعالاتالتصعيدية , والبغضاء الفالتة من كل قيد , نتصارخ في ساحتنا الفلسطينية بنوع من الهستيريا, نتساوق تماما , وبتواز تماما , مع أجواء التهديدات الإسرائيلية , وصيحات الجنون الإسرائيلية .

غريب أمر هؤلاء الصارخين، أيام قليلة تجسم المعركة, وفودنا في الميدان الآن في قارات العالم الخمس , يبذلون الجهود لحشد التأييد لنا, فهل هؤلاء الذين يصرخون بجنون لا يستطيعون وقف صراخهم أم أن الهدف من الصراخ هو أنيقولوا للعالم إننا شعب لا يستحق الدولة , وليس لنا مرجعيات , وأننا فالتون على الغارب, مشتتون هنا وهناك ؟؟؟

ما هو الهدف ؟؟؟

انتظروا أياما قليلة , فإن نجح رأس الشرعية أبو مازنفي مسعاه الوطني الخارق , يمكنكم أن تقولوا له أننا ساعدناك على هذا النجاح بصمتنا!!! وإن لم ننجح , يمكنكم أن تصرخوا في وجهه بعد ذلك قائلين له : ألم نقل لك ؟؟؟

إن الرأي العام الفلسطيني أصبح يساوره الشك بأن كل هذهالافتعالات الصارخة إنما هدفها تحطيم فكرة الاستقلال الفلسطيني , وتحطيم فكرة الدولةالفلسطينية المستقلة على أرض فلسطين القدس الشرقية , لصالح المشاريع الأخرى المطروحةفي المنطقة , مثل فكرة الدولة المؤقتة , والهدنة طويلة الأمد , ودولة سيناء , ودولةالوطن البديل .... إلى آخر تلك المشاريع التأثيرية القديمة الجديدة .

يا أيها الصارخون بلا هوادة , يا أيها الزاعقون كالغربان,لا تجرحوا مشاعر الشعب أكثر , ولا تخونوا أمانة الشعب هكذا , ولا تستفزوا مشاعر الانتماءالوطني , ولا تصبوا في الجرح النازف ملحا ونارا .

والله إن هذا حرام , ما تفعلونه حرام, ما تصرحون بهحرام , عودوا إلى يقين شعبكم , واتركوا كل هذا الذي كنتم فيه تزايدون .