في الوقت الذي تجري فيه خطوات عملية جادة لتشكيل الحكومة الانتقالية الفلسطينية تتويجا لاتفاق المصالحة الموقع في القاهرة نهاية نيسان/إبريل الماضي من كل الفصائل الفلسطينية، يفاجئنا الأشقاء والرفاق في قوى وفصائل اليسار الفلسطيني بإعلانهم رفض المشاركة في المشاورات المتعلقة بتشكيل هذه الحكومة.

وبالعودة للبيان الموقع من قبل: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وحزب الشعب الفلسطيني، والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا)، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وجبهة التحرير الفلسطينية، وجبهة التحرير العربية، والجبهة العربية الفلسطينية، الذي تطرق إلى أن حركتي فتح وحماس "احتكرتا قرار تشكيل الحكومة"، لا بد من توضيح حقائق تتعلق بهذه المسألة، واتحدث هنا ليس كإنسان ينتمي لتنظيم سياسي، بل كفلسطيني اكتوى من نار الفرقة والانقسام، وحريص على الحقيقة وعلى المصلحة الوطنية، وكإنسان واكب الحوار الفلسطيني في القاهرة عن قرب، وعايشه خطوة بخطوة.

ومن باب إظهار الحقيقة للجمهور، لا أرى بأن هناك أي لبس في رسالة قادة حركتي فتح وحماس فيما يتعلق بالحرص التام على إشراك بقية الفصائل، وحتى الشخصيات المستقلة والفعاليات الوطنية المختلفة في القرار، حتى أن السيد عزام الأحمد رئيس وفد حركة فتح للحوار، لم يركز في تصريحه فجر أمس(السبت21أيار) قبيل مغادرته القاهرة إلى موسكو للمشاركة في نشاطات مرتبطة بجهود إنجاح المصالحة، إلا على أن ما تم تبادله من أسماء حول الحكومة ورئيسها هي مبدئي؛ وأن إعلان الحكومة وتشكيلتها لن يتم إلا بالوطن وبعد التشاور والاطلاع على آراء بقية الفصائل والفعاليات الفلسطينية.

وفي ندوة صحفية نظمتها جريدة "المصري اليوم" في القاهرة قبل يومين استغرب أحد الصحفيين المشاركين من تأخير الإعلان عن الحكومة وربط ذلك برأي ما أسماهم قوى "صغيرة نسبيا في الشارع الفلسطيني"، ورد عليه في حينه الأحمد بأن هذه الشراكة السياسية الحقيقية، ومهما كان حجم أي فصيل من حقه بأن يكون شريكا في صنع القرار، وأن يكون جزءا من الحوار، وأن يطرح رأيه فيما يخص الحكومة والشخصيات المرشحة لتبوء المناصب الوزارية أو لإشغال منصب رئيس الوزراء...كما أن الأحمد استذكر تضحيات وبطولات مهمة قامت بها هذه الفصائل، مؤكدا أنه حريص على الإصغاء إليها، والاستماع إلى رأيها.

وحتى تكتمل الصورة، حرص أيضا عضو المكتب السياسي في حركة حماس (المتحدث باسم وفد الحركة للحوار) في أحاديثه الصحفية على التأكيد على أن هناك مشاورات إضافية ستجرى داخل الوطن مع بقية القوى السياسية حتى تكتمل خطوات تشكيل الحكومة.

إن الظروف تحول دون مشاركة قيادات معينة في الحوار داخل الوطن لأسباب تتعلق بالاحتلال ويعلمها الجميع، ما استدعى عقد لقاءات في القاهرة، بدأ خلالها وفدا فتح وحماس بالاتفاق على المعايير المتعلقة بمواصفات من سيتبوأ منصب وزاري في الحكومة، وحتى مواصفات رئيس الحكومة...وما تم التوافق عليه لا يختلف عليه اثنان؛ لأنه منطقي وواقعي ويتناسب مع خصوصية المرحلة.

وبما أننا نسمع بين الحين والآخر قادة في اليسار وفي قوى أخرى يطلقون اتهامات تتعلق بحركتي فتح وحماس كالإدعاء بـ"المحاصصة...الخ"، فهذه المرة لا يمكن أن تمر هذه الإدعاءات على أحد؛ لأن أهم شرط تم الاتفاق عليه هو "الحكومة الانتقالية ستضم كفاءات مهنية ولها سمعة طيبة وبعيدة عن "شبهة الانتماء الفصائلي"....فلن يكون أعضاء الحكومة لا من فتح ولا من حماس، حتى يتم كيل الاتهامات بهذا الشكل؟!.

ويبقى أن أوجه رسالة أخيرا للأخوة والرفاق في اليسار الفلسطيني، مفادها أن رأيكم سيكون مسموعا، ولكن ليس بالبعد والتحفظ و"الزعل"، بل بالإنخراط بالحوار بعمق، وبطرح أسماء لكفاءات وطنية مستقلة لتتبوأ الحقائب الوزارية المختلفة،...فالكل الفلسطيني يقف على مفترق طرق، والبعد لن يكون الحل، ومن يقرر نوعية المشاركة فاعلة أو سلبية فيما يخص تشكيل الحكومة واختيار رئيسها وأعضائها، أنتم وليس غيركم، وفلسطين بحاجة لرأي الجميع، وبحاجة للاتفاف حول الحكومة، ودعم أهدافها النبيلة، بما يسهم في تحقيق السلم الأهلي والمصالحة المجتمعية، وإعادة إعمار غزة، وتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وللمجلس الوطني...فمن كان شريكا في التضحية والدم يفرض على الآخرين بأن يستمعوا إليه وأن يكون جزءا من القرار.

وبما أن الحقائق تثبت بأنه لم يتنكر أي طرف لآخر، وأن حركتي فتح وحماس متفقتان على أن خطوات تشكيل الحكومة لن تكتمل إلا برأي بقية القوى والفعاليات، أرى بأنه يفترض أن يكون موقف القوى السياسية المختلفة وفي مقدمتها قوى اليسار مختلفا، وأكثر إيجابية.