لأيام العام "يوم مشهود"، وقديماً قالت العرب عن اليوم المشهود إنه "من أيام العرب".. وأما أمير أيام فلسطين، بل ملكها، فهو "يوم الارض": لماذا؟ لأنه يوم طوله أكثر من قرن من الصراع على الارض.

قبل النكبة وبعد الدولة الفلسطينية، سيبقى "يوم الأرض" أعمق وأشمل من "صراع الروايات" عن النكبة، لأنه عنوان الصراع على مقدمات ونتائج النكبة. قامت اسرائيل بعدما سيطر اليهود على 6% من أراضي فلسطين، وستقوم فلسطين واليهود يسيطرون على 60% من الضفة الغربية؟

في تاريخ الصحافة السرية الفلسطينية باسرائيل، يمكنكم التفتيش عن نشرات غير دورية: "عبير الأرض"، "شذى الأرض" "ربيع الأرض". ثغرة في قانون المطبوعات الاسرائيلي مكنت ثلاثة رواد من إصدار النشرة غير الدورية أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن المنصرم.. وأغلقت الى حين!

نسيم هذه النشرات غير الدورية، صار زوبعة بعد وقفها وإبعاد الرواد الثلاثة.. هناك زهرة رقيقة من زهور فلسطين تسمى "نسرين" ولكنها قادرة على إزاحة الصخر.. وهكذا آن الآوان يوم 30 آذار من العام 1976، في مثلث "يوم الأرض". سخنين، عرابة، ودير حنا حيث سقط ستة شهداء، بينهم المرأة خديجة شواهنة، وشاب من نور شمس في الجولان المحتل، ضد مشروع المصادرات المسمى "المنطقة 09". أقيم نصب تذكاري شامخ في سخنين صار "كعبة" هذا اليوم المشهود.. ومن سخنين نجح وفود الشعب الى 418 قرية مدمرة في يومين من السنة: يوم النكبة ويوم الأرض!

"يوم الأرض" أهم حتى من يوم النكبة، لأن اسرائيل أقيمت بعدما سيطرت على الأرض، ولأن الاستيطان في الأراضي المحتلة يهدد الوجود الفلسطيني برمته. كان هناك 6 آلاف مستوطن في "يوم الارض" 1976 وصاروا ينوفون على نصف المليون، نصفهم في منطقة القدس، ونصف النصف في الكتل الاستيطانية.

في "حرب الروايات" تقول الكذبة: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" لكن الصهيوني الحالم أحاد عام زار فلسطين مطلع القرن، وشهد بالقول: يصعب إيجاد قطعة أرض صالحة للزراعة لم يفلحها الفلاحون المحليون!

يقال في أوسلو ما سيقال، لكنها أدت لاعتراف اسرائيل بالعلم الفلسطيني.. غابة من أعلام فلسطين، المحظورة سابقاً، في أيدي جماهير يوم الأرض في اسرائيل. هم يناضلون ضد المصادرات، وإخوانهم في الارضي المحتلة يناضلون ضد المستوطنات، ايام الصراع برمته. كل أيام المفكرة الفلسطينية مضافة الى يوم الأرض منذ ما قبل النكبة والى ما بعد الدولة!

قبل أسبوع من يوم الأرض الـ 35 نشرت "هآرتس" يوم 22 آذار تحقيقاً بعنوان "قبل لحظة من اختفاء أشجار اللوز" جاء فيه: "لفتا هي حلقة صغيرة في السلسلة الخضراء التي تقلّ حول القدس، مع زراعة منحدرات جبلية مدهشة الجمال، تذكر بمنظر طبيعي لثقافة قد زالت".. لكن هناك مخططاً جديداً جديداً لهدم المباني في لفتا وبناء مبان لأثرياء اليهود من خارج البلاد!

قبل يوم من "يوم الأرض" ذكرت "هآرتس" أن مستوطنة "عوفرة" ستقيم معهداً لتنقية مياه المجاري على "أرض فلسطينية خاصة".. كأن المستوطنة ذاتها لم تقم على أرض فلسطينية، في حين تمنع اسرائيل إقامة محطات تنقية المياه منذ 15 سنة للمدن الفلسطينية!

مدينة "روابي" قيد الإنشاء صار لها أغنية، وأيضاً غلاف العدد الأخير من مجلة "تايم" لكن الصراع سيدور حول محطة تنقية المجاري. كل دولة جديدة تبني مدينة جديدة، واسرائيل لم تبن مدينة جديدة لسكانها الفلسطينيين، وإن اعترفت بتطوير ست بلدات الى مدينة.

في هذه السنة، أقرت الكنيست قانوناً بحبس وتغريم كل من يحتفل بيوم النكبة في 15 أيار، ولكنها لا تستطيع تنفيذ القانون، ولا قانون يمنع إحياء "يوم الأرض" في اسرائيل، والأراضي المحتلة.. والشتات الفلسطيني.

انه اليوم الذي يختصر أكثر من قرن على الصراع.. قبل النكبة وبعد الدولة الفلسطينية