أحس الرئيس محمود عباس حين أصدر قراراً رئاسياً قبل يوم واحد من القاء الرئيس اوباما خطابه طلب فيه من رئيس الوزراء والوزراء وأعضاء اللجنة التنفيذية والناطقين الرسميين وجميع المسؤولين بعدم الرد او التعقيب على خطاب اوباما قبل صدور رد فعل رسمي من قبل القيادة الفلسطينية، ودعا الى اجتماع لهذه القيادة لتدارس الخطاب.

هذا القرار منع حالة مزرية من التخبط السياسي والاعلامي لو ان كل واحد خرج على هواه يحلل ويعقب ويرد على اوباما، واذا كان هذا هو ما حصل في رام الله فإن الردود المتسرعة المتخبطة التي صدرت عن ناطقي حماس في غزة تثبت ان قرار عباس كان صائباً ولو من حيث مراعاة الاصول الرسمية في الاداء الدبلوماسي الدولي.

لقد سمعنا ردود فعل كثيرة على خطاب اوباما اتسم بعضها بما يسمى بالعقلانية محاولاً البحث عن اية ملامح ايجابية في الخطاب بينما اتسم البعض الآخر بالتشنج والرد الرفضاوي ضد اي شيء قادم من واشنطن دون محاولة التعامل الموضوعي مع محتويات الخطاب.

وبدون تناول الجزء الاكبر من الخطاب والذي تحدث عن عهد الصحوة العربية التي انطلقت من تونس لتعم ارجاء العالم العربي، سأحاول التطرق الى ما يخص القضية الفلسطينية والصراع مع اسرائيل.

لقد حاول اوباما امساك العصاة من المنتصف وبالغ في مجاملة اسرائيل سواء بالحديث عن مخاوفها الامنية او تبني الشروط والمطالب الاسرائيلية ازاء السلطة الفلسطينية بما في ذلك بعض الادعاءات التقليدية الاسرائيلية ضد القيادة الفلسطينية مثل اتهام مناهج التعليم الفلسطينية بتدريس الكراهية ضد الاسرائيليين.

اما في الامور الجوهرية فقد تبنى موقف اسرائيل بأن اية دولة فلسطينية يجب ان تكون منزوعة السلاح، كما ارجأ موضوع اللاجئين والقدس الى وقت لاحق مما ينسجم مع الموقف الاسرائيلي الرافض لحق العودة والذي يصر بأن القدس الموحدة هي عاصمة اسرائيل الابدية وانها لا تخضع للتفاوض.

واذا كان البعض قد اشاد بارتياح الى حديث اوباما عن حدود عام 1967 فإنه يجب ان لا يغيب عن البال بأن اوباما ربط الحديث عن حدود 1967 بأنها «اساس» للتفاوض وانها مرتبطة بمبدأ تبادل الاراضي وانه لا يمكن تجاهل التغييرات الديمغرافية التي حدثت على الارض منذ عام 1967، وطالما انه لم يحدد حجم او حدود المناطق التي سيتم تبادلها فإن الحديث عن حدود 1967 يصبح لا معنى له في ظل الحديث عن التغييرات الديمغرافية وتبادل الاراضي وحديث اسرائيل عن الحدود القابلة للدفاع عنها!.

ويمكن القول في الاطار العام ان حديث اوباما عن ملامح التسوية رغم ما ورد فيه من تفصيلات لم ترد على لسان من سبقه من الرؤساء الاميركيين لا يخرج عن اطار كل المعادلات التي طرحت في الماضي كأسس للتسوية بما فيها بعض مبادرات المجتمع المدني والتي تتحدث جميعاً عن دولتين للشعبين، وعن حدود 1967 كأساس للتفاوض وعن تبادل متفق عليه للاراضي، بل ان هذه المعادلات والمبادرات ذهبت بعيداً اكثر مما ذهب اليه اوباما لأنها لم تغفل او تؤجل موضوع القدس وطرحت موضوع اللاجئين على المائدة واقترحت بعض الحلول التي وان كنا لا نتفق معها الا ان طرحها أفضل من التهرب منها.

وفي رأيي ان شيئاً ايجابياً جديداً في خطاب اوباما يجب التمسك به وتطويره وهو حديثه عن ان الدولة الفلسطينية التي ستقام يجب ان تكون لها حدود دائمة مع اسرائيل ومصر والاردن وان اسرائيل يجب ان تكون لها حدود دائمة مع الدولة الفلسطينية.

وفي فهمي فإن حدود الدولة الفلسطينية الدائمة مع الاردن تعني رفض طلب اسرائيل التواجد العسكري على طول نهر الاردن والاحتفاظ بمستوطناتها في غور الاردن وهذا هو امر في غاية الاهمية.

واذا كان هذا ما يتعلق بمضمون واسس الحل الذي يتحدث عنه اوباما فان هناك ملاحظات تتعلق بالشكل وهي جديرة باهتمام القيادة الفلسطينية لما لها من تأثير جوهري على الخطوات المستقبلية لهذه القيادة وخاصة في الاشهر القادمة.

اولا، لقد اكد الرئيس اوباما الرفض المطلق لفكرة الحل المفروض، مشيرا الى ان الدور الاميركي ودور المجتمع الدولي سيقتصر على «القول» بصراحة ما يعرفه الجميع وهو ان الحل يجب ان يسفر عن قيام دولتين للشعبين، وهذا يعني ان اميركا لن تقوم بأي ضغط او تدخل فعلي لفرض الحل وانما ستترك الطرفين للتفاوض رغم ان تجربة السنوات العشرين الماضية اثبتت عقم ذلك.

ثانيا، حذر الرئيس اوباما من ان الاجراءات «الرمزية» لعزل اسرائيل في الامم المتحدة في شهر ايلول القادم لن تخلق دولة فلسطينية، ولم يقف اوباما عند حد التحذيرات وانما نبه الى ان الادارة الاميركية ستقف ضد محاولات وضع اسرائيل موضع انتقاد في المحافل الدولية مما يعني انها ستقف ضد محاولة انتزاع اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطين في ايلول القادم وهو الامر الذي كان يشكل حجر الزاوية في العمل الدبلوماسي الفلسطيني لمواجهة فشل المفاوضات واستمرار الاستيطان والاحتلال.

اذن، فالقيادة الفلسطينية امام تحد جدي وواضح ينذر باستخدام الفيتو والضغط الاميركي ضد خطة الحصول على عضوية الامم المتحدة وتحقيق استحقاق الدولة الذي طالما تحدثت عنه حكومة د. سلام فياض، والقيادة الفلسطينية بعد ان استلهمت هذه الفكرة من خطاب اوباما نفسه بالقاهرة قبل عامين حين قال بأن الدولة الفلسطينية ستولد عام ٢٠١١ ليدفع بنا الى تسلق شجرة عالية شبيهة بشجرة وقف الاستيطان.

اليوم وقبل قرابة اربعة اشهر من تاريخ استحقاق الدولة المستقلة، فان علينا ان نسأل انفسنا عما اعددناه وحققناه لجعل الدولة حقيقة على الارض.

لقد تم مؤخرا تأجيل انتخابات المجالس والهيئات المحلية التي كانت مقررة في شهر تموز قبيل استحقاق ايلول. وتم الحديث عن اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بعد عام من توقيع المصالحة مع بقاء الباب مفتوحا بشكل مبهم امام امكانية فشل المصالحة او تأجيل هذه الانتخابات لموعد لاحق او لاشعار اخر.

وفي ظل هذه الاجواء فقد تم ارباك ولا اريد ان اقول احباط الحماس الذي كان قائما بشكل ملحوظ للاعداد لاستحقاق الدولة في ايلول.

القيادة الفلسطينية اليوم امام تحد كبير، هل تمضي قدما في السعي للحصول على عضوية الامم المتحدة في ايلول رغم التحذيرات الاميركية بأنها لن تسمح بذلك ورغم كل التطورات الداخلية على الساحة الفلسطينية والتي وضعت الجاهزية لاقامة الدولة في دائرة الشك؟ ام ان هذه القيادة ستضطر للتراجع عن التوجه للامم المتحدة وستحاول التشبث ببعض ما ورد في خطاب اوباما لتبرير العودة الى مائدة المفاوضات دون اية ضمانات تؤكد بأن المفاوضات هذه المرة لن تكون عبثية كما كانت دائما؟

هذه لحظة مصيرية واتخاذ القرار بشأنها هو حق وواجب يجب ان تشارك به كل الوان الطيف السياسي الفلسطيني لا ينفرد به طرف دون الآخر ولا يخرب فيه طرف ما يفعله الطرف الاخر.