يوما بعد يوم، ورغم الخسائر الكبيرة والتضحيات العظيمة يتأكد لدى كافة القوى المحلية والخارجية انه من الصعب الى حد المستحيل سرقة ثورة قام بها شعب دون استئذان من احد، ودون صفقة مع احد، شعب تعمقت لديه الاوجاع على اختلاف انواعها، وتراكمت لديه الارهاصات وتكاملت لديه العوامل الموضوعية، فانطلق صوته الهادر ضد الطغيان والفساد واهدار الكرامة الانسانية وفقدان العدالة الاجتماعية وانكسار الزهو الوطني، انطلق صوته الهادر مثل اعصار تجاوز كل تنبؤات الارصاد السياسية وتجاوز كل اجهزة الاختراق والتجسس الدولية.
وهذا هو بالضبط ما فشل في قراءته الاخوان المسلمون وتفريعاتهم في المنطقة، فتوهموا انهم التنظيم الاقوى والاكثر انضباطا وثراء بالمال، وتوهموا ان صفقاتهم مع القوى الخارجية هي سندهم الشرعي الذي يركبون بواسطته فوق اكتاف هذه الامة العريقة، فكان سقوطهم مدويا، وكان رهانهم خائبا، وكان تقديرهم خاطئا، وكان عقابهم واجبا مقدسا قررته الشعوب.
جاءت لحظات في السنوات الثلاث ونصف السنة الاخيرة كانت الدول على وشك الانهيار، وشاء الله سبحانه وتعالى ان يفقد الاعداء في الداخل قدرتهم على التخفي، فاعلنوا جهارا نهارا عن انغماسهم النهائي في العداوة ضد هذه الامة، وضد قضاياها وطموحها وضد وحدتها ارضا وشعبا. ويمكن الآن اعادة الذاكرة بسرعة لما جرى بمصر وهي النموذج الاكبر في فترة لم تزد عن سنة واحدة من حكم الاخوان المسلمين واشياعهم، فقد اعطيت سيناء للارهاب، واعطيت الحدود من الجنوب في حلايب وشلاتين هدية مجانية، وتركت الحدود الغربية مع ليبيا مستباحة واطلق سراح المجرمين الجنائيين والارهابيين من السجون ليكونوا جيشا للارهاب.
وانظروا ماذا حدث في ليبيا، فوضى وتفكيك ومليشيات تستقوي على الامة والدولة، ودول ترفع اعلامها الانفصالية، وثروة تبدد هي من حق الاجيال واستباحة لكل شيء.
بل ان ابشع ما تخيلت انني يمكن ان اسمعه سمعته بالفعل من بعض ادعياء التنظير من اطراف المعارضة في سوريا وهم يبكون بدموع من دماء وخيبة، لماذا، فيأتيك الجواب صادما وفاجعا في آن واحد: بان الأميركين لم يضربوا سوريا حتى الآن، وبأن الناتو لم يحتل سوريا حتى الآن لكي يقدمها على طبق من العار لفصائل الاسلام السياسي التي تسمي نفسها المعارضة.
شكرا لكم ايها الانشقاقيون الانفصاليون، لانكم بممارساتكم، وكشف القناع عن وجوهكم، مددتم اجيال هذه الامة بوعي ساطع عميق عجل في رسوخ اليقين الابيض بان هذه الامة قد اكتسبت من خلال التجربة القاسية حصانة نادرة، من كان منكم يتخيل انه يوجد في جوف هذه الامة هذا القدر المتراكم من الحقد والسواد وادمان الانتحار، ومعاداة كل ما هو وطني وعبادة آلهة الآخرين؟
هل تتذكرون عندما انطلقت الثورة المصرية عام 52 لضرورات ملحة مصريا وعربيا كيف انها اضاءت في الوطن العربي كله فسقطت موجة الاستعمار القديم.
بعد مصر وسوريا ووقفة الشعب والجيش معا، ها هي ليبيا ترسل رسالتها، بأن الشعوب لا يمكن ان يسرق ثورتها احد، قد يحدث التباس او تشوش لبعض الوقت ولكن الاجيال صانعة هذه الثورات ستعمق استمرارها في الاتجاه الصحيح، لأن ما تصبو اليه هذه الشعوب العربية هو ثمين جدا، انه رد الاعتبار لها على كافة المستويات، وان الثمن الذي ندفعه مهما كان عظيما سندفعه باعتزاز وايمان، اننا حين نسترد الثورة نسترد الوطن ايضا ونسترد الامل والحق في الحياة.