ما يجري في مخيم "عين الحلوة" للاجئين الفلسطينيين، في جنوبي لبنان، يختزل أربعة أزمنة رديئة، في أوقاتنا الراهنة: عربي وفلسطيني، وإسلامي وعلماني. ذلك لأن أرجوحة القتل الدائرة في المخيم، بدأت تنتقل الى مرحلة الدمار الشامل. فقبل نحو أسبوعين، أطلقت النيران على صاحب مقهى يُدعى علاء حجير، سرعان ما قيل إن المستهدف، الذي قضى بعدئذٍ متأثراً بجراحه؛ يتبع ما يسمى "مجموعة بلال بدر"، ولكي يفهم واحدنا من هو بلال بدر هذا، للوقوف على بعض أسباب قتل حجير، علينا أن نكون قد اجتزنا بكفاءة علمية، منهج توجهيي زمان، الذي كنا نتعلم فيه "اللوغاريتمات" ذات الرموز المساعدة على إجراء العمليات الحسابية والرياضية أو التعبير عنها. فلكل رمز أسْ.. بلال بدر، هذا هو حجة من حجج الإسلامويين (25 سنة) يتأبط راية سوداء "قاعدية" في الزمن الحمضي. وتابعه المغدور، صاحب مقهى. أي إن للقاعديين مقاهيهم. وقد خرج مسلح، ربما من مقهى علماني، ليقتل صاحب المقهى الأصولي. وتنشأ مشكلة التشييع، وكيف سيمر بسلام، فيما "بلال" يهدد، ثم تضطر العائلة لأن تعود الى أصول الفلسطيني الأول، فتقول لا انتقام ونحتسب ولدنا شهيداً عند الله. هنا، ليس أوسع من مساحات المقابر ولا من رحمة الله. فقد أراح "علاء" واستراح، لأن الرصاصة إن لم تجئه خضراء إسلاموية، من خصومه في "النصرة" أو "داعش" فإن "فتح الإسلام" أو "عُصبة الأنصار" ستتكفل بها. فـ "الأمير بلال" ومعه ثلاثون "مجاهداً" ممن يخالفون الرهط المؤمن، ويمتشقون رايته نفسها، ينام واحدهم ويقوم، بين عادٍ ومعدوٍ عليه. أما الميدان الذي فيه النصر المؤزر أو الموت الزؤام، فهو المخيم البائس الذي لا تزيد مساحته عن كيلو متر مربع واحد، يتساكن فيه ثمانون ألفاً من البشر الطبيعيين الحالمين بالعودة الى ديارهم، مع عدد متناسل من الأطر والكيانات الميكروسكوبية، التي تبشر بتحرير الأندلس فضلاً عن فلسطين. هناك، تتفاقم حياة الناس، لتصبح أشد مضاضة على النفس من مساكنة محتل واحد غاشم!
تتخذ البنادق والعناوين والأوهام والتمظهرات والأبوات، من مخيم "عين الحلوة" هذا، مسرحاً للنزال. المكان ضيق وليت الحمار هو الرفّاص. فما أعز الحمار في هذا الخضم، وحين يكون الرصاص رفّاصاً أو الشظايا. إن المشتغلين في صناعة سينما رُعاة البقر وسواها في هوليوود، لا يخشون من شرارة خاطئة تصيب مصوراً أو عابر سبيل، لأن المساحة المخصصة للتصوير، تبلغ 65 كيلو مترا مربعا، خالية من الناس، تنفتح عند الاقتضاء على أراضي لوس أنجيلوس في ولاية كاليفورنيا. وقبل إطلاق رصاصة "فشنك" واحدة، تكون قد وُضعت بإحكام، ماكيتات المدن والشوارع على النحو الذي يراعي السلامة. لكن "المجاهدين" و"المناضلين" وطلاب المجد الوضيع، المتعنترين بين الناس في "عين الحلوة" لا يراعون أمراً يتعلق بأمن وحياة البشر المعذبين أصلاً!
لماذا نقول إن ظاهرة العنف في "عين الحلوة" تنتمي الى أربعة أزمان رديئة؟! لأن المعالجة، تضع الفلسطيني بهويته الكُلية، في زمن هؤلاء المعتوهين. فقبل ثلاثة أيام، انتقل الجنون الى طور جديد أكثر خطورة، حين انفجرت في المدخل الجنوبي للمخيم، عبوة ناسفة هائلة الحجم، لشطب عقيد من "فتح" يُدعى "أبو طلال الأردني". بعدها أسمع الشيخ سليم سوسان، مفتي صيدا وجوارها، وفداً فلسطينياً، حديثاً زجرياً قال فيه إن أحداث المخيم "غريبة عن طبيعة الشعب الفلسطيني" ودعا الى تنبه الفلسطينيين "من فتنة قد تُحاك لهم، وتؤدي الى هلاك وضياع وجودهم وقضيتهم المحقة". يتبدى الزمن الفلسطيني الرديء، هنا، حين تقف الفصائل والقوى السياسية ، بلهاء، عاجزة عن تكريس أية منظومة قيمية تكون ناظما لقضايا الحياة وللقضايا الوطنية. يتقاطع مع الزمن الفلسطيني هذا، زمنان في بطنه، أحدهما زمن الإسلامويين الذين لا يحترم بعضهم إسلام البعض الآخر، والثاني زمن العلمانيين الذين لا علم فاعلاً ولا ثقافة وئام، ولا ما يحزنون!
أما الزمن الرابع الرديء، فهو الزمن العربي، الذي يفعل فعل النكوص والتدمير في كل موضع. هو في لبنان، وفي مخيم "عين الحلوة" ينتج عناوين أنباء أغرب من الخيال أو أعجب من حكاية قريتي "إقرث" و"كفر برعم" في الجليل: التوافق على منع فلسطينيي سوريا من دخول المخيم". ودولة لبنان نفسها، ترفض مناشدات المنظمات الإنسانية التي تطالب بالسماح لها بإقامة مشافي ميدانية للاجئين السوريين والفلسطينيين. أزمان تجري في مسارها، وليس من ضليع ولا شفيع!