فتح ميديا- لبنان/ خاص مجلة القدس، أطَّلت علينا فضائيات عديدة وتقارير كثيرة حول المادة التي تسببت في موت الشهيد الراحل أبو عمار، فيما شككت أخرى في نوع المادة المستخدمة، إلا أنَّ الجميع اتفق على أنَّ سبب الوفاة هو السُم بغض النظر عن نوعه، وأنَّ الراحل عرفات مات اغتيالاً. فهل من الممكن حسم القضية والجدل الدائر حول الاغتيال ومعرفة المادة التي استُخدِمت في الاغتيال،بل وتحديد الأداة التي وصلت الى عرفات؟. حول آخر التطورات في ملف اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات "أبو عمار" وامكانية تدويل قضية التحقيق لتشكيل لجنة عربية أو دولية لكشف ملابسات الاغتيال، كان لنا هذا اللقاء مع عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الفلسطيني "فتح" ورئيس لجنة التحقيق الفلسطينية التي تولّت ملف اغتيال الراحل أبو عمار، توفيق الطيراوي.

 

س: الأخ توفيق الطيراوي ما الجديد حول ملف اغتيال الشهيد الرئيس الراحل عرفات؟

 بعد تقرير قناة الجزيرة الفضائية انهالت علينا تقارير كثيرة منها مثلا التقرير المأخوذ عن صحيفة فرنسية والذي بثته قناة العربية، إضافةً لتقرير بثته قناة الميادين. ورغم أنَّ كل هذه التقارير كان فيها تناقض حول اسم المادة، ولكنها اتفقت على أن من كان وراء هذا الموضوع هي اسرائيل. وفي الحقيقة هذا كلام صحيح ونحن لسنا الوحيدين فقط الذين نقول بأنَّ المستفيد من اغتيال الراحل عرفات هي اسرائيل، لأنَّ قادة اسرائيل كلهم في سنة 2001 و 2002 وحتى سنة 2004 صرّحوا بتصريحات تدل على أنَّهم هم الذين يتحملون مسؤولية اغتيال أبو عمار. أمَّا عن الأداة، فهذا موضوع مختلف عن بقية المواضيع، لأنَّ أي دولة في العالم تحتل دولة أخرى ستجد ضعاف النفوس وستجد بعض الأدوات الصغيرة التي تَضعف نتيجة ابتزاز أو نتيجة ضغط، لتقوم بتجنيدها وبالتالي لخلق عملاء لها، وهذا الموضوع نحن فيه كبقية شعوب العالم ولسنا مختلفين عنهم. فنحن خضعنا أولا للحتلال في العام 1967 وحتى الان، وخضعنا قبل ذلك للإستيلاء على أرضنا وبالتالي فالشغل الشاغل لإسرائيل وأجهزتها الأمنية هو تدمير البنية التحتية الفلسطينية وتدمير الشعب الفلسطيني بمحاولة شراء ضعاف النفوس وتجنيد بعض الأدوات لها. والأمثلة على عمليات الإغتيال كثيرة منتشرة في العديد من حالات الاحتلال في العالم، كما في فيتنام التي أحتلتها سابقاً أمريكا وعندما أرادت الخروج منها أخذت معها أكثر من 500 ألف عميل فيتنامي. كذلك فهناك  الكثير من الحالات التي اغتيل فيها قادة وملوك وزعماء من قِبَل عملاء بل ومن قبل أبناء وطنهم، لذلك لا يجب أن نتفاجأ نحن بجود أداة فلسطينية هي التي ساعدت في اغتيال عرفات، ولكن يجب ألَّا نستبق الأحداث فعلينا انتظار نتائج التحقيق حتى نصل الى الحقيقة.

 

س: هل يمكننا نحن الفلسطينيين المطالبة بتدويل قضية اغتيال أبو عمار كما حدث مع رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري؟

  من الممكن أن نطلب ذلك وأعتقد أنه سيكون هناك مثل هذا الطلب، ولكن علينا أن نعي تماما بأن هذه معركة محتاجة إلى امكانيات كبيرة جداً لأنَّ الذهاب إلى الأمم المتحدة للمطالبة بلجنة تحقيق دولية يعني  بأنَّ المسألة ستصل لمجلس الأمن الدولي وسيكون هناك قرار وبالتالي عقوبة ستُرفع الى محكمة الجنايات الدولية. فهل ستسمح أمريكا واسرائيل لأحد من اسرائيل أن يذهب الى محكمة الجنايات الدولية؟ وهذا فيما لو أن المحكمة الدولية أظهرت النتيجة أما اذا لم تظهر، فكلا الحالتين سلبي بالنسبة لنا. غير أنَّ هذا لا يمنع الفلسطينيين من الطلب والقتال من أجل أن يكون هناك لجنة تحقيق دولية، فعلينا أن نبدأ بهذه المعركة الصعبة وبعد ذلك تكون هناك اعتبارات أخرى في حال وافقوا أو لم يوافقوا.

 

س: حتى الآن لم يتم التَّأكد من المادة التي سببت تسمم الراحل أبو عمار وإذا ما كانت هي البولونيوم210  أم لا، فهل من الممكن حسم هذا الموضوع بعد مرور سنوات على الحادث؟

أنا أحقق في جريمة اغتيال ولست طبيباً وليس لي علاقة باسم المادة التي سببت الوفاة، فالاطباء والاختصاصيون هم من يستطيع التحقق من هذه المادة واثبات نوعها، ولكنَّ المهم إجماعهم على أنه مات مسموما وهذا ما يعنيني كمحقق. وبالتالي فأنا هنا أبحث عن الأداة، وعلى الجميع معرفة أن اللجنة التي أرأسُها هي لجنة شكلت في 19/9/2010 وبالتالي فأنا أحقق منذ سنة ونصف تقريباً، ولست أحقق منذ عشر سنوات أو ثماني سنوات. كذلك على الجميع أن يعلم أنَّني كنت أنا الذي يجمع معلومات عن الاغتيال وأحقق وأقوم بأخذ شهادات بعيدا عن الشكل الرسمي ولكن بصفة شخصية قبل تشكيل هذه اللجنة  والمعلومات التي جمعناها في ذلك الوقت استفدنا منها كثيرا كلجنة تحقيق، ونحن جاهزون كلجنة تحقيق وطنية لأن نتعاون أو نكون جزءاً من أي لجنة تحقيق عربية أو دولية.

 

س: في حال تم تثبيت مادة التسمم ما الخطوات اللاحقة التي يمكن أن نقوم بها؟

نحن نعمل منذ أكثر من عام ونصف العام تقريبا ومنذ تشكيل اللجنة ولكن لا أحد يسمع بعملنا في الاعلام لأن التحقيق لا يجوز الحديث فيه في الاعلام خاصة وأننا موجودون تحت الاحتلال الاسرائيلي الذي قد يستفيد من أية معلومة لتغيير أو تغييب الحقيقة.

 

س: هناك ملفات اغتيال عالمية لقادة بقيت حتى هذه اللحظة غير مكتشفة وبدون حل، فهل من الممكن أن ينطبق ذلك على الراحل أبو عمار؟

بالنسبة لي شخصيا فأنا مستعد للذهاب الى النهاية في التحقيق كي أصل إلى الحقيقة. فأنا لا أستطيع أن أعلن أني عجزت دون بذلي لكل جهدي أو أن أتغاضى عن أي شيء يخص هذا الملف، فلا ضميري ولا ديني ولا وطنيتي ولا أخلاقي تسمح لي بذلك. وبالنسبة لي فقد تم تكليفي بهذه اللجنة، وبالتالي فإن اكتشفت شيئاً سأطلع الشعب الفلسطيني عليه، وإذا لم اكتشف شيئاً فسأصارح الفلسطينيين بعجزي معللاً لهم الاسباب التي حالت دون اكتشاف الحقيقة. واليوم أستطيع القول للجميع بأننا نعمل ليلاً نهاراً للوصول الى الحقيقة وكشف ملابسات الاغتيال والوصول إلى المجرم الذي نفذ هذه العملية.

الأطباء لم يقرروا بعد اذا ما كانت الحالة الصحية للراحل أبو عمار ومرض الزهايمر الذي أصابه قد ساعد في الوفاة، ولكنَّ التقرير الطبي يقول بأن الرئيس الراحل مات مسموما وبالتالي علينا أن نبحث نحن عن الاداة التي سببت هذا التسمم. فالأطباء يبحثون عن المادة ونحن كلجنة تحقيق نبحث عن الاداة، والمادة التي سببت التسمم أظهرتها قناة الجزيرة الفضائية في تقريرها وهي مشكورة على ذلك، ولكن هناك بعض التقارير شككت في صحة تقرير الجزيرة والمادة المسببة للوفاة.

 

س: هل لديكم الاستعداد للتعاون مع لجان تحقيق دولية للمساعدة في كشف الحقيقة حول الاغتيال؟

أنا جاهز للتعاون مع أي لجنة ومع أي دولة في العالم من أجل الوصول الى حقيقة استشهاد أبو عمار.لكن علينا ألَّا  ننسى أنَّ الدول لديها مصالح مع بعضها البعض تهمها أكثر من أي شيء آخر، فهل من المعقول أنَّ الفرنسيين لم يكونوا على علم بمادة البولونيوم؟. ولماذا لم يتحدثوا عنها وقتها علماً أنَّ لديهم مفاعلات نووية في المجال الطبي، فهل عرفوا ذلك ولم يودوا الحديث عنه؟. فالراحل عاطف بسيسو استشهد على الأراضي الفرنسية، ووقتها كان هناك علاقة وتنسيق بين المخابرات الفلسطينية والمخابرات الفرنسية وكان الفرنسيون يعرفون من قتله، وفي تلك الفترة حدثت مشكلة بين المخابرات الفرنسية والمخبارات الاسرائيلية، إلا أنَّ الفرنسيين إلى اليوم ينفون معرفتهم بقاتل بسيسو مع العلم بأننا وهم نعلم بأن الموساد الاسرائيلي هو من اغتاله، لذا فحتى هذه اللحظة لا أعلم إذا كان من الممكن أن ينطبق ذلك على حالة الراحل أبو عمار. ولكن أخيراً أريد القول بأنَّ الشهيد أبو عمار كان بالنسبة لي وللشعب الفلسطيني الأب والقائد والرمز، وبالتالي أنا لا أستطيع إلا أن أبحث عن الحقيقة بالرغم من الوضع الصعب والظروف الصعبة، حيثُ بتنا كالباحثين عن ابرة في كومة قش أو في محيط، ولكنني سأبقى أبحث عن هذه الابرة حتى لو كلفتني حياتي من أجل الوصول الى الحقيقة، ولن أتوانى يوماً واحدًا عن اعلام أبناء شعبنا بما وصلنا إليه.