عقد المجلس الوطني التأسيسي التونسي أمس جلسة عامة للنظر في "سحب الثقة" من الوزير المكلف بالأمن رضا صفر ووزيرة السياحة آمال كربول اللذين اتهمهما نواب بـ"التطبيع مع الكيان الصهيوني" وبتسهيل دخول سياح اسرائيليين إلى تونس مؤخرا.
وكان نحو 80 من إجمالي 217 من نواب المجلس وقعوا نهاية الشهر الماضي على "لائحة لوم" طالبوا فيها بـ "سحب الثقة" من الوزيريْن.
ولسحب الثقة من وزير في الحكومة، يتعين أن يصوت "ثلاثة أخماس" أعضاء البرلمان (131 نائبا) على ذلك.
وقال نواب البرلمان في عريضة سحب الثقة من الوزيرين إن رضا صفر أصدر "قرارا" يقضي "بالسماح لمجموعة من الحاملين للجنسية الاسرائيلية، الدخول إلى التراب التونسي" وإن آمال كربول قامت بـ "استقبالهم".
واتهم النواب الوزيريْن بـ"خرق أحكام الدستور التونسي" الجديد الذي تنص توطئته على "مناهضة كل أشكال الاحتلال"، كما اتهموهما بـ "التطبيع مع الكيان الصهيوني بوصفه دولة احتلال واستيطان".
وكانت الحكومة غير الحزبية التي يرأسها مهدي جمعة، طلبت من المجلس التأسيسي ولأسباب وصفتها بـ"الأمنية" مساءلة الوزيريْن في جلسة "مغلقة" لكن هذا المقترح لم يحصل، عند عرضه على تصويت النواب، على النصاب القانوني من الأصوات.
وفي بداية الجلسة، قال النائب فيصل الجدلاوي متوجها بالخطاب إلى الوزيريْن "لم نقم بثورة (في تونس) حتى يكون اول إجراء ثوري نقوم به هو التطبيع مع الكيان الصهيوني".
وذكر بقصف اسرائيل سنة 1985 حمام الشط جنوب العاصمة تونس حيث كان يوجد مقر منظمة التحرير الفلسطينية ما أسفر حينها عن استشهاد 68 تونسيا وفلسطينيا.
كما ذكر باغتيال اسرائيل سنة 1988 القيادي خليل الوزير (أبو جهاد) الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية الذي كان مقيما في تونس.
ونبه اياد الدهماني النائب عن الحزب الجمهوري (وسط) ان "التطبيع مع الكيان الصهيوني" هو "خط أحمر".
في المقابل اعتبر النائب محمود البارودي عن حزب التحالف الديمقراطي (وسط) أن مساءلة الوزيريْن تدخل ضمن "تصفية حسابات سياسية" مع حكومة مهدي جمعة.
وذكر بأن عشرات من السياح الاسرائيليين دخلوا تونس خلال فترة حكم "الترويكا" في إشارة الى الحكومة التي كانت تقودها حركة النهضة الاسلامية.
وفي سياق متصل، قال النائب طاهر هميلة "ليس هناك قانون في تونس يمنع دخول جنسية من الجنسيات الى تونس".
وقال رضا صفر الوزير المكلف بالأمن في رده على النواب "لا يمكن الطعن في أشخاصنا بالتطبيع، وإن التجني (علينا) بهذه الطريقة خطير جدا".
وأوضح "نحن لا نتعامل مع وثائق (رسمية) اسرائيلية ولا تعاملنا (سابقا) مع جواز (سفر) اسرائيلي، بل تعاملنا مع اشخاص (..) يتم تمكينهم من رخصة مرور دخولا وخروجا".
وأضاف "منذ الثورة (سنة 2011) لم يتم التعامل مع وثيقة رسمية (اسرائيلية) أو ختمها، وفي اعتقادي التطبيع يتعلق بالتعامل مع وثائق أو مؤسسات أو جهات رسمية أو غير رسمية".
وأشار الى أن تمكين اسرائيليين من "رخص مرور" لدخول تونس هو إجراء معمول به منذ فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
وأوضح أن "رخص المرور" تسند أساسا إلى الاسرائيليين الذين يشاركون في الزيارة السنوية إلى كنيس "الغريبة" اليهودي الواقع بجزيرة جربة (جنوب شرق)، ولـ"عرب 48 الذين يشاركون في المؤتمرات.. الدولية (بتونس)"، أو للسياح الاسرائيليين الذين يزورون البلاد ضمن رحلات بحرية إلى موانئ تونسية تنظمها سفن تابعة لشركات سياحية عالمية.
ولفت إلى أنه أصدر في 11 نيسان 2014 "ملحوظة" (مذكرة) مكتوبة طالب فيها مصالح الحدود التونسية بمنح "رخص مرور" لحاملي الجنسية الاسرائيلية في الحالات التي ذكرها.
وأوضح أنه أصدر هذه المذكرة إثر قيام المسؤول عن ميناء حلق الوادي (شمال العاصمة) في آذار الماضي "بمنع بعض السياح (اسرائيليين) من النزول (من سفينة سياحية) خلافا للاجراءات المعمول بها".
وتابع أن تونس تعرضت إثر هذه "الحادثة" لـ"حملة سياسية واعلامية" من جهات لم يسمها قال إنها اتهمت البلاد بـ"التمييز" ضد اليهود.
من ناحيتها نفت وزيرة السياحة آمال كربول، في ردها على أسئلة النواب، أن تكون "استقبلت" سياحا اسرائيليين في تونس، كما اتهمها النواب في عريضة سحب الثقة. وقالت الوزيرة "لم استقبل أي وفد اسرائيلي".
ونهاية كانون الثاني الماضي، واجهت وزيرة السياحة التونسية، عند عرض تشكيلة حكومة مهدي جمعة على البرلمان لنيل ثقته، انتقادات كبيرة من نواب معارضين بسبب زيارة قامت بها عام 2006 الى اسرائيل.
وفي تونس التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل، يعتبر دخول اسرائيليين من المسائل الحساسة على غرار معظم الدول العربية حيث يمنع تطبيع العلاقات مع اسرائيل.
وترتبط تونس بعلاقات وثيقة مع الفلسطينيين، وكانت مقرا بين 1982 و1994 لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وللرئيس الراحل ياسر عرفات.
وسنة 1996، تبادلت تونس واسرائيل مكتبيْن لرعاية المصالح.
لكن تونس قررت في تشرين الأول 2000 اغلاق المكتبين، تنفيذا لقرارات القمة العربية، إثر قمع اسرائيل الانتفاضة الفلسطينية.
ويتزامن الجدل الذي أثاره مؤخرا دخول سياح اسرائيليين الى تونس مع قرب تنظيم الزيارة السنوية الى كنيس "الغريبة" اليهودي في جزيرة جربة، والمقرر هذا العام من 16 إلى 18 أيار الحالي. ودعا رئيس الحكومة مهدي جمعة، مؤخرا، الى "إبعاد" موسم الحج إلى كنيس الغريبة عن "التجاذبات السياسية".
وقال جمعة في تصريحات صحفية "حسب رأي مهنيي السياحة، لكي ينجح الموسم السياحي، يجب أن ينجح موعد الغريبة". وتشغل السياحة في تونس نحو 400 ألف شخص "بشكل مباشر" وحوالي مليوني شخص "بشكل غير مباشر" بحسب وزارة السياحة التونسية.