تحولت المفاوضات الثلاثية الجارية، بين السفير الأميركي أنديك، والوزيرة الإسرائيلية ليفني، وعضو تنفيذية منظمة التحرير عريقات، من مفاوضات تبحث قضايا الحل النهائي، ووسيلة لاستعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني، ووقف التوسع الاستيطاني وإنهاء الاحتلال وفق قرارات الأمم المتحدة عبر المفاوضات، تحولت المفاوضات نفسها إلى أن تكون هي الهدف، أي أن استمرارية المفاوضات أصبحت هي الهدف، بصرف النظر أنها تحقق نتائج أم أنها جلسات للتصوير وللعلاقات العامة، كل منهما يعرض مواقفه، بدون أدنى اهتمام من الطرف الآخر، وتحولت جلسات التفاوض المكثفة حالياً، واقتصارها، على ضرورة استمرارية المفاوضات وتمديدها، وبدلاً من أن تنتهي مع نهاية نيسان، تمديدها إلى ما بعد نهاية العام الجاري.
والأطراف الثلاثة ليس لها مصلحة في إنهاء المفاوضات، فالجانب الفلسطيني يهدف عبر المفاوضات إلى تثبيت حقوقه واستعادتها، أو على الأقل الحفاظ عليها، ولذلك يضع في سلم أولوياته، قبول المفاوضات ثمناً لوقف الاستيطان، فالاستيطان المدمر لحياة الفلسطينيين، هو المعبر عن الاحتلال الاستعماري نفسه وأداته، والاستيطان يعمل على تغيير المعالم، وخلق وقائع جديدة ومستجدات بشرية وعمرانية تجعل من الأرض الفلسطينية طاردة لأهلها وأصحابها وشعبها، ولذلك يقبل الجانب الفلسطيني في ظل المعطيات القائمة وضعفه البائن، إلى بقاء الجلوس على طاولة المفاوضات ثمناً لوقف الاستيطان على الأقل، ولذلك لا معنى للمفاوضات ولا قيمة لها إذا لم تتم وقف مشاريع الاستيطان التوسعي، والمعادلة لدى القيادة الفلسطينية الحالية وخياراتها هي إذا لم أستطع طرد الاحتلال فعلى الأقل، لا أوفر له سُبل التشبث بالأرض بالحقائق الاستيطانية الجديدة.
وحكومة العدو الإسرائيلي الاستعمارية العنصرية، تكره المفاوضات لأن ثمنها تقديم تنازلات مهما بدت صغيرة وسطحية للنقيض الفلسطيني، ولكنها تبلع فكرة المفاوضات وتقبل بها وتتمسك باستمرارها وتمديدها، لأنها تستعمل المفاوضات غطاء لتمرير سياستها وإجراءاتها الاستعمارية في 67 والعنصرية في 48، أمام المجتمع الدولي، كي تقول لهم ها أنا أسعى نحو السلام والجلوس مع الفلسطينيين على طاولة المفاوضات، واتركونا وشأننا نتفاوض مع الفلسطينيين، وبذلك يتم توظيف المفاوضات، إسرائيلياً، لمواصلة الاحتلال والاستيطان، ولذلك حبذت حكومة نتنياهو إطلاق سراح أسرى ما قبل أوسلو، وهو ثمن باهظ داخلياً، لم تستطع حكومات إسحاق رابين وشمعون بيرس ويهود براك ويهود أولمرت الإقدام عليها وأقدمت عليها حكومة نتنياهو بكل قوة، لأن البديل عن إطلاق سراح الأسرى هو وقف الاستيطان، ولذلك اختارت أهون الشرين وهو إطلاق سراح أسرى قتلوا إسرائيليين، مقابل عدم وقف الاستيطان علناً، لأن الاستيطان والتوسع الاستعماري هما برنامج حكومة نتنياهو الاستيطانية الاستعمارية التوسعية.
والجانب الأميركي، يريد المفاوضات، واستمراريتها حتى ولو لم تحقق نتائج، فالنتيجة المطلوبة هي فقط استمرار المفاوضات، بدلاً من التسليم الأميركي بالفشل الفظيع بعد كل هذا الجهد الذي بذله وزير الخارجية، وبعد سلسلة غير مسبوقة بالسفريات واللقاءات والاجتماعات، لم تثمر للآن على شيء يمكن المباهاة به، ولذلك لا يستطيع جون كيري وإداراته تحمل المزيد من الفشل، بعد فشله في إسقاط النظام السوري، وفشله في ردع روسيا عن إجراءات ضم القرم، وفشله في تحقيق نتائج مرجوة بعد تدخلاتهم العسكرية واستعمال القوة المتفوقة لإسقاط أنظمة أفغانستان والعراق وليبيا، وعدم تحقيق الأمن والديمقراطية والاستقرار، لشعوب البلدان الثلاثة، وشيوع الفوضى والإرهاب والتطرف على أراضيها وعلى من حولها.
لقد نجحت الولايات المتحدة في تدمير قدرات العراق وسورية وليبيا ومنع إيران من التخصيب النووي وإحباط مساعيها للحصول على السلاح الذري، وهي خدمات أمنية عسكرية إستراتيجية قدمتها للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، زاده تطرفاً وعنجهية، وغياب أي رؤية واقعية لدى قياداته العنصرية الاستعمارية، وبدلاً من أن يتجاوب نتنياهو مع المصالح الأميركية، يقوم بتدمير المصالح الأميركية مع العرب، عبر إحراج الإدارة الأميركية وعدم التجاوب مع جهودها للتوصل إلى تسوية واقعية تضمن عودة اللاجئين إلى 48 والنازحين إلى 67، وقيام دولة فلسطينية مستقلة وفق قرار التقسيم 181، والانسحاب إلى خطوط حزيران 1967، وفق القرار الدولي 242
الأميركيون، كانوا يُحملون الطرف الفلسطيني مسؤولية فشل المفاوضات، وها هي إدارة أوباما تتحدث لأول مرة عن مسؤولية الطرفين في فشل المفاوضات، والمفاجأة غير المتوقعة أن يُعلن جون كيري مسؤولية إسرائيل بفشل المفاوضات لسببين هما عدم إطلاق سراح الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو، والإعلان عن مشاريع استيطانية جديدة في القدس العربية الفلسطينية المحتلة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها