يبدو أن المسار الفلسطيني قد بلغ نهاية حرجة ، بل وربما تصبح انسدادا من الصعب التعامل معه عن طريق المسكنات أو المناورات السياسية، إذ يقف السياسي الفلسطيني أمام مشهد يوجب الخطو خطوات واسعة وليس قصيرة، نحو تجاوز الوضع القائم لأن متغيرات المحيط كبيرة والرؤية للمستقبل تستدعي حسن اختيارالبدائل واتخاذ القرارات الصائبة.

 إن حالة الشلل التي تعيشها الوطنية الفلسطينية جراء التمزق والتشتت والضعف المزمن الذي أفقد كافة الشرعيات (المجلس التشريعي ، رئيس السلطة ، المجلس الوطني ...) فعاليتها، وطعن في مدتها الزمنية المنتهية الصلاحية هي حالة يجب أن تكون عنوانا دائما للمرحلة في ظل التغول الصهيوني والتمادي في سياسات الاحتلال العنصرية، وتلك الفكرانية (الايديولوجية) الأسطورية العنصرية التي يحاولون تلبيسها للعالم.

 القيادة الفلسطينية، والرئيس أبو مازن تحديدا يجد أماه لوحة قاتمة من المشاهد نعدد لكم 12 مشهدا فقط واضحة الدلالة:

1. الايغال في الانتهاكات والاعتقالات والاعتداءات الصهيونية ، وتجرؤ المستوطنين، وهدم البيوت وإطلاق النار المستمر على القوارب في بحر غزة.

2. الاستمرار بسياسة الاستيطان في كافة أرض فلسطين التاريخية، في محاولة جادة لكسب مزيد من الأراضي حيث مكمن الصراع الحقيقي.

3. وضع الاسرائيليين لعقبات وشروط جديدة لم تكن سابقا لا هدف لها اللهم إلا تعويق أي حل لتمكين الاستفراد بالفلسطيني عبر شراء الزمن مثل شرط (يهودية الدولة) وغيره من شروط تتعلق بالقدس والغور.

4. تزايد عمليات القتل ضد الفلسطيني (ومنها ضد قاضي أردني على الجسر) سواء في غزة أو الضفة بشكل غير مسبوق خلال الأشهر القليلة الماضية، والسعي بقوة لحصر العلاقة مع السلطة ومع الانقلاب في غزة بالناحية الأمنية فقط.

5. المماطلة في الإفراج عن الدفعة الرابعة الأخيرة من الأسرى ما قبل "أوسلو" العام 1993م ، بدعاوى مختلفة حفاظا على الائتلاف لحكومي الإسرائيلي وسياستهم التصعيدية.

6. استمرار علميات تهويد القدس الحثيثة ، والأقصى والحرم الابراهيمي وبشكل ممنهج ومخطط عبر جمعيات ومؤسسات وعصابات ارهابية متطرفة قديمة وجديدة، كما وتسعى لإقامة ما تسميه " الهيكل" الموهوم مكان المسجد الاقصى فيما تغض الحكومة الصهيونية – أو تدعم – النظر عن هذه الممارسات العنصرية والتهويدية ، والتي كان منها محاولة نزع الولاية الهاشمية عن الأماكن المقدسة.

7. التهديدات الاسرائيلية المتكررة للسلطة (والبدء بتنفيذ بعضها) وضد شخص الرئيس ، وتعالي الصوت بالحديث عن حصاره أو نزع شرعيته الدستورية ، واللعب على وتر الانقسام وعدم سيطرة النظام الفلسطيني على الشطرين (غزة والضفة).

8. تزايد الرصد الفلسطيني لعمليات اختراق اسرائيلية للفتيان في القرى خاصة تلك القريبة من الجدار ، وتشجيع عصابات تخريبية مرشحة لإحداث الدمار في المناطق الفلسطينية كما أشار أحد قيادات السلطة المطلعين.

9. استنكاف "حماس" عن المصالحة لتضعضع وضعها الداخلي ، وعزلتها و "الاخوان المسلمين" اقليميا ورغبتهم الاستمرار باغتصاب قطاع غزة بلا شرعية ولا ارادة شعبية، تعبر عنها بالرفض المتكرر للانتخابات وإطلاق التصريحات غير اللائقة بحق كل مخالفيها.

10. وضع عربي محدود الفعالية – رغم قرارات القمة ومجلس الجامعة العربية – وقوى تقتسم المنطقة دون أي قدرة عربية على التعاطي مع المتغيرات.

11. وضع أوروبي وعالمي داعم باتجاه معين – مقاطعة الجامعات الاسرائيلية في المستوطنات ، وتمييز بضائعها – وتقبل عالمي – حذر – لدخول فلسطين لهيئات الأمم المتحدة واتفاقياتها مقابل أمل مفقود بنزاهة الوسيط الحالي في محادثات التسوية.

12. ضعف فلسطيني عام وتراجع حتى في فعاليات المقاومة الشعبية والمقاطعة، والترهل والتفكك والانحسار في النسيج الداخلي الذي يحتاج لحقنه مقوية من الانجازات وإعادة بناء الأهداف.

في ظل هذه المشاهد الداخلية والإقليمية والعالمية تصبح خيارات السياسة الفلسطينية بالانتقال لفعل إما يتم التعاطى معها وفق سياسة الانتظار والمسايرة والمراهنة على الزمن، أو الاستسلام للضغوط مع تجميل الخيار" أن ليس بالإمكان أفضل مما كان" أو الولوج لمنطقة جديدة من التفكير.

  إن معظم المحللين يجدون في المصالحة الفلسطينية حلا مثاليا لمشاكلنا ما نأمله، ويراه عزيز الدويك من قيادة حماس –كمثال- بعيد بعد السماء عن الأرض بنص كلامه ( )، كما يقررون أن دعم وتفعيل المقاطعة الاقتصادية يجب أن تصبح منهج حياه للفلسطينيين ما لا نختلف معه بل وكتبنا دراسة تفصيلية فيه، كما وأن التوصيات بنقل المقاومة الشعبية لمرحلة جديدة كما حصل من حركة فتح في عين الحجلة وأخواتها، ومن جهود حزب الشعب والمبادرة قد يبشر بنموذج مزعج في الحقيقة للإسرائيليين.

 ومن السياسيين من يرى أن الاستصراخ بالعرب – على سلبية معظم الأنظمة اليوم لسبب رياح الشتاء العربي – هامة في تغطية الظهر الفلسطيني ودعم أي خيار تتخذه القيادة بالصمود أو المواجهة ، مع ما لأسلوب الرئيس أبو مازن من المصارحة والمكاشفة مع العرب من أهمية الانخراط الكلي و المشاركة لهم في الشأن الفلسطيني ، كما نقف على مطالبات اللجوء لتفعيل الصراع بشقه القانوني كما بدأت القيادة الفلسطينية تفعل بالانضمام للدفعة الاولى من 4 دفعات تمثل المعاهدات والاتفاقيات و المؤسسات الدولية مع تفعيل فتوى لاهاي بشأن الجدار التي يجهد نفسه دوما د.ناصر القدوة بالصراخ لضرورة تفعيلها ، ولا يغيب عن ذهن الذين يتابعون المشهد ضرورة التحديث والتطوير والاستنهاض للفكر والثفاقة والتاريخ الفلسطيني ولأطر التنظيمات الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح ، وحماس.

  نقول أن كل هذه الرؤى أو المقترحات هامة بل وهامة جدا في نطاق سراطية (استراتيجية) وحدة فلسطينية وتأمين تدفق وإغداق سياسي فكري اقتصادي عربي يعي ان المستقبل بغير ذلك سيخضع لتوازنات بدأت (اسرائيل) ترى فيها وضعا لن تسكت معه على السكون، بل قد تلجأ لافتعال حرب قادمة ولو محدودة.

إن المفاوض الفلسطيني يقف ما بين خيارات التنازل أو التصلب والثبات، وقد يلجأ للمساومات أوالمقايضات في زمن الانحسار هذا ، وما بين أخذ الأمر إلى مداه أو إلغاء التفكير به (كدخول باقي المؤسسات والاتفاقات الدولية) وما بين إعادة ترتيب الأولويات أنبدأ بالشأن الداخلي حيث التحصين والاستعداد والقوة أم نستمر في مجابهة العدو رغم التفرق والتشتت البادي ؟.

 القيادة الفلسطينية باعتقادي تضع هذه الاحتمالات في اجتماعها القادم نهاية الشهر الحالي (ابريل 2014) تزامنا مع انتهاء فترة الشهور التسعة للمفاوضات ، وهي إذ تدرس بدائل المفاوضات ما بين إعلان الفشل أو التمديد، أو الوقوع في فخ الجمود حيث لا اعلان فشل يتبعه خطوات محددة ولا تمديد ما يتيح للإسرائيليين تكريس الأمر الواقع بقوة – حال الجمود.

 قد يكون الاحتمال الأقرب لدى الكثير من المحللين هو التوافق على التمديد للمفاوضات في ضوء صعوبة البدائل الأخرى لجميع الأطراف، التي قد تجد نفسها خاسرة حال الخروج من آليات الحل للصراع في ضوء المصالح الذاتية لكل طرف، وفي ظل واقع الفوضى الاقليمية والعالمية وبروز قوى جديدة، ولكن تجهيز النفس للبدائل حتى في ظل حصول التمديد لا يعني التساوق في إطار التفاوض ونحن مكتوفي الأيدي، على الأقل في الحراك الشعبي والعربي والدولي الذي قطعا نحتاجه في جميع الحالات

 إن جميع التهديدات الاسرائيلية والأمريكية الواضحة ، والروح الانسحابية التي تلبست النظام العربي الرسمي اليوم ، والسلبية التي تحيط بأجواء المصالحة ، وإمكانية لجوء الاسرائيليين لنزع الشرعية عن القيادة الفلسطينية (أو إنهاكها إن استمر التفاوض)،عدا عن احتمالية سعيهم لإسقاط السلطة كاملة واستدعاء ما يشبه (روابط القرى) لتثبيت الحل المؤقت القائم، يستدعي إضافة لما سبق حسن الاعتبار والنظر والقرار الجدي.

   ان الرئيس أبو مازن في عمره الثمانين ما زال صلبا حاسما في انحيازه للأهداف الفلسطينية، فهو رجل فكراني (مؤدلج) بفلسطين لا شك بذلك، إلا أن عوامل الاضعاف والتشتيت والتدمير تحيط به كما أحاطت بالرئيس الشهيد ياسر عرفات ، وهو إذ لا يختم حياته السياسية بفراغ نتيجة فقدان الشرعيات، وعلى رأسها المجلس التشريعي المنتهية مدته، فإن القيادة الفلسطينية يجب أن تدرس – أو أظنها تفعل – خيار تجديد الشرعيات حالا -إلى جانب دراسة خيار المفاوضات بدقة-، من إجراء الانتخابات بالضفة وغزة (وحين رفض أو تعويق حماس يتم إجراؤها بقائمة نسبية واحدة وينتخب من يستطيع ولا تمنعه حماس من أبناء غزة ،أو لنسير في سياق الانتخاب الالكتروني)، وما بين خيار إعادة تركيب (م.ت.ف) بمجلسها المركزي أو مجلسها الوطني الائتلافي التوافقي سواء بحضور حماس والجهاد أو بدون حضورهما،أوبالخيار الثالث وهو الاتجاه للحد الأقصى بإجراء انتخابات الدولة (وليس السلطة) عبر إعلان دستوري جديد، ورئيس ونائب رئيس ما هو من الهام ترافقه مع تحقيق المصالحة.

 إن الخيارات صعبة والقرار يجب أن يتخذ لأن المواجهة الكبرى قد تكون قادمة، ومن يواجه موحدا ومتمكنا كشعب وقيادة وشرعيات تصبح أرجله منغرسة في فلسطين، وفي الضمير العالمي ويستطيع أن ينشد الدعم من خارج سلطته فلا يقف المستنجَد بهم وأياديهم خلف ظهورهم، ولا يفهم في ظل مثل هذه التحديات الخطيرة إن يرتجف القائد الفلسطيني أو يتخاذل أبدا

.