بغضالنظر عن دقة أو صحة أو صدق الأخبار التي تتواتر نقلا عن مصادر مصرية وفلسطينية، بأناتفاقا جديدا للتهدئة تم التوصل إليه بوساطة مصرية، وبموافقة إسرائيلية على وقف برنامجالاغتيالات ضد مطلوبين فلسطينيين !!! فإن أخوتنا في حركة الجهاد الإسلامي وذراعها العسكريسرايا القدس، وبمشاركة لجان المقاومة الشعبية، وكتائب شهداء الأقصى، يستحقون الشكروالتقدير والتعطف الإيجابي، لأنهم رغم فداحة الجرح وثقل المسؤولية، وهل هناك أثقل وأثمنمن الدماء، قد فتحوا حوارا وطنيا واسعا، وحوار عربيا ودوليا وإقليميا واسعا، حول الموضوعالمسكوت عنه منذ سنوات، والذي أدى إلى سقوط العديد من اتفاقات التهدئة مرات ومرات،ألا وهو إصرار إسرائيل على إملاء تهدئة دون أية التزامات إسرائيلية على الإطلاق، لأنإسرائيل ظلت لسنوات تقول لنا بوقاحة واستعلاء واستهانة: أنتم عليكم ان تنفذوا التهدئةمن جانبكم، أما انا فسوف أستمر في ملاحقة المطلوبين وقتلهم _ كما قال نتنياهو قبل ثلاثةأيام – فأغتال من أريد وقتما أريد وأبدأ المعركة وقتما أشاء !!!

هذاالمنطق الإسرائيلي الموغل والمنحدر في العنصرية والعربدة لا يجب قبوله من الفلسطينيينبعد ذلك في أي اتفاق !!! وحتى لو كانت الخيارات ضيقة وصعبة جدا، فإنه يمكن التعاملمع التهدئة واقعيا ومن خلال معطيات الواقع، أي تنفيذ التهدئة باتفاق فلسطيني فيما بيننا،ولكن دون أن يكون هذا التنفيذ جزءا من اتفاق مع إسرائيل تحت سقف العنصرية والعربدةوالتفلت من أي التزام على الإطلاق !!! لأن هذا الاتفاق لو تم بالشروط السابقة نفسهاسيكون في قمة الإذلال، وقمة الاستسلام دون قيد وشرط امام بشاعة العنصرية والعربدة الإسرائيلية،ناهيكم عن أنه لن يصمد طويلا، لأن اتفاق فاقد التوازن إلى هذا الحد، ومختل إلى هذاالحد، سرعان ما يواجه حتمية السقوط.

حركةالجهاد الإسلامي، وعبر سواعد مقاتليها في سرايا القدس، ومن شد أزرها في الميدان مثللجان المقاومة الشعبية وكتائب الأقصى، طرحت هذه القضية بقوة أولا على الرأي العام الفلسطينيالذي يدفع أفدح الثمن، على الرأي العام العربي والإقليمي والدولي، طرحت السؤال الكبير :

هليمكن لتهدئة مهما كانت أن تصمد في ظل رفض إسرائيل الالتزام بشيء على الإطلاق ؟

والجواب المعروف والمؤكد حتى عند الأطفال الصغار هو لا، لن ينجح أي اتفاق تهدئة عبرهذه المعايير الإسرائيلية المجحفة والمذلة والمعربدة والمستفزة، وبالتالي فإن من أوجبالواجبات لفت نظر العالم إلى ضرورة إحداث تغيير ولو بسيط جدا في قواعد اللعبة، أي أنتحترم إسرائيل التهدئة التي هي مصلحة للجميع، وأن توقف برامج الملاحقة والاغتيالات.

أعتقدان النشاط الدبلوماسي القوي والمؤثر الذي قامت به القيادة الشرعية الفلسطينية ممثلةبالأخ الرئيس أبو مازن، انطلق من طرح هذا السؤال الكبير الذي لا يمكن تجاهله، وأن القيادةالشرعية الفلسطينية حينما استنهضت اللجنة الرباعية، ومجلس الأمن وقوى المجتمع الدولي،كان يهمها أن لا يمر هذا السؤال الكبير دون إجابة ما، إذ كيف سنحمي التهدئة، وكيف وسنستمربالتهدئة إذا لم تلتزم إسرائيل بشيء؟

نتنياهو– كما يعلم الجميع، عاد من واشنطن مغلول اليدين ولو مؤقتا بشأن توجيه ضربة لإيران،بغض النظر عن ما لقيه من الايباك من ترحيب استعراضي ولكنه عاد إلى تل ابيب مغلول اليدين،فلم يجد أمامه سوى ان ينافق مؤيديه المتطرفين وذئاب ائتلافه الحكومي بضرب قطاع غزة،بوحشية متناهية، وبعنصرية مخزية، هكذا دون مقدمات، هكذا دون أية أسباب ولو تافهة، فاشلهناك وبطل مغوار هنا !!! صورة بشعة لقيادة إسرائيلية بشعة غير مؤهلة للاحترام، لأنهاتضع نفسها فوق القانون الدولي وفوق المنطق السياسي وفوق الجميع.

قدلا تقبل إسرائيل الالتزام بالشرط الذي تتواتر حوله الأخبار عن اتفاق التهدئة الجديد،وقد تسعى إلى تفجير الموقف الآن أو بعد ساعات أو أيام، ولكن المعنى الكبير الذي سجلتهحركة الجهاد الإسلامي أنها أعادت طرح الموضوع، وأنها أعادت الحديث العلني عن المسكوتعنه، وأنها وضعت الفصائل الفلسطينية استثناء امام مسؤولياتها الحقيقية، الوطنية، دونالهروب إلى الشعارات الكاذبة، أو الصيغ الغامضة أو التحايلات الرخيصة !!!

فيهذه الأيام الأربعة العصيبة التي سقط لنا فيها عشرات الشهداء والجرحى، سمعنا كلاماأكثر عبثية من العبث نفسه، مثلما تردد على ألسنة بعض المخبولين بأن مصر تقايضنا علىالتهدئة مقابل امدادنا بالسولار لتشغيل محطة توليد الكهرباء في غزة !!! هذا كلام يضعأصحابه في مرتبة المعتوهين والمجانين نزلاء المستشفيات العقلية !!! فليس هكذا تدارالقضايا الوطنية، القضايا الوطنية تدار بطريقة ارفع ألف مرة من هذا المستوى، ولذلكفإنني أدعو إلى استكمال هذا الحوار الوطني الذي فتحت أبوابه على مصاريعها حركة الجهادالإسلامي، عبر قداسة دماء الشهداء الذين سقطوا في الأيام الأخيرة، في موجة العنف الدمويالإسرائيلي الأخيرة، ابتداء من الشهيد أبو إبراهيم القيسي وانتهاء بأصغر طفل من الأطفالالذين استشهدوا في شمال قطاع غزة، حوار وطني عميق، لا يختبئ فيه أحد تحت الشعارات المخادعةأو وراء لعبة قول الشيء ونقيضه، حوار وطني يسأل بشجاعة، ماذا لو عادت إسرائيل اليومأو غدا أو بعد غد لاستهداف مناضلينا وشعبنا بقذائف وصواريخ الموت؟ ماذا سنفعل، هل سيخرجعلينا مخبول آخر لكي يقول لنا ان التهدئة مطلوبة كشرط بإمدادنا بالفول المدمس المصري؟؟؟ وهذا ما ترفضه الشقيقة مصر عزم وإباء.

ماطرحته حركة الجهاد مدخل ضمن المخاطرة المحسوبة لكي نستنهض ضغطا أكبر على إسرائيل ضغطعربي حقيقي، وضغط دولي حقيقي وليست الصورة المشوهة منذ سنوات وهي صورة التهدئة تحتالطلب، تهدئة بالمجان، تهدئة مع استمرار القتل، تهدئة مع جرح نازف يبقى مفتوحا، وأعتقدأن هذا المطلب الذي تطالب به حركة الجهاد الإسلامي هو مطلب وطني، وهو مطلب مشروع وهومطلب ممكن أيضا إذا وصلنا إلى مرحلة محترمة وصادقة من التوافق الوطني، وغادرنا بركةالوحل الغارزين فيها منذ خمس سنوات أي غادرنا الانقسام وقمنا معا بمخاطرات محسوبة،نتحمل فيها جميعا بعض الوجع من أجل أن نفجر الدمل الذي يقضي في كل مرة على جهود التهدئةالتي جرت في السنوات الماضية.

شكرالحركة الجهاد الإسلامي وسرايا القدس ومن وقف معهما فعلا في الميدان، وإن الدماء أبدالا تضيع هباء.