هليتذكر أحد من الفصائل والمجموعات الفلسطينية المسلحة, كم عدد اتفاقات التهدئة التياتفقنا عليها في قطاع غزة مع إسرائيل في الخمس سنوات الأخيرة؟

حتىلا نختلف على الرقم وهل هو خمس مرات أو عشر مرات أو أكثر, نقول اننا قبلنا اتفاقاتتهدئة كثيرة, بوساطة أشقائنا المصريين, وبوساطات اخرى, ولكن هذه الاتفاقات أوالتهدئات لم تصمد, كانت في كل مرة تخترق من إسرائيل, عبر حملة دموية تنفذهاالطائرات الإسرائيلية F16, ومروحيات الأباتشي القاصفة, والطائرات دون طيار «الزنانات» التيتصفها إسرائيل بتفوقها وهي رخيصة الثمن!

وفي كل مرة، نكتشف أن اتفاق التهدئة تم اختراقه بسهولة, لأن المعايير الإسرائيليةهي الغالبة في هذا الاتفاق, وأن إسرائيل لم تقبل بتحمل أية التزامات تجاه أي اتفاقتهدئة, بل تصر على استمرار كشوف المطلوبين والملاحقين, وتصر على بقاء المطارداتالساخنة, وتصر على ضوابط هم وحدهم يحددون معيار الالتزام بها, مثل الحزام الأمنيالذي يحيط بقطاع غزة في البر جنوبا وشرقا وشمالا, وفي البحر غربا, وإسرائيل وحدهاتقرر من ذا الذي يتجاوز هذا الحزام الأمني فتطلق عليه النار بتهمة أنه كان ينوي أنيفعل كذا وكذا وكذا!

وكنا نقول في كل مرة يتم التهليل فيها للوصول إلى اتفاق تهدئة, ونقبل بعضنا فرحابوصولنا إلى هكذا اتفاق, إن هذا الاتفاق لن يصمد طويلا, لأننا لا نقول لبعضناالحقيقة, ولا نصارح مقاتلينا بالحقيقة, ولا نضع شعبنا في صورة الحقيقة! بل نخدعأنفسنا ومقاتلينا وشعبنا بالادعاء أن اتفاق التهدئة بين طرفين, بينما هو فيالحقيقة تهدئة من جانب واحد, فنحن الذين نطلق بعض الصواريخ, بعضها يكون مطلوبالإسرائيل لحسابات داخلية, ثم نوافق على التوقف عن إطلاقها, موحين لأنفسنا أن العدوسيوقف عدوانه علينا, ثم سرعان ما نكتشف أن هذا العدو ما يزال يتحرك في الهوامشوالاستثناءات التي منحها لنفسه! وهي كشوف المطلوبين, وهي تتجدد باستمرار,والعمليات الاستنقائية, وعمليات الاغتيال بالطائرات لمن يقال عنهم انهم كانواينوون تنفيذ عمليات ضد إسرائيل, أو إطلاق صواريخ ضد إسرائيل! وبعضهم أطفال صغاركانوا يلعبون أمام بيوتهم القريبة من الحزام الأمني! وبعضهم صيادو سمك كانوايلاحقون بزوارق صيدهم سربا من أسماك السردين! أو مزارعون كانوا يجنون ثمار التينوالزيتون من حقولهم القريبة!

الاحتلاليرسل طائراته, وقذائف مدافعه ودباباته, ورصاص بنادق الجنود على اعتبار أن ما يفعلههو جزء من الاستثناءات التي منحها لنفسه وقت الموافقة الفلسطينية على التهدئة!وحين يحدث ذلك, نغضب, ونطلق بعض الصواريخ, فيأتي الرد الإسرائيلي دمويا, وفوق هذاوذاك فإننا نكتشف كما لو كان اكتشافا مفاجئا بأن مستشفياتنا غير مؤهلة, ومخزونالأدوية لا يكفي, والملاجئ لا وجود لها على الإطلاق, والكهرباء مشكلة كبرى,واحتياطي المواد الغذائية قليل! اكتشافات مكررة يعرفها حتى الأطفال! ولكننا أبدالا نكتشف ولا نعترف بأن التنسيق العسكري بين فصائلنا ومجموعاتنا العسكرية غيرموجود ولو بالحد الأدنى, وردات الفعل غير مدروسة لا في توقيتها السياسي ولا فيمجالها الحيوي العملياتي! ومهما كانت ردود أفعالنا فإنها تكون مجهضة بسبب أنهافاقدة للحد الأدنى للتنسيق, وفاقدة للحد الأدنى من التوافق الوطني؟

يومالجمعة الماضي, شهد حي تل الهوا أول مشهد من مشاهد الحملة الدموية التي ما زالتمستمرة على يد الاحتلال الإسرائيلي ضدنا في قطاع غزة, بدأ القصف لسيارة تقل قائدلجان المقاومة الشعبية ومعه أسير محرر ومبعد إلى غزة من العام 2006, ثم تقافزالرقم إلى أربعة ثم خمسة عشر ثم سبعة عشر, وثمانية عشر غير الجرحى, والحملة الدمويةمستمرة, وعلى كل فصيل أو مجموعة مسلحة فلسطينية أن تفسر الموضوع كما تراه, وأنتقرر الرد متى شاءت, دون الحد الأدنى من الفهم أو الاستنتاج لماذا هذا التصعيدالإسرائيلي! إنها حكاية إبريق الزيت, نكررها كل صباح, ونكررها كل مساء, ولا نمل منتكرارها, دون أن نتعظ أو نستفيد مرة واحدة.

هذاهو البؤس الذي هو أشد ضراوة من العدوان الإسرائيلي نفسه, أن نبقى في الحفرة نفسهاولا نغادرها, أن نرفض التنسيق مع بعضنا, أن نتشبث بالانقسام ثم ندعي بعد ذلك أننافي ظل الانقسام قادرون على المقاومة وأعباء المقاومة, أن ندعي بأننا نرفض اللعبةبشروطها القائمة, ثم عندما تقع الواقعة نذهب إلى الأشقاء ونرجوهم أن يتوسطواللعودة إلى اللعبة التي رفضناها قبل يوم أو بعض يوم.

قطاعغزة في وضع بائس, وضع بلا أفق, تتقاذفه الأهواء الصغيرة والاستراتيجيات الكبيرةعلى حد سواء, فهل يستمر الوضع هكذا طويلا, هل يبقى العجز على حاله, نصرخ داخلالقمقم, ونتنفس تحت الماء, أم تحدث المعجزة ويحدث الانفجار؟!.