خاص مجلة القدس/ اعداد وحوار: غادة اسعد

يبدو الحديث عن تجنيد الدروز والمسيحيين وكأنه "موضة جديدة" تلوِّح بها الحكومة والمؤسسات الإسرائيلية في الداخل قبل عامٍ أو عامين لا أكثر، لكنّ الجيل الأول والثاني، الذي فُرضت عليه الخدمة العسكرية مِن الدروز، يعرِف تمامًا أنّ تجنيد المسيحيين كان طوال الوقت يطفو على الساحة، ثم يخبو عندما يقف المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل وعلى رأسهم المسيحيين في مواجهة هذه المخططات، لكن يبدو أنّ إسرائيل اليوم باتت أكثر سعيًا إلى تمزيق وحدة وتقارب الطوائف المختلفة في البلاد بين مسيحيين ومسلمين ودروز، مستغلةً انشغال الدول العربية بالثورات أو المواجهات التي تجري هُناك، وهكذا تستفرد الدولة بالشعب العربي الفلسطيني في الداخل، فتُفكّكه وتعيده إلى الاحتراب ما قبل الديانات والطوائف.

 

ما بين تجنيد اليهود المتدينين والعرب!

ارتفعت لهجة رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر مطلع هذا العام 2014، وقام بإرسال رسائل جديّة لفلسطينيي الداخل المتصدين "للأصدقاء" العرب الذين يرغبون بالانضمام إلى الخدمة العسكرية، ولوّح نتنياهو مهددًا في أحد خطاباته بأنّ السلطات الإسرائيلية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مَن يُهدد أمان "الأصدقاء" المتجنّدين مِن المسيحيين (خاصة)، وهي رسالة تهديد واضحة للتنظيمات المناهضة للخدمة العسكرية والمدنية التي انطلقت بقوة، خاصةً بين الشباب في السنة الماضية.

وعادَ نتنياهو ليلوِّح بتجنيد اليهود المتدينين (الحريديم)، محاولةً مِنه للتأكيد على أنّ إسرائيل بجميع أطيافها ستتوحّد في دعم الأمن الإسرائيلي الـمُستعِد لمواجهة هجماتٍ شرق أوسطية، قادمة من الدول العربية وإيران.

وحول مسألة تجنيد الحريديم قال الباحث انطوان شلحت: "القانون الجديد المتعلّق بتجنيد الحريديم ("قانون شكيد") لا يفرض خلال الأعوام المقبلة الخدمة العسكرية الإلزامية على أي حريدي، وما سيكون هو أهداف غير ملزمة مثلما كان عليه الوضع في جميع الأعوام الفائتة. ولا يقدم القانون جواباً حتى على القرار الصادر عن المحكمة الإسرائيلية العليا الذي ألغى العمل بقانون "طال" (الذي أعفى تلامذة المدارس الدينية من الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي). ويسمح القانون الجديد للحريدي بأن يقرر ما إذا كان سيقوم بخدمته أم لا، على عكس الآخرين. كما في استطاعة الحريديم تأجيل خدمتهم العسكرية إلى عمر 24 عاماً.

ونظراً إلى أن القانون سيدخل حيز التنفيذ في العام 2017، فإن التلميذ الحريدي هو الذي سيكون قادراً على الاختيار بين الخدمة العسكرية والخدمة المدنية، أو عدم الالتحاق بالخدمة العسكرية على الإطلاق. وخلال الفترة الانتقالية لن تكون هناك أي عقوبات على عدم الالتزام بشروط الخدمة العسكرية، وكل شيء مجرّد كلام".

ويتابع: "وليس من قبيل المصادفة أن الحريديم لم يخرجوا إلى الشوارع للتظاهر، فهم يدركون أن هذا القانون جيد بالنسبة لهم، وبطبيعة الحال فإن الوضع مغاير بالنسبة إلى المواطنين العرب، بمعنى أن إسرائيل تريد للعرب في الداخل وفي العالم العربي الاعتراف بيهودية الدولة وديمقراطيتها، ومن خلال هذا الاعتراف فإنّ أيًا مِن المناطق العربية الفلسطينية في الداخل لن تحصل على حكمٍ ذاتي، طالما أنها تعيش في دولة "يهودية وديمقراطية"، وفي المقابل يُبادِل نتنياهو الأقلية العربية في الداخل أمانًا باقتصادٍ وسلامٍ داخلي، علمًا أنّ الدولة تأخُذ بعين الاعتبار حاجتها للأيدي العاملة، التي مِن خلالها يمكن تطوير الاقتصاد الإسرائيلي مستقبلاً، وليسَ فضلاً مِنها بل لأنّ مسعىً أوروبيا وعالميًا يُطالِب إسرائيل بدمج الأقلية العربية في العمل والتقدم الاقتصادي والتكنولوجي، كشرطٍ مِن منظمة "OECD" كي تدعم إسرائيل أيضًا".

وتعميقًا لخطواتها في تجنيد المسيحيين والعرب اقترح النائب اليميني المتطرف يريفي ليفين قانونًا يُطالب من خلاله بتكافؤ الفرص في العمل، بحيثُ يتم شطب كلمتَي "مسيحي" و"دروز" من بطاقات الهوية والتعريف، وإبقاء كلمة "مسلم" فقط.

ورأى أعضاء الكنيست العرب أن القانون يسعى لتفكيك الهوية العربية الفلسطينية والانتقاص من حقوق العرب، بينما أكدّ النائب العربي في الكنيست باسل غطاس "أنّ العرب المسيحيين فخورون بعروبتهم، وبأنّ إدعاء ممثل منتدى التجنيد، بأن القومية العربية تضطهد المسيحيين، هو هراء".

 

مساعٍ إسرائيلية لتطبيق "التجنيد الإجباري" على مسيحيي الداخل

وتأكيدًا للسعي المستميت مِن قبل ساسة إسرائيل لدمج المسيحيين في صفوف الجيش الإسرائيلي، لمآرب خبيثة، أبرزها "تفكيك" أبناء الشعب الواحد، تناقلت وسائل الإعلام العبرية مؤخرًا تصريحات لوزير "الأمن" الإسرائيلي داني دانون الذي طالب بتطوير فكرة تجنيد شباب من الطائفة المسيحية في صفوف الجيش الإسرائيلي، حيثُ أجرى عدة اتصالات مع كبار المسؤولية في الجيش لفحص إمكانية استيعاب الشباب المسيحي في وحدات الجيش المختلفة.

وفي تعقيبه على مسعاه هذا أكدّ دانون أنّ "دمج أبناء الطائفة المسيحية سيُساهم في وصولهم إلى مناصب "لائقة" في الجيش، وسيساهم في انخراطهم في المجتمع والسوق الإسرائيلي". هذا وصرّحت مصادر إسرائيلية رسميّة "أنّ ما يقارب 90 شابًا مسيحيًا تجنّدوا في السنة الماضية، وأنّه يتوقع أن ينضم إليهم مئتا مجنّد مسيحي في العام الحالي".

 

المطران حنا: "سنبقى فلسطينيين أحرارًا"

وردًا على موضوع تجنيد المسيحيين، قال رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس المطران عطا الله حنا: "نحنُ نرفض التجنيد في الجيش الإسرائيلي، لاعتبارات دينية وأخلاقية ووطنية. ونريد لأبنائنا أن ينعموا بالحرية، وبمستقبلٍ أفضل، ولا نريد لهم أن يُقتَلوا أو يقتلوا أبناء شعبهم من الفلسطينيين".

وأنهى بقوله: "واجبنا أن نحمي شعبنا الفلسطيني وأن ننحاز لخير الأمة، وأن ندافع عن وجودنا وتاريخنا وتراثنا المسيحي المشرقي بالأساليب السلميّة وغير العنيفة، ولن نرضى ما حيينا بالتجنّد في الجيش الإسرائيلي".

 

تجنيد المسيحيين.. لماذا الآن؟!

وفي حديثٍ خاص مع د. عزمي حكيم رئيس مجلس الطائفة المسيحية الأرثوذكسية في الناصرة (سابقًا)، قال: "كلنا يعلم أنّ مشروع تجنيد المسيحيين ليس وليد اليوم، بل سبق العام 1956، عندما استطاعت إسرائيل فرض قانون تجنيد الشباب الدروز وإلزام المشايخ الدروز بإرسال أبنائهم لصفوف الجيش الإسرائيلي، وفي تلك الفترة قام أحد رجال الدين المسيحيين "المطران حكيم" باستغلال علاقته بالسلطة في محاولة لتمرير مشروع التجنيد الإجباري للمسيحيين أسوةً بالدروز، لكنّ المشروع فشل وتمّ "وأده"، وفي كلِ مرةٍ يتم السعي لإعادة موضوع التجنيد كانت القيادات المسيحية تُفشِل المؤامرات".

ويضيف د. حكيم "عند فحص الأسباب التي قد تدفع بعض الشبان من مسيحيين ومسلمين للخدمة في الجيش، يتبيَّن أنها غالبًا ما تكون اقتصادية أو حياتية، أو بحثًا عن أمان شخصي بعد مشاكل عمومية أو طائفية، أو بسبب الترويج إلى أن المتجنّد يحصل على امتيازات خاصة بِه، ومن ثم يأتي التبرير "الأيديولوجي" القائل أنه علينا تقديم الواجبات للدولة التي تحمينا، وتبدأ عملية سلخ ذاتي عن الهوية القومية الجامعة".

وإجابة على السؤال "لماذا الآن؟!" يقول د. حكيم: "لأنّ الفُرصة مهيّأة دوليًا وعربيًا، عالميًا من خلال اليد الطويلة الأمريكية التي فتّتَتْ العراق وزرعت بذورًا متفرّقة في العالم العربي، وجعلت الشعوب تحترب في ما بينها إما طائفيًا أو مذهبيًا، وكذلك الحال في إسرائيل، التي تعرف أنّ الطائفية قادرة على تفكيك وحدة الدم والمصير الفلسطيني سواء أكان في الضفة الغربية أو في العالم أو حتى في الداخل. وقد أوجدت إسرائيل كاهنًا مسيحيًا ليبث مشروع التجنيد، اشترته بثمنٍ بخسٍ، كي يضع الجسد المسيحي في طوع الجيش.

وحول حديث بعض ساسة إسرائيل عن "حماية المسيحيين من المسلمين"، على اعتبار أنّ المسيحيين هم أقلية، يقول د. حكيم: "لم أشعُر يومًا أنني مهددٌ في وطني، وأنّ هناك محاولات لترحيلي، رغم أنّ وجود حركات سياسية على أساس طائفي، قد يساهم في توتير الأجواء الطائفية، لضعفاء النفوس وهم قلة، لكن لن تنجح السياسة الإسرائيلية في تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل. فالعقلاء مِن جميع الطوائف يعرفون أنّ حماية المسيحيين والمحافظة عليهم تتم من خلال تجنيدهم في أطر وحدوية وطنية في المجتمعات، خاصةً المختلطة، وأنّ حمايتهم هي جزء من حماية الجماهير العربية في الداخل، وأنّ إسرائيل تحاول أن ترسم شكلها الديمقراطي للعالم، من خلال تجنيد المسيحيين، لكنّ الواقع يؤكِد أنّها فشلت من قبل وستفشل الآن أيضًا".

 

المسيحيون جزء من تاريخ الفلسطينيين والأمة العربية

يضيف د. حكيم: "أنا لستُ أقلية مسيحية في فلسطين، بل أنا جزء من أقلية عربية فلسطينية داخل أكثرية يهودية (عدد المسيحيين 140 ألف) علمًا أنّ تاريخ المسيحيين الفلسطينيين في البلاد هو جزء من تاريخ العروبة والثقافة الإسلامية، فحتى في زمن الصليبيين، حارب المسيحيون في الشرق مع العرب ضد الصليبيين، والمسيحيون هم جزء من تاريخ الأمة العربية، التي انبثقت من الشرق ومن فلسطين خاصة، وكان للمسيحيين دورٌ وطني بارز، ومِن الشخصيات المحلية التي حملت الهم الوطني الفلسطيني "المرحوم منصور كردوش"، وهو أحد مؤسسي حركة الأرض، كما يُمكنني الإشارة إلى أنّ المسيحيين عامة والروم الأرثوذكس خاصة كانوا من زعامة الحركة الوطنية، ولم تنجح محاولة تمزيق الأمة العربية الواحدة في الداخل، بل كان الهم الوطني هو الشغل الشاغل للجميع".

ويشير د. حكيم إلى أنّ الحركات الشبابية الفلسطينية المناهضة للخدمة المدنية هي خيرُ دليلٍ على الوحدة والوعي لمواجهة التجنيد. ويوضح: "تكثُر في الآونة الأخيرة المؤتمرات المناهضة للخدمة العسكرية والمدنية، وهي حركات مباركة ضد تجنيد المسيحيين في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وقد تفاجأتُ بشكلٍ كبير بالإصرار الشبابي على تحدي مخططات التجنيد لكافة الطوائف"، معربًا عن دهشته وارتياحه للقناعات والأيديولوجيات الراسخة لدى الشبان العرب الذين أعلنوا رفضهم الانضمام لجيش الاحتلال ورفع السلاح ضد أبناء شعبهم.

 

سقطات الكاهن المسيحي جبرائيل نداف

برز اسم رجل الدين جبرائيل نداف بعد أن حثّ المسيحيين بشكلٍ علني على التجنّد للجيش، خلال أحد المؤتمرات التي جرت في منطقة الناصرة في الداخل الفلسطيني، ويومها ثار الفلسطينيون عليه، واتهموه بالخيانة والعمالة لإسرائيل، ورغم ذلك فهو لم يتأثر ويندم على فعلته، بل أمعن بالتحدي من خلال الظهور المكثّف في وسائل إعلام عبرية، وتقديم شكاوى يمينًا ويسارًا ضد كل إعلاميٍ وقيادي فلسطيني، متوجهًا إلى الشرطة الإسرائيلية كي تحميه من "التهديدات".

ويُشار إلى أنّ الإعلام العبري سعى لترويج التجنيد مِن خلال تقارير مكتوبة ومصوّرة نُشرت على المواقع العبرية، في محاولةً لتشجيع العرب على أداء الخدمة العسكرية و/أو المدنية.

 

تجنيد في العلن

تبرز خطورة مشروع نداف في كونه استغلالاً للبيئة الضعيفة جدًا في المجتمع العربي الفلسطيني، يروَّج له عبر ممثلين ورموز ووسائل تواصل اجتماعي وإعلام حاضنة للمشروع، في ظل الافتقار لمخطط مدروس وبرنامج عمل لإفشال ما يتربّص بالأقلية العربية من فرق تسد، ما يستدعي حراكًا سريعًا وشاملاً على كل المستويات، إلى جانب اغتنام فرصة زيارة البابا إلى البلاد قريبًا، كفرصة لصالح إفشال المخطط والضغط على الكنيسة بشكل أكبر حتى فصل نداف نهائيا.

من جهته يقول الأب مارون طنوس: "إن الادعاء بأنّ المسيحيين ليسوا عربًا، ويجب فصلهم عن العروبة بحجة أنها فقط للمسلمين، أمر غير صحيح بتاتا، ومنافٍ للتاريخ. فالمسيحيون العرب موجودون قبل مجيء الإسلام، وكل محاولات تفتيتنا لا نقبل بها ولن تنجح، فنحن أبناء شعب واحد، وعلاقاتنا قوية ومتينة، ولنا تاريخ مشترك ووحدة حال، وهنالك العديد من الأمثلة التي تبيّن كيف حارب المسلمون والمسيحيون معًا، ولا ننسى أن قائد قوات صلاح الدين الأيوبي الذي حارب الفرنجة في حملاتهم على المشرق العربي، كان مسيحيًا، كما كان جزء من جيشه من المسيحيين"، مشدّدًا على أن ما يُسمع من أصوات داعية لتجنيد المسيحيين العرب في جيش الإحتلال الإسرائيلي لا يعبر عن موقف الكنيسة الرافض للتجنيد.

 

الحراك الشبابي في مواجهة التجنيد بكافة أشكاله

قامت جمعية الشباب العرب- بلدنا ومقرها في حيفا، بتنظيم حملات لمناهضة الخدمة المدنية والعسكرية، وصدر عن الجمعية بيان استنكر مساعي سياسات المؤسسة الإسرائيلية المتعاقبة لتشويه الهوية الوطنية الفلسطينية، وأكدّ أنّ شراسة المؤسسة الإسرائيلية في التعامل مع الشباب الدرزي الرافض للخدمة العسكرية، تؤكدها المساعي المكثفة الرامية إلى تجنيد الشباب المسيحي للجيش.

 

لماذا لا تنتفض الكنائس؟!

من جهتها قالت الناشطة في حركة شبابية لمناهضة الخدمة العسكرية والمدنية نيفين أبو رحمون، لمجلة "القدس": "إنّ على الكنيسة أن تكون أكثر حزمًا وأن تحمي أبناءها من هذه المخططات الخبيثة.. والتضييق الكنسي على الكاهن جبرائيل نداف واجب وطني وأخلاقي وايماني أيضا.. ليس لأنّ نداف مهم ولكن لأهمية الثوب الذي يرتديه، فهذا جزء من الحملة بالإضافة إلى أنه يشرعن ما يقوم به أمام البعض نظرًا لأهمية ثوبه الكهنوتي".

وتابعت: "على الكنيسة أن تنتفض الآن خصوصًا أن نوايا اسرائيل وذيولها أصبحت أكثر وضوحًا في ضرب الهوية الوطنية للشباب العربي المسيحي من جهة، وتفكيك وتجزئة أبناء شعبنا الواحد من جهة أخرى، وما تقدَّموا به مؤخّرا كاقتراح لقانون يلزم المواطن العربي المسيحي تأدية الخدمة العسكرية أكبر دليل على ذلك. والمطلوب اليوم موقف كنسي أوضح وأجرأ...وبالتالي تصعيد طرق التصدي والنضال ضد هذه المخططات ..المطلوب إعلان يوم غضب عام".

 

ما مدى جاهزية الجماهير العربية في الداخل للمواجهة؟

تجيب نيفين أبو رحمون: "إن التعويل على الأحزاب والحركات السياسية والوطنية في حماية جماهيرنا العربية، أمر مفروغ منه، لكن محاولة دق الأسافين وتمرير المشاريع التي تستهدف جماهيرنا عبر بوابات السلطات المحلية أمر خطير يحتاج إلى وقفة جدية، وعلاج فوري قبل أن يصبح الوقت متأخراً، فليس من المنصف تحميل النواب العرب المسؤولية على مجابهة العنصرية، في الوقت الذي تفتح به بوابات بعض سلطاتنا المحلية أمامها، ويتم استهداف هوية أبنائنا من داخل أحياءنا فإذا لم يكن الأمر كذلك فكيف يعمل اليوم العشرات من "متطوعي" الخدمة المدنية في مدارسنا وسلطاتنا المحلية العربية؟!

والأمر يُحتِّم على لجنة المتابعة القطرية القيام بمراجعة لمواقف بعض السلطات المحلية والرؤساء، والعمل على توحيد الصفوف في مجابهة المشاريع التي تستهدف النيل من هوية وثقافة شبابنا، فموقف القيادات السياسية والمحلية الموحّد هو الكفيل ببناء جيل مخلص لبلده وأرضه ولثقافته وهويته، وما من شك أن الجيل الشاب يقوى بقيادته، فكيف لهذا الجيل أن ينشأ على القيم والكرامة الوطنية في الوقت الذي تقوم قياداته المحلية وتعمل على الإيقاع به وتفتح أبوابها للخدمة المدنية"!

 

حراك شبابي متصاعد ضد تجنيد العرب الدروز

لا يبدو حراكهم عاديًا، رغمَ أنّهم بيْنَ الذين يرفعون صوتهم من خلال برامج ضد التجنيد، أو من خلال تظاهرات تُرفع فيها لافتات، يتم اختيار كلماتها بعناية، كي تُثير  الرأي العام الفلسطيني والإسرائيلي معًا، وكي تواجه الإسرائيليين بحقيقتهم الدامغة، وبعنصريتهم المتشرِّشة، وهكذا تتحوّل وقفتهم ونشاطاتهم لبرنامجٍ مدروسٍ بدقّةٍ وقابلٍ للتنفيذ، وتغيير الواقع. نحنُ نتحدث عن مجموعة من الشبّان والشابات، أطلقوا على أنفسهم اسم "الحراك الشبابي"، وليسوا الوحيدين الذين اتخذوا "الحراك الشبابي" عنوانًا لنشاطهم الاجتماعي الموجه لصالح المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل.

وما يُميّز هذه المجموعة، أنّها انطلقت منذ أربعة أعوام وأكثر، واتخذت من مناهضة قضية التجنيد للعرب والدروز همّها الأساسي، ويبدو أن رافضي التجنيد صاروا يملكون قوةً أكبر في المواجهة ليس بالصراخ والنشاطات والفعاليات وإنما أيضًا بالموسيقى، وهي واحدة من الأدوات التي تجعل إسرائيل –الديمقراطية!- تقف خجلى أمام العالم المستنكر والرافِض للممارسات العنصرية الموجهة ضد الفلسطينيين في الداخل، وهذا فهمه الشاب الدرزي الصغير عمر سعد، بتجربته القصيرة في المواجَهة، عندما اصطحب صديقته المقربة "الفيولا" (آلة موسيقية) لتشاركه فرحه وتميّزه في الموسيقى، وكانت معه عندما قرّر أن يتحدى أوامر التجنيد الإجبارية بحق الدروز، فصرّخ قبل زجه في السِجن، "أنا من طائفة ظُلمت بقانون ظالم، فكيف يمكن أن نحارب أقرباءنا في فلسطين وسورية والأردن ولبنان؟ كيف أحمل السلاح ضد إخوتي وأبناء شعبي في فلسطين؟! كيف يمكن أن أكون جندياً على حاجز قلنديا أو أي حاجز احتلالي آخر وأنا مَن جرّب ظلم الحواجز؟! كيف أمنع ابن رام الله من زيارة القدس مدينته؟ كيف أحرس جدار الفصل العنصري؟ كيف أكون سجَّاناً لأبناء شعبي وأنا أعرف أنّ غالبية المسجونين هم أسرى وطلاب حق وحرية؟!"..

 

في مواجهة التجنيد

تقول الناشطة الاجتماعية في الحراك الشبابي ميسان حمدان "نحنُ عرب فلسطينيون نعيش فوق هذه الأرض، قبل أي تعريفٍ آخر"، وتضيف "لقد قمنا بتأسيس هذا الحراك في محاولة مِنا لتغيير واقع الشبان العرب والدروز وموقفهم من التجنيد الإجباري وكافة أنواع التجنيد، ونقوم من خلال عملنا بمتابعة القضايا المصيرية التي تخصنا ونقوم بطرحها بأساليب مختلفة."

وتضيف: "من خلال الحراك الشبابي نسعى لتغيير الإيمان بإسرائيل وسياستها ذات الصورة المشوّهة تجاه أبناء الشعب الفلسطيني، ونحنُ عبارة عن مجموعات نقوم بمرافقة الشبان الرافضين للتجنيد ونساندهم قانونيًا ومعنويًا، واليوم لوحظ حراك شبابي أكبر، بعدما زادت موجة الرفض بشكلٍ ملموس، وخير مثال على ذلك قضية عمر زهر الدين سعد، وسيف أبو سيف وآخرين، أما الذين يتابعون ملفات رافضي التجنيد فهما بالأساس المحامية روان اغبارية والمحامي يامن زيدان، وكلاهما يعملان في المجال القانوني بالأساس، وهما يتابعان القضايا القانونية التي تشمل الاستشارة وتقديم الدعم للسجناء رافضي التجنيد، ويأتي هذا المسار بموازاة المجموعة الشبابية اليهودية التي ترفض الخدمة في الجيش، بينما تعتبر شريحة الناشطين في الحراك الشبابي أنّ رفض التجنيد لا ينحصر على الدروز  فقط، بل على كل متجنّد عربي آخر".

 

الإعلام العبري ودوره المشوِّه

وترى ميسان أنّ "الإعلام الإسرائيلي يشوّه الحقائق في كثير من المسائل بينها عدد المتجندين في الجيش الإسرائيلي، خاصةً أنّ إحصائية دقيقة في الموضوع غير موجودة، لكنّ نسبة رافضي التجنيد كبيرة، وعدم إعلانهم عن رفضهم للتجنيد هو من حقهم وحريتهم الشخصية، فهم يخشون على مستقبلهم، لكنّني أود التأكيد أنّ هناك عددا كبيرا من رافضي التجنيد المتوجهين إلينا للاستشارة، كما أنّ هناك زيادة في عدد الناشطين المنضمين للحراك الشبابي وبينهم دروز".

 

رافض التجنيد الدرزي عمر سعد ليس وحيدًا!

تقول ميسان حمدان: إنّ الخطوة التي قام بها عمر سعد، حيثُ قام بإيصال رسالته برفضه للتجنيد من خلال الموسيقى، هي مهمّة جدًا، وقد غيّرت الخطوة التي قامَ بها عمر النظرة عن الشباب الدروز الذين يعتبرونهم متأسرلين ويضعونهم في قوالب الخيانة، إذ رفض التجنيد بطريقة راقية". وتشدّد ميسان على رفضها شخصنة قضية التجنيد، وتضيف "هناك عشرات أو مئات رافضي الخدمة الذين لا نعرف كيف يمضون محكوميتهم وكيف يتم التعامل معهم، وما فعلته الصحافة والإعلام العربي والعالمي، لم يكن منصفًا بحق الآخرين، رغم قناعتي بأنّ عمر سعد استطاع أن يؤثر على كثيرين وأن يرفع سقف النضال ضد التجنيد، بسبب خطوته المميزة في رفضه للتجنيد من خلال الفن، لكنه ليس الوحيد، بل إنّ حكمه قد يكون أقل من غيره، وهنا تلعب السلطات دورها، حيثُ تحاول أن تُرضي العالم الغربي، الذي ساءَه فرض التجنيد على الشبان الدروز  وزجهم في السجون إذا ما رفضوا ذلك."

وعن أهمية مشاركة النساء في الحراك الشبابي تقول ميسان حمدان: "كلنا نعرف أنّنا نحيا في ظل احتلالٍ فكري، شبابًا، صغارًا، كبارًا، وشابات، لكنّ المرأة قررت أن ترفع صوتها ضد التجنيد، وخصوصًا صوت الأم التي تعيش في قلقٍ دائم خوفًا على أبنائها، ولشعورها أنّ ابنها يُنتزع مِنها تاركًا تعليمه وحضن عائلته، ومتجهًا نحو مواجهة أشقائه العرب. لكنّنا قررنا أخذ دورنا وتحريك زمام الأمور، من خلال صرخة حق في وجه الاحتلال، وأهم خطواتنا القريبة، إطلاق حملة إعلامية مهنية ضد الخدمة المدنية، وسنزور عمر الذي سيعود الى بيته لاستراحة ليومٍ واحد الأحد القريب، بينما يعود مرة أخرى إلى سجنه، ويبقى آخرون قد لا نعرف عنهم شيئًا، يقبعون تحت ظلم الاحتلال وقسوة السجان".

 

رأفت حرب: "الحراك امتداد مطلوب"

وردًا على سؤالٍ لأحد أعضاء الحراك الشبابي، الناشط رأفت حرب  (هو رافض خدمة)، عن بروز الحراك الشبابي في السنة الأخيرة، رغمَ انطلاقه قبل 4 سنوات جاء رده: "الحراك العربيّ، بل الدرزي في الماضي بشكل خاص ضدّ التّجنيد الإجباري المفروض على أبناء الطائفة هو حراك له تاريخه الذي بدأ منذ فرض القانون ذاته، أو حتّى من قبل، ونحن كمجموعة نرى أنفسنا امتدادا مطلوبًا في الوسط الدّرزي لهذا النّضال."

ويضيف: "إنّ المجموعة نفسها كأشخاص شُكّلت قبل ما يقارب الأربع سنوات، لكن مبدأ الرّفض والنّضال داخل الطائفة ضدّ القانون بدأ من قبل فرضِه. وقد برز الحراك مؤخّرًا بفعل نشاطاته العامّة التي تأخذ اليوم حيّزًا وشكلا جديدًا في الوسط العربي والإعلام بشكلٍ عام وفي وسط الشباب الدروز الذي صار يجهر برفضه ويعلنه دون خوف أو خجل بشكل خاص، بالإضافة للمساهمات التي تقوم بها المجموعة نفسها من دعم للرافضين والمترددين ومن إيصال أصواتهم وقصصهم إلى آذان الناس داخل وخارج الطاّئفة ورفع مستوى الوعي على مختلف الأصعدة وبمختلف الأدوات من أجل إظهار الوجه الحقيقيّ المغيّب بكلّ ما يتعلّق بالطائفة الدرزية وانتماءاتها.

والجدير بالذكر أن الحراك مؤلّف من أشخاص أكاديميّين/ات وغير أكاديميّين/ات متدينين وغير متديّنين، من داخل الطائفة ومن بقيّة الطوائف، الأمر الذي يلقي على عاتقنا مسؤوليّة كبيرة تجاه المجتمع ككلّ بغضّ النظر عن المسؤوليّة الأساسيّة تجاه الطائفة بشكل خاص. فنحن نؤمن بالتغيير، ونؤمن بقدرة هذا الجيل على إحداث التغيير الذي لا بدّ أن يحدث في المجتمع العربي، بدءًا من الدروز كطائفة غُيّب عنها تاريخها وانتماؤها بواسطة فرض قانون التجنيد وفصل المناهج التعليميّة والمجالس المحليّة عن بقيّة العرب والكثير الكثير، الأمر الذي يخلق "غسل دماغ" لا يبقي وراءه أيّ آثار لهويتنا، لغتنا وانتمائنا، وانتهاءً ببقيّة العرب، كحضن عليه أن يحمي ويدافِع عن أطيافه جميعها، من ضمنها الدروز".

 

دور الحراك الشبابي في التأثير والتوعية ضد رفض الخدمة العسكرية/المدنية

يقول رأفت حرب إنّ "عدد الرافضين يزداد يومًا بعد يوم، تمامًا كما يزداد يومًا بعد يوم الدّعم الإعلامي والشخصي للرافضين، بفعل مواقع التواصل الاجتماعيّة وإمكانيّة وصول الأخبار بشكل أسرع ولأكبر عدد ممكن."

ويضيف "لقد استطاع عمر سعد أن يصل العالم، ولكنّنا نؤمن أن كلّ رافض يجب أن يصل صوته للعالم، وهذه مسؤوليّتنا كمجموعة، كشعب وكإعلام طبعًا، فالمجموعة لا تؤمن بقضيّة الأشخاص، بل تؤمن بقضيّة شعب، والمبدأ الذي يترفّع عن الأشخاص أنفسهم، طبعًا بموازاة الدعم المعنوي والمرافقة للأشخاص، الأمر الذي ترونه في وقفاتنا ومظاهراتنا خاصّة بالفترة الأخيرة في وقفاتنا أمام سجن عتليت لدعم الرافضين القابعين هناك وفي أي سجن آخر"، لافتًا إلى أن المجموعة بمواظبتها وتمسّكها بمبادئها استطاعت أن تستمرّ بعملها الى الآن وستستمر حتى إسقاط هذا القانون.

 

المحامي يامن زيدان: لنا الحق في تزويدنا بالأرقام الحقيقية للمجندين!

في تصريحاتٍ له نُشرت في وسائل الإعلام أكدّ محامي الأسرى يامن زيدان (ومحامي الحراك الشبابي)، رفضه لادعاءات إسرائيل المشيرة إلى أن حوالي 82% من الدروز خدموا في الجيش، بشكل فاق خدمة اليهود، والبالغ نسبتهم 74%.، مشيرًا إلى أن مؤتمر هرتسليا للأمن القومي أفاد أن نحو 51% من الطائفة تهرّبوا من الجيش.