خاص/ مجلة القدس- تحقيق: ولاء رشيد

يُعدُّ مستشفى الهمشري أكثر مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني تمايزًا، لا بسبب جودة الخدمات الطبية التي يُقدِّمها وتفاني طاقم العمل فيه فحسب، بل لأنه يضم القسم الوحيد لغسيل الكلى بين مستشفيات الهلال الأحمر أيضًا، بحيثُ يشكِّل المتنفَّس والملجأ الوحيد لمرضى الكلى الفلسطينيين، مخفِّفًا عن كاهلهم العديد من الأعباء المادية، في ظل غياب دور الأونروا وتجاهلها التام لهذه الشريحة من المرضى.

 

من التأسيس وحتى إعادة التأهيل

يُرجع مدير مستشفى الهمشري الدكتور رياض أبو العينين تأسيس قسم غسيل الكلى إلى 18 عامًا خلت، ويوضح "يتبع قسم غسيل الكلى كباقي أقسام مستشفى الهمشري للهلال الأحمر الفلسطيني، وقد تأسَّس عام 1996 بجهود وتمويل شخصي من المرحوم السيد حسين الطبري، بالتعاون مع جمعية الرعاية الصحية التي تتلقى الدعم من جمعية التعاون، وهو يعمل بكفاءة عالية منذُ تاريخ تأسيسه ليوفِّر خدمة غسيل الكلى مجانًا لمرضى الفشل الكلوي من الفلسطينيين في لبنان. وبدوره يقوم الهلال الأحمر بتغطية جزء من العلاج للمرضى في القسم من ناحية الطاقم الطبي من أطباء وممرضين، والمواد الطبية كالأمصال والأدوية، إضافة لوجود القسم في المستشفى وبالتالي فرعاية القسم تتم من قِبَل إدارة المستشفى".

ويضيف الدكتور أبو العينين "يستقبل القسم حوالي 66 مريضًا شهريًا من مختلف المناطق، ويقوم معظمهم بـ3 جلسات أسبوعيًا، ويتجاوز معدل الجلسات التي تُجرى في القسم الـ600 جلسة شهريًا. وحاليًا هناك 62 مريضًا  يلازمون المستشفى، بينهم 12 فلسطينيًا نازحًا من سوريا، ومريضان سوريَّا الأصل".

وحول أبرز العقبات التي تواجه مرضى الكلى الفلسطينيين، يقول الدكتور أبو العينين: "تكمن صعوبة حالة هؤلاء المرضى في أن مريض غسيل الكلى يصنَّف ضمن حالات الأمراض المزمنة (Chronic Disease) ويحظى بالتالي في جميع دول العالم بعلاج مجاني تتكفَّل به حكومات الدول، في حين أن المريض الفلسطيني يُصنَّف ضمن ما تعتبره وكالة الأونروا "الدرجة الصحية الثالثة"، وبالتالي ترفع يدها بالكامل عن مساعدتهم سواء أكان من ناحية كلفة العلاج أم الأدوية الباهظة، علمًا أن كلفة جلسة غسيل الكلى في أي مستشفى تتخطى الـ100دولار. ورغم محدودية إمكانيات الهلال الأحمر فقد تكَّفل بالتعاون مع جمعية الرعاية الصحية بعلاج أي مريض فلسطيني يحتاج لجلسة غسيل مجانًا رغم أن هذا يُشكِّل عبئًا على المستشفى أحيانًا إذ إن تكلفة علاج المرضى الشهرية تتخطَّى الـ5000دولار، غير أن ذلك لا يفي بالغرض إزاء أسعار الأدوية التي يحتاجها هؤلاء المرضى ولا سيما حقن (الايبوتين) والـ(Hemax)، حيثُ أن المريض يحتاج لحقنة بعد كل جلسة وكلفة الحقنة الواحدة تتراوح ما بين 30,000ل.ل إلى 40,000ل.ل، وبحسبة بسيطة نجد أن ثمن الحقن بمفردها يتجاوز 500,000ل.ل شهريًا للمريض الواحد، إلى جانب أدوية الضغط والسكري وغيرها التي تتناسب وحالتهم، علمًا أنه في وقت سابق كانت تصلنا نحن وجمعية الرعاية الصحية بعض هذه الأدوية والحقن من الجمعيات والدول المساعدة للهلال الأحمر، ولكن هذه التبرعات كانت لا تكفي سوى لتغطية شهرين أو ثلاثة ثم تنفَذ ونمر بحالة انقطاع منها، ومنذُ حوالي سنة ونصف السنة لم يتم التبرع لنا بأي من هذه الأدوية. كذلك فمسألة كلفة التنقلات علاوة على مشقتها تطرح أزمة أخرى أمام مريض الكلى الذي لا يقوى ماديًا على تبِعاتها".

ويلفت الدكتور أبو العينين إلى أن حيوية الدور الذي يؤديه القسم تقتضي إيلاءه الاهتمام الدائم والمتواصل، مما استدعى إعادة تأهيله مؤخّرًا لتوفير العناية الفضلى للمرضى على حد تعبيره، ويضيف "تركَّزت إعادة تأهيل القسم على استبدال كراسٍ حديثة مُعَدّة لمرضى غسيل الكلى بالأَسِرَّة التي كانت موجودة، كما تمَّت إعادة تأهيل شبكة المياه ومحطة التكرير وتم توسيع القسم ووضعنا تلفزيونات للمرضى للترفيه عنهم خاصة أن الجلسة تمتد من 4 إلى 4 ساعات ونصف".

بدوره يشيد مسؤول قسم غسيل الكلى الدكتور أحمد جنداوي بالتأهيل الذي لحق بالقسم، ويوضح "أفضل تغيير يكمن في الكراسي الجديدة المخصصة لمرضى الكلى وذلك لتوفير قدر أكبر من الراحة لهم ولتسهيل حركتهم خاصةً أن بعضهم يعانون انخفاضًا في الضغط بعد جلسة الغسيل، وبالتالي لم تعد هناك حاجة لتحريك جسم المريض وتعديل جلسته، بل يمكن للممرِّض أن يتحكم بجلسة المريض عبر الكرسي نفسه. كذلك فقد وفَّر توسيع مساحة القسم حيزًا أكبر للمريض والأجهزة. وبالإضافة إلى ذلك، قمنا بنقل مكان جلوس الممرضين "الكونتوار" ليتم الإشراف على المرضى بصورة أفضل. وقد زاد عدد وحدات غسيل الكلى من 14 إلى 17 وحدة تعمل بصورة دائمة، وهناك وحدتين إلى ثلاث تبقى معدة في حال حدوث أي طارئ. كما خضع القسم لصيانة شملت تجهيزاته كافةً كالتمديدات الكهربائية، وشبكة المياه والأنابيب والتوصيلات، وآلة تكرير المياه وغرفة التكرير، وترميم وطلاء الأسقف والجدران، وقد تقدمنا بطلب إلى جمعية لتزويدنا بتجهيزات أخرى للقسم. والحمد الله لا تواجهنا حاليًا أية عقبات في عملية علاج المرضى".

 

وفرة في الجهود وضعف في التمويل

حول الدور الذي تؤديه جمعية الرعاية الصحية في رعاية مشروع قسم غسيل الكلى، قالت مديرة الجمعية بهيجة مياسي: "يكمن دور الجمعية الأساسي في تقديم خدمة غسيل الكلى المجانية لمرضى الفشل الكلوي، والإشراف على القسم ومتابعة سير العمل فيه وإدارة المشروع مباشرة عن طريق تأمين المواد الطبية الاستهلاكية الشهرية وبعض اللوازم الطبية للقسم، إضافةً إلى تغطية حوافز بسيطة للكادر الطبي في مستشفى الهمشري تشجيعًا وتقديرًا لجهودهم. كما أن الجمعية مسؤولة عن صيانة آلات غسيل الكلى وتكرير المياه وجهاز تجميع الكهرباء، حيثُ أن الجمعية وقَعت اتفاقيتين لصيانة الأجهزة والتمديدات الكهربائية مع شركتَي (Braun) و(Fresenius). والجدير بالذكر أن المنحة التي كان قد تبرَّع بها المرحوم الطبري للقسم قد تضاعفت بعد التبرع السخي من مؤسسة التعاون التي نرفع لها تقارير دورية باحتياجات القسم وحالته والمستجدات بخصوصه وتأتي الميزانية بناء على دراسة الاحتياجات. كذلك تُعاونُنَا مؤسسة النداء الفلسطيني الموحَّد (UPA) وهي مسؤولة عن تمويل مد القسم بالاحتياجات المدنية، علاوة على بعض الهبات العينية من جمعية أنيرا"، وتستدرك "ومع ذلك تبقى هناك بعض الصعوبات التي تطرأ أحيانًا لغياب التمويل، ولكننا نحاول قدر الإمكان تغطية ما يحتاجه المركز، وعلى سبيل المثال، فمنذُ سنة لم تكن كافة الفحوصات متوفرة مثل الـ(HIV) وغيرها، أمَّا الآن فقد أصبحت متوفِّرة".

وفيما يتعلَّق بتمويل عملية إعادة تأهيل القسم، لفتت مياسي إلى أن الدعم والتمويل كان من قِبَل جمعيتَي النداء الفلسطيني الموحَّد التي تكفَّلت بإعادة تأهيل القسم، ومؤسسة التعاون (Welfare Association) التي تولَّت إعادة تأهيل وصيانة آلة تكرير المياه والأنابيب، مؤكِّدةً أن الجمعية تعمل على خدمة المرضى قدر المتاح ضمن الميزانية المرصودة.

 

رسالة برسم المعنيين

في حين يُجمع كل من الدكتور أبو العينين والدكتور جنداوي والسيدة مياسي على أن المستشفى والجمعية تبذُل قصارى جهدها لضمان الحد الأدنى على الأقل من الراحة للمرضى، فإنهم لا يتوانون عن توجيه النداءات المتعددة إلى المتموّلين والمعنيين من أجل دعم ومساعدة هذه الشريحة من المرضى عبر تغطية كلفة المواصلات أو الأدوية نظرًا لارتفاع كلفتها، أو دعم الهلال لشراء الحقن والأدوية، أو أي مساعدة من شأنها ضمان استمرار عمل القسم.

وفي هذا الصدد يضيف الدكتور أبو العينين "دعَونا الأونروا والمؤسَّسات الاجتماعية في آخر لقاء جمعنا بهم للبدء على الأقل بخطة عمل تهدف لافتتاح أقسام لغسيل الكلى في جميع المناطق وخصوصًا في الشمال لصعوبة التنقُّل والمشقة التي ستؤثِّر على صحة المريض، خاصةً بعد توقف الأونروا عن تغطية تكاليف علاجهم بعد إيقافها خطة الطوارئ، وكانت وزارة الصحة اللبنانية قد تكفَّلت بعلاج مرضى منطقة الشمال مجانًا بناء على قرار من رئيس مجلس النواب نبيه بري ولكن فقط لفترة مؤقتة، إذ إننا لا نعرف متى قد ترفع يدها عن هذا الموضوع بسبب تقلُّب الحكومات والحالة السياسية، وبالتالي ما زالت هناك حاجة لحل دائم. كما طالبنا الأونروا -كونها المسؤولة عن علاج اللاجئين الفلسطينيين- بتحمُّل مسؤولياتها تجاه مرضى الكلى وبعض المرضى الذين لا تغطي من تكلفة علاجهم شيئًا، ونناشد كل شخص ميسور قادر على المساعدة أن يحاول قدر الإمكان التخفيف من عبء هؤلاء المرضى. ونحن كنا قد طلبنا إلى بعض المؤسسات ورجال الأعمال الفلسطينيين أن يحاولوا تقديم المساعدة على الأقل فيما يتعلَّق بنفقة المواصلات، حيثُ أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت تغطيها سابقًا بشكل رمزي، وتوقَّفت الآن بسبب الضائقة المالية التي تعانيها".

 

ضاقت بهم السُبُل

ريما طه سيدة فلسطينية مطلّقة تعيش مع ابنها ووالدتها الأرملة. أصيبت ريما بالفشل الكلوي منذُ فترة طويلة وهي تجري جلسات غسل للكلى منذُ 14 عامًا في مستشفى الهمشري. وحول نوع الخدمة التي تحصل عليها تقول: "الحمد لله من جهة العلاج والجلسة فكل شيء متوفِّر هنا وأنا أحظى بمعاملة وخدمة جيدة، وقد ازداد شعوري بالارتياح بعد إعادة تأهيل القسم حيثُ أصبح أكثر اتساعًا وترتيبًا"، وتستدرك "لكن المشكلة تكمن في التكاليف الإضافية. فأنا أسكن في مخيم البص واحتاج لثلاث جلسات أسبوعيًا مما يكبِّدني تكلفة مواصلات لا طاقة لي بها، هذا علاوة على تكلفة الأدوية إذ إن كلفة أدويتي الشهرية تتجاوز الـ400.000 ل.ل خاصة أن مريض الكلى يحتاج لإبرة بعد كل جلسة غسيل يجريها، إضافةً إلى أدوية الكالسيوم والـ(One Alfa)، ولا أحد يغطي هذه النفقات. لذا أتمنى من المعنيين والميسورين أن يساعدونا بكلفة المواصلات والأدوية".

أمَّا فاطمة قبلاوي فهي نازحة فلسطينية من سوريا، وأم لأربعة أطفال أكبرهم في الثامنة. بدأت تجري جلسات غسيل الكلى منذُ 9 أشهر وهي تسكن في عين الحلوة في منزل شقيقها. ورغم مجانية وجوَدة العلاج الذي تشير قبلاوي إلى أنها تحظى به، فهي تلفت إلى أن هذا وحده لا يكفي للحد من معاناتها جرَّاء التكلفة العالية للدواء علمًا أن زوجها كان قد تعرَّض لإصابة جرَّاء الأحداث في سوريا. وتأمل قبلاوي أن تحظى بمساعدة في ثمن الأدوية خاصةً أن الوضع المادي لشقيقها غير جيد. وحال فاطمة ليست أفضل من حال نظيرها النازح من سوريا محمود عبد الله، الذي يقطن وزوجته في بيت مستأجر في مخيم شاتيلا، وهو يجري جلسات غسيل الكلى منذُ 3 سنوات، بمعدل جلستين أسبوعيًا. وبدوره فإن عبد الله يناشد المتمولين تقديم المساعدة في تغطية كلفة المواصلات والأدوية. هذا ويجمع كل من قبلاوي وعبد الله على جودة الخدمة الطبية وعدم وجود أي تمييز في العلاج والخدمة بينهم وبين نظرائهم من فلسطينيي لبنان.

من جهته، يعاني فهمي نمر الأشقر- الذي بدأ بغسل الكلى منذُ حوالي 3 أشهر- من تكلفة الأدوية الباهظة التي تبلغ شهريًا حوالي 450.000 ل.ل، إضافةً إلى تكلفة المواصلات لكونه قاطنًا في منطقة الغازية، في حين أنه ليس لديه وزوجته من يعيلهما وهو غير قادر على العمل بسبب حالته وتقدم سنه، هذا علاوةً على حاجته الماسَّة لإجراء عملية لعينيه بعد إصابتهما بـ"المياه الزرقاء"، ويضيف الأشقر "نحمد الله على توفُّر جلسة الغسيل مجانًا وإلا ماذا كنا لنفعل، فالجلسة خارجًا كانت لتُكلِّفنا أكثر من 150دولار، وأنا أقوم بجلسة غسيل بمعدل مرتين أسبوعيًا. كذلك فالخدمة هنا جيدة وهناك اهتمام كبير من قِبَل الطاقم الطبي، ولكنني أدعو كل ذي قدرة مادية أن يمد لنا يد العون".