خاص مجلة القدس/ تحقيق: مصطفى ابو حرب

منذ ست سنوات وتجار مخيم نهر البارد يعانون الأمَّرين بسبب دمار تجارتهم نتيجة حرب البارد التي اندلعت في 20/5/2007، وخسارتهم جنى العمر في ليلة وضحاها. أولئك التجار الذين تجاوزت خسارتهم 100 مليون دولار، لم يجدوا من يعوِّضهم أو يقف إلى جانبهم علمًا أنهم طرقوا كل الأبواب فلم يُفتح لهم ولا باب من أبواب الخير. وها هم يقعون تحت مطرقة الديون وفوائدها التي تراكمت عليهم وسندان الديون التي لهم ولم يُسددها أحد من زبائنهم.

 

نهر البارد..من مركز تجاري إلى منطقة منكوبة

يلفت أمين سر اللجنة الشعبية الدوري في مخيم نهر البارد فرحان عبدو إلى أن المخيم كان يُعدُّ المركز لاقتصادي الأول في عكار إذ كان يضمُّ 300 تاجرًا يعملون في التجارة من الدرجة أولى، وقرابة 850 تاجرًا عاملين في التجارة المتوسطة، وما يزيد عن ألف تجارة صغيرة.

ويضيف "الخسارة الكبيرة كانت لأصحاب التجارة الكبيرة جدًا مثل تجارة الأدوات الصحية، والذهب، والخرضوات، ومعامل البوظة، والخضار إضافةً إلى سوق الجزارين الذي كان يغذي كل طرابلس وعكار باللحوم، وتجار الألبسة، وتجارة المواد الغذائية بالجملة والأدوات المنزلية، خاصةً أن تجارة المخيم كانت تستقطب تجارًا من كل محافظة الشمال وقرى عكار، وكان سوق نهر البارد يمتدُّ من العبدة شمالاً إلى جسر نهر البارد جنوبًا بطول 1 كلم2".

ويتابع "بعد أحداث 20/5/2007، ومغادرة أهالي البارد نتيجة أحداث فتح الإسلام، تمَّ تدمير المخيم تجاريًا واجتماعيًا وبنيويًا، وعندما عاد أهالي المخيم لم يجدوا شيئًا علمًا أن جميع أهالي المخيم غادروا بملابسهم. أمَّا الآن وبعد مضي سبع سنوات على الأزمة، فقد عاد قسم كبير من الأهالي إلى المخيم وعاد بعض التجار إلى عملهم، ولكن للأسف فنتيجة للحالة العسكرية والحصار العسكري الذي ما زال يُحيط بالمخيم، فإن هؤلاء التجار الذين كانوا يعملون اكثر من 18 ساعة يوميًا، لا يستطيعون الآن تأمين أُجرة المحل الذي يديرونه. كذلك فهناك قسم كبير منهم قد تخلَّى عن تجارته لأنه فقد ماله، في حين أن قسمًا آخر منهم اضطر مرغمًا لنقل تجارته إلى خارج حدود المخيم لأن زبائنهم لا يستطيعون الدخول إلى المخيم بحرية، مما خلَّف أثرًا بالغ الخطورة على الوضع الاقتصادي للمخيم حيث أصبح دائرة مفرغة ومغلقة. وعلاوة على ذلك، فإن التجار متوسطي الحال قد غابوا عن الساحة التجارية نهائيًا، حيث لم يعد لهم مكان في هذا السوق التجاري، ومما زاد الأمور تعقيدًا البطء الشديد في إعادة الإعمار حيث أن السوق الأساسي يقع في المخيم القديم ويوجد فيه ما يزيد عن 500 محل تجاري، وحتى هذا اليوم لم يعاد بناء هذا السوق".

 

ازدواجية في التعويض..وإقصاء لدور الفصائل

يؤكِّد عضو لجنة إقليم لبنان مسؤول حركة "فتح" في الهيئة العليا لمتابعة إعمار مخيم نهر البارد، عاطف عبد العال أن تُجار نهر البارد حتى اللحظة لم يتم تعويضهم، ويتابع "خاطبنا الجهات المعنية من الدول المانحة والسلطة الفلسطينية والحكومة اللبنانية وهيئة الإغاثة وصندوق المهجرين، ولغاية الآن لم نصل لنتيجة بالرغم من أنه في بداية الأزمة تم رصد مبلغ لمساعدة التجار وإعمار المخيم الجديد، ولكننا فوجئنا بدفع مبلغ للجوار اللبناني، وعندما سألنا عن مصدر المال تذرَّعت الحكومة اللبنانية بأن المبلغ أتى من لجنة الإغاثة اللبنانية لا من الدول المانحة، رغم معرفتنا بأن المبلغ اقتُطع من مساهمة الدول المانحة. ومن هنا، رفعنا صوتنا وطالبنا بحقوق الأهالي، وللآن لم نرَ شيئا، لذا فسنصعِّد تحركاتنا ونرفع صوتنا خاصةً أن هناك مواضيع أخرى بالغة الأهمية وعلى رأسها موضوع المباني المهدمة كليًا التي لم تلحظ حتى الآن بأي شكل من أشكال المساعدة أو حتى الذِكر رغم أنها أكثر من 105 بيوت منسية ولا بصيص أمل حتى الآن بخصوصها، إضافةً إلى مسألة أرض "م.ت.ف" التي صادرتها الدولة اللبنانية وهي تتضمَّن أرض صامد وملعب الشهداء، وفي هذا الصدد نسعى لرفع وتيرة تحركاتنا التي سيشاركنا فيها شبان من الأندية الرياضية. وبالعودة لموضوع التجار، فقد حاولنا مخاطبة الدولة اللبنانية أكثر من مرة لكونها هي التي تتحمَّل المسؤولية الكبرى في هذا الموضوع، إلا أنهم طلبوا إلينا الانتظار حتى تشكيل حكومة جديدة".

وأردف عبد العال "غير أن المشكلة تكمن في أننا كفصائل فلسطينية لا يتم التعامل معنا على أننا شركاء في هيئة الإعمار، بل على أننا نُشكِّل وجودًا سياسيًا فقط، إذ إننا لا نُشرف على توزيع المال ولا نعلم حجم المبالغ التي تصل لأن الأموال تصل للدولة اللبنانية والأونروا، ولا يمكننا الاطلاع على تفاصيل هذه الأمور، ولكن لا بد أن أشير إلى أن هناك هدرًا كاملاً بالنفقات والمصاريف. كذلك فالدول المانحة حاليًا تتذرعَّ بأن نقص التمويل مرده تحويل الأموال لموضوع أزمة النازحين من سوريا".

وحول موضوع خطة الطوارئ الذي كان قد أُثير بعد قرار الأونروا إلغاء هذه الخدمات، قال عبد العال: "بعد سلسلة اعتصامات وتحركات مطلبية، وخصوصًا خيمة الاعتصام التي أُقيمت أمام مقر الأونروا، وافقت الأونروا على إعادة النظر بالإيجارات وهناك صيغة جديدة للإغاثة في المخيم ونحن نتابع موضوع العلاج مع الأونروا حسب الاتفاق الأخير الذي تمَّ، واتفقنا على أن تتكفَّل الأونروا بتغطية الدواء، ولكننا فوجِئنا بأن بعض الأدوية غير متوفِّرة".

وختم عبد العال بالقول: "بالنسبة للمخيم القديم، وصل الإعمار إلى الرزمة الخامسة، وحاليًا تُجري الأونروا دراسات وإحصائيات لتخفيض عدد المستفيدين من الإيجارات بعد أن كانوا قرابة 3000 عائلة، علمًا أننا نطالب بزياد المبالغ الممنوحة للإيجارات. وأخيرًا فإننا نناشد سيادة الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية في الداخل للضغط على الحكومة اللبنانية لإتمام إعمار مخيم نهر البارد والتعويض عن التجار بناء لاتفاق فيينا، والضغط باتجاه إبقاء البرنامج الإغاثي جاريًا".

بدوره، يلفت عبدو إلى أن مؤتمر فيينا كان قد أقرَّ مبلغ 165 مليون دولار للتعويض عن المخيم الجديد ومن ضمنهم التجار بمبلغ 45 مليون للجوار اللبناني و128 مليون للمخيم الجديد، ويستدرك "لكن الدولة اللبنانية قامت بالتعويض عن التجار والسكان من أبناء الجوار والإخوة اللبنانيين الذين يسكنون داخل المخيم، أمَّا التاجر الفلسطيني فلم تعوضه من هذا الصندوق بأي (مليم)، فقامت "UNDP" بتقديم هبة مالية عن طريق الأونروا إلى التجار، واستفاد منها 250 تاجر درجة أولى وتراوحت الهبة بين 5000 إلى 7500 دولار وقامت بدفع هبة مالية أخرى لأصحاب التجارة المتوسطة، وقد استفاد منها 750 تاجر حيثُ تراوحت ما بين 1500 إلى 3500 دولار حسب وضع التاجر".

وينوِّه عبدو إلى أن المبلغ- على ضآلته- مكَّن العديد من التجار من البدء بعمل، لافتًا إلى استمرار اللجنة الشعبية والفصائل بمتابعة هذا الملف مع هيئة الإغاثة ولجنة الحوار والأونروا، ومضيفًا "إلى هذه اللحظة لم نتلقَّ أي جواب ايجابي، وحتى أن هناك هبة ايطالية وُعِدنا بها وعلمنا أن الأموال موجودة في صندوق المهجرين ولم يُفرَج عنها حتى هذا التاريخ. ونحن كلجنة شعبية نُطالب الدولة اللبنانية والأونروا كونها الشاهد على مؤتمر فيينا بمتابعة هذا الملف لإلزام الدول التي التزمت بتقديم الاموال لهذا الملف كي تثبت الحق للتجار بالتعويض ولو بجزء قليل من حقهم.كما نطالب الدولة اللبنانية بإعادة الحياة المدنية إلى المخيم وهذا الشرط الأول لعودة الحياة الطبيعية لأهله وجواره كي يستعيد دوره الاقتصادي الفاعل مع محيطه".

 

خسائر فادحة..فمن يعوضها؟!

 

يشير رئيس لجنة تجار مخيم نهر البارد أبو علي موعد إلى عقد مؤتمرين على خلفية الحرب التي حصلت في مخيم نهر البارد، أحدهما تحضيري لمؤتمر فيينا، والثاني مؤتمر فيينا الذي حصل في 23 حزيران 2008 بالاجتماع التحضيري للدول المانحة لاعمار مخيم نهر البارد والجوار، وكان بحضور ممثلين عن الدول المانحة والسفير مكاوي والسفير عباس زكي والأونروا، ويوضح "خلال هذا المؤتمر صدر بيان صحفي عن الأونروا ولجنة الحوار اللبناني الفلسطيني وفيه فقرة تقول (إن إعادة الإعمار في قسمَي المخيم مبني على شراكة حقيقية بين الحكومة اللبنانية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين واهالي المخيم). وهذا الكلام منقول بالنص الحرفي عن البيان المشار اليه، وهذا البناء يجب ان يطال كل ما تهدم وتضرر في المخيمَين نتيجة لهذه الحرب ومنها الإنسان والاقتصاد. ولكن وبعد سبع سنوات، لم ينتهِ إعمار المخيم القديم بعد، ولا بُدِئ إعمار المخيم الجديد، ولم نلحظ أي تعويض عن تجار المخيم الذين فقدوا كل شيء بين ليلة وضحاها. إذ إن تجار البارد خسروا ما يوازي 100 مليون دولار في ليلة واحدة، حيثُ أن عدد المحال التجارية المنكوبة وصل إل قُرابة 1800 محل ومتجر ومؤسَّسة تجارية، وهذه المحال دُمِّرت بالكامل، علمًا أنها كانت تشمل كل أنواع التجارة، ولم يتم تعويض أصحابها من الفلسطينيين رغم أنه تم تعويض التجار اللبنانيين الذين هم خارج حدود المخيم ولم تُدمَّر محالهم، وإنما تعطّلت أعمالهم فكان التعويض عن التعطيل بملايين الليرات اللبنانية والتاجر الفلسطيني خسر ماله وزبائنه لمصلحة التجارة خارج حدود المخيم".

ويضيف موعد "نتيجة عدم التعويض عنه، وقع التاجر الفلسطيني في نهر البارد في عجز مادي بعد تدمير تجارته وتراكم الديون عليه، ونتيجة هذه الأوضاع الصعبة لم يعد بوسعه إعادة فتح متجره بسبب الخسارة الكبرى التي مُني بها. هذا بالإضافة إلى أن المخيم بات منطقة مغلقة ومعزولة عن الجوار تجاريًا لا سيما أن تجارة البارد تعتمد بشكل أساسي ليس على السوق الداخلي للمخيم -لأنه منكوب أصلاً- وإنما على التجارة مع الجوار اللبناني الذي يجد الدخول إلى المخيم  صعبًا بسبب التشديد الأمني".

وحول الخطوات التي تمَّ اتخاذها لمعالجة الوضع يقول: "رغم كل المناشدات والاتصالات التي قامت بها لجنة تجار البارد مع العديد من الجهات المسؤولة لم يتم الالتفات إلى معاناة التاجر الفلسطيني، ولم يتم الالتزام بمقررات مؤتمر فيينا الذي خصَّص مبلغ 1277000 دولار للتعويض عن جميع الخسائر في المخيم الجديد ومن ضمنهم التجار، وهذا المبلغ تم الالتزام به من قبل الهيئات الدولية بما فيها البنك الدولي والهيئات المانحة ولم يعوض منه أي تاجر ولم يُبنَ منه حجر في المخيم الجديد وإنما صُرِف على إنماء القرى المجاورة وتحديث البلديات".

ويردف "من حق أبناء المخيم ان يعوض عنهم بأموال قد رُصِدت لإعمار بيوتهم ولن يتوانى أصحاب الحق عن المطالبة به علمًا ان هذا التاجر الفلسطيني هو مكون اساسي في عملية الاقتصاد اللبناني حيث انه استقدم امواله من الخارج ليدعم بها الاقتصاد اللبناني" متسائلاً عن دور المعنيين في الإضاءة والمطالبة بحقوق أبناء المخيم وخصوصاً التجار، ومضيفًا "هل يُعقَل ان يتم إعطاء تعويض للتاجر بقيمة خمسة أو ستة آلاف دولار كهبة مالية من الاونروا وهو الذي خسر مئات الألوف من الدولارات؟! وكيف لهذا التاجر الوقوف على قدميه واعادة عجلة تجارته ان لم يتم التعويض عنه؟!. وأين دور الأونروا في المحافظة على حق التاجر الفلسطيني في المخيم اسوة بما يقدم بدل أثاث لأصحاب البيوت المهدمة؟!"، خاتمًا بالتأكيد على ضرورة وجود لجنة حوار لبناني فلسطيني دائمة حتى تبقى على اطلاع دائم ومتابعة مشاكل مخيم نهر البارد.

 

من جهته، يُعبِّر ابو محمد بشر، احد تجار مواد البناء ومتعهد وتاجر مواد بناء، عن معاناته قائلاً: "مشاريعي كانت كبيرة وخسارتي جاءت على حجمها.. خسرت كميونات وبيكابات ودنابر وسيارات ومواد بناء كانت تملأ المستودعات وآليات ومولّدات كلها دُمِّرت بالكامل حتى معمل الخفان، و"ستوكات الرمل" والبحص على البحر لم أجد منها شيئًا لذلك تجاوزت خسارتي المليون  دولار اميركي"، ويضيف "لقد سددت ديونًا كانت علي للتجار خوفًا من أن يتلوَّث اسمي في السوق واستطعت أن أجمع جزءًا كبيرًا من ديون كانت لي وهي توازي 360 ألف دولار. كذلك فقد طرقنا كل الأبواب وذهبنا الى كل المرجعيات الفلسطينية واللبنانية، ولكننا لم نجد من يعوضنا سوى الأونروا التي قدَّمت لنا هبات تساعدنا في الوقوف من جديد -كما قالو لنا- فكان هبتي 6000 دولار وهي عبارة عن مصروف شهرين لي ولأولادي".

ويتابع أبو محمد "لقد استُبيح مال التاجر الفلسطيني ودُمّرت تجارته ولم يتم التعويض عن خسارته في الوقت الذي ازدهرت فيه تجارة أناس آخرين على حساب تدمير تجارتنا وذلك بسبب حالة الإغلاق التي فُرِضت على مخيم نهر البارد مانعة حرية الدخول والخروج من وإلى المخيم".

أمَّا محمد صالح الحاج (صاحب محل أدوات كهربائية) فيشير إلى أن خسارته لا تعوَّض لأنها كانت بالمال (حوالي 200 الف دولار) ولكن فصولها لم تنتهِ بعد لان زبائنه أصبحوا يقصدون غيره بسبب إغلاق المخيم، ويعلِّق قائلاً: "أغرقتنا الفوائد، وديوننا على الزبائن لم نستطع ان نجمعها، وبذلك نكون قد خسرنا كل شيء. لقد عوضتني الأونروا بمبلغ 5000 دولار كهبة مالية وافتتحت متجرًا جديدًا، ولكن السوق ضعيف لدرجة أن لا زبونًا من خارج المخيم يقصد المحل، علمًا أن اعتمادنا الأساسي في التجارة هو على الجوار".