بقلم: عنان شحادة

مكثت زوجة المواطن محمد الدرعاوي، ستة أشهر حتى سُمح لها بالخروج من قرية النعمان شرق بيت لحم، بفعل منع قوات الاحتلال لها من مغادرة القرية، لأن مكان سكنها المسجل في البطاقة الشخصية ليس "النعمان"، والعائلة غير موجودة في كشوفات القرية.

يقول الدرعاوي: قصة زوجتي بدأت عندما تزوجنا وأحضرتها من خارج القرية إلى هنا، حيث واجهت عقبة كبيرة من الاحتلال وهي عدم السماح لها بالتنقل حتى داخل القرية، إذ حُرمت من الالتقاء بأفراد أسرتها خلال الأشهر الستة الأولى من زواجنا، وكان الأمر يقتصر على رؤيتهم من وراء الأسلاك الشائكة التي تحيط بالقرية، واستمر الحال حتى تم تغيير مكان سكنها واسم العائلة.

وتابع: "الأمر لم يتوقف عند ذلك، بل إن مغادرة القرية أو العودة إليها تتحكم فيهما قوات الاحتلال الموجودة عند حاجز مزموريا، الوحيد الموصل إلى القرية، التي تحمل كشوفات بأرقام المنازل وأسماء المواطنين، فيُسأل المواطن عن رقم منزله بعد التدقيق في هويته، فإن تطابقت المعلومات يُسمح له بالتنقل".

قصة الدرعاوي واحدة من عشرات الحالات التي تعيشها قرية النعمان، التي يهددها الاختفاء عن الخارطة الفلسطينية، بعد أن ألصق الاحتلال إخطارات على واجهات 45 منزلاً مأهولاً، لهدمها بحجة عدم الترخيص.

تقع قرية النعمان شرق محافظة بيت لحم، وتبعد عن مركز المدينة حوالي 4.5 كم، ويحدها من الشرق أراضي قرية الخاص، ومن الشمال أراضي بلدة صور باهر في القدس المحتلة، ومن الغرب والجنوب مدينة بيت ساحور.

وقال رئيس المجلس القروي في النعمان جمال الدرعاوي: إن "القرية تتكون من المنازل الـ45 المراد هدمها، ومساحتها 1500 دونم، وعدد سكانها 150 فردًا، ومنازلها مشيدة من الحجر القديم، مبينًا أنه لمواجهة المخططات الاحتلالية لضمها إلى حدود بلدية الاحتلال في القدس، تم تأسيس مجلس قروي عام 2013".

وأشار إلى أن القرية تفتقر إلى وجود مدرسة أو روضة أطفال أو حتى عيادة صحية، بل يُمنع أي تغيير في هيكلية القرية من بنية تحتية وشوارع، وأن طلبة القرية يتوزعون على مدارس قريتي الخاص ودار صلاح ومدينة بيت ساحور، حيث يضطرون إلى السير مشيًا على الأقدام لحوالي ثلاثة كيلومترات، وسط ظروف محفوفة بالمخاطر.

كما يكاد يختفي عنصر الشباب من القرية، الذين يضطرون أمام منع التوسع العمراني فيها إلى البحث عن مكان للسكن وبداية حياة جديدة (هجرة بشرية صامتة)، لافتًا إلى أنه في عام 1995 تم بناء آخر خمسة منازل، لكن الاحتلال هدمها عام 1998 بحجة عدم الترخيص.

وقال الدرعاوي: "ويُحرم القادمون من الزوار أو الأقارب من الدخول إلى القرية، إلا لمن يحمل بطاقة شخصية كُتب فيها مكان سكنه، النعمان، أو صاحب منزل له رقم مسجل ضمن الكشوفات الموجودة عند حاجز مزموريا العسكري، بل الأخطر أنه بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 لا يُسمح لسكانها بعبور الحاجز مشيا على الأقدام".

وكشف أن محكمة الاحتلال العسكرية أقرت قبل عام ونصف، فرض ضريبة الأملاك "الأرنونا" على جميع المنازل في القرية، عن ست سنوات ماضية، وقد تم دفع ما بين 30-60 ألف شيقل، عن كل منزل.

من جانبه، أكد الباحث في مجال الاستيطان والجدار حسن بريجية، أن هدم قرية بالكامل هو إبادة جماعية منافية للقانون الدولي، وكل ذلك بهدف توسيع المناطق الاستعمارية على حساب الوجود الفلسطيني، مشيرًا إلى أن منازل القرية أقدم من دولة الاحتلال.

وأضاف بريجية:أنه في حالة تنفيذ إخطارات الهدم، فسيتم فصل محافظة بيت لحم عن القدس بشكل كامل، بحكم أن النعمان ملاصقة لحدود قرية صور باهر المقدسية.

وبحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فقد أصدرت سلطات الاحتلال العام الماضي 903 إخطارات بهدم منشآت فلسطينية بحجة عدم الترخيص، تركز توزيعها في محافظات: الخليل بـ180 إخطارًا، ومحافظة أريحا والأغوار بـ140 إخطارًا، ثم محافظة بيت لحم بـ126 إخطارًا، منها 20 إخطارًا تستهدف برية بيت لحم الشرقية.

ونوهت إلى أن سلطات الاحتلال نفذت خلال عام 2024 ما مجموعه 684 عملية هدم، هدمت خلالها 903 منشآت في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس المحتلة، وتضرر جراء ذلك 4332 شخصًا، منهم 2320 طفلاً.

وتركزت عمليات الهدم في محافظات: القدس بـ190 عملية هدم، ثم محافظة الخليل بـ172 عملية هدم، ومحافظة بيت لحم بـ68 عملية هدم.