ليس مفاجئا على الاطلاق اننا بعد انقضاء سبعة شهور من المفاوضات مع الاسرائيليين بوساطة اميركية يقودها جون كيري وفريقه الكبير، لم نر حتى الآن خطة اميركية ،ولا رؤية اميركية متبلورة بشكل نهائي, ولا حتى علامات على الرغبة في الاسراع من قبل الوسيط الاميركي, الذي هو نفسه العنصر الاكثر حضورا في كل ملفات المنطقة المفتوحة دون استثناء ابتداءا من شمال افريقيا في تونس وليبيا مرورا بمصر بما فيها صحراء سيناء وصولا الى اليمن والبحرين اللتان تعانيان من اختراق ايراني مقلق جدا, وصولا الى ايران وملفها النووي ونفوذها الذي يخترق المنطقة من العراق الى سوريا الى لبنان.
ملفات المنطقة كلها مفتوحة, وهي ملفات تستقطب بشدة القوى الاقليمية, كما انها ممسوكة بالكامل من القوى الدولية, ودون ان تصل هذه القوى الدولية الى اتفاق متوازن على حجم المصالح والنفوذ فإن المنطقة لن تستقر، بل هي مرشحة لأن تشهد ازمات جديدة سواء في محيطها الافريقي أو وسط آسيا كما هو حاصل الآن في مالي وتشاد ونيجيريا وافريقيا الوسطى والسودان والصومال وسد النهضة الاثيوبي ،وكما هو الحال على الجناح الاخر في اوكرانيا التي تهدد بالمزيد.
فلسطين في قلب المنطقة بحكم الجغرافيا وبحكم شعبها الذي يبدو احيانا انه المستهدف الاول والذي يدفع الثمن الاكبر نتيجة كل هذه الملفات المفتوحة, وبما ان قضية اللاجئين هي القضية الاصعب في تصورات الحل النهائي فانها تثير قدرا كبيرا من المخاوف والهواجس, وبما ان فلسطين في قلب المنطقة بحكم انها الطرف الاخر في الاشتباك الفلسطيني الاسرائيلي, ومعادلة هذا الاشتباك شديدة التعقيد فانه من غير المنطقي ان يتبلور اتفاق نهائي أو خطة اميركية نهائية ما دامت كل هذه الملفات مفتوحة الى اقصى مدى, فكلنا في المنطقة على قائمة الانتظار, فماذا نفعل خلال فترة الانتظار؟
كل الذين يواجهون هذه الحالة السياسية يرتبون اولوياتهم بحيث يقللون الخسائر الى ادنى مستوى ممكن, ويكرسون المكاسب مهما كانت بسيطة, ويرتبون البيت الداخلي بما يسمح بالقدرة على المزيد من الصمود, واستنهاض الوضع العربي والعمل على احياء المحاور العربية التي سبق لها ان منحت العرب قدرا من القوة, مع ملاحظة ان الحضور الاستراتيجي للعرب الآن, يتمثل بعبقرية المكان, والجهد الامني, والمشاركة في الاستقرار العالمي, وهذه اصبحت اهم من النفط الذي استخدم في مطلع السبعينات خاصة بعد التوقعات عن وصول اميركا المستورد الاكبر الى حالة الاكتفاء الذاتي بل والقدرة على التصدير, وكذلك نجاح المحاولات الباحثة عن الطاقة البديلة, وبالتالي فإن الوزن العربي يجب ان يستند الى معطيات استراتيجية بديلة حتى لا نخطيء في الحسابات.
فلسطين في قلب المنطقة وهي ليست عبئا على المنطقة بل يجب ان تكون قوة مضافة ورافعة اساسية, ويجب ان تكون متحالفة مع الاتي وليسمع الماضي, وهذا يحتم علينا ادارة البيت الفلسطيني في الوطن المتاح في اطار وحدة القضية الفلسطينية, بحيث ننهي حالة الانقسام والتشرذم الداخلي او نتجاوزه بطريقة ملهمة، بحيث لا يتحول الانقسام والتشرذم الى خنجر في يد الاعداء.
الوقوف في قائمة الانتظار اختبار صعب جدا, ولكن حضور الرؤية وحضور الارادة قد يجعلنا نرتب اوراقنا لنكون اقوى في المرحلة القادمة.