الشاعرة الفلسطينية نهى عودة

بدأت شعلة الحرب الأهلية في لبنان بداية في "عين الرمانة"، وكان حصار مخيمات الفلسطينيين في المنطقة الشرقية: مخيم تل الزعتر، مخيم الكارنتينا، مخيم الضبية وهو يقع على بعد 12 كيلومتر إلى الشرق من مدينة بيروت فوق تلّة مُطلّة على الطريق السريع الواصل بين بيروت وطرابلس. وقد تأسّس المخيم عام 1956 بهدف إيواء اللاجئين الفلسطينيين الذين جاؤوا من منطقة الجليل في شمال فلسطين وبالأخص من منطقة البصة، وبعض العائلات جاءت من كفر برعم، وإقرت، وحيفا، وعكا، وأغلبهم من المسيحيين.

وقد نُكِّل بهم وأبيد معظم أهالي مخيم تل الزعتر، وشُرِّد من تبقّى ونزحوا إلى مخيمات بيروت الغربية، وقد أُزيل مخيم تل الزعتر بالكامل ولم يتبقّ له أثر على مبدأ: "المخيم الذي يُدمّر لا يُعمّر". وكذلك مخيم الكارنتينا أزيل نهائيا من المنطقة الشرقية، ومخيم الضبية لم يتبق منه أو فيه إلا مَن يحمل الهوية المسيحية الفلسطينية. وبعد الاجتياح الإسرائيلي وحصار مخيّمَي: صبرا وشاتيلا، وما حصل لسكّانهما في الأحداث التي سبق وذكرتها، حيث قُتلوا وأُبيدوا.. وحدّث ولا حرج عن "رخص" الدم الفلسطيني في عُرف مَن خذلنا من العرب، وعلى ما حصل في المخيمات من قتل وتنكيل وإبادة أكثر.. ولم يكتف القتلة بذلك وإنما استمرّوا في حرب الإبادة حتى وصلت إلى مخيم برج البراجنة وهو المخيم الوحيد الذي ما بقي صامدا حتى بعد الاجتياح وحرب صبرا وشاتيلا لبضع سنين.. ولكن كأنها بضعة من أيام، فقد بدأ الحصار على المخيم في العام 1985 في شهر نيسان/ أبريل..

أحببتُ في البداية أن أذكر تفاصيل وأحداث كل ما حصل للشعب الفلسطيني منذ بداية النكبة، والدول المضيفة لهم، وما حصل لهم من قتل وإبادة في كافة مخيّمات النزوح.. حتى وصولنا إلى بيروت وبالتحديد إلى برج البراجنة.

وفي هذه اللحظات وأنا أكتب ولو بضعة من تفاصيل صغيرة، تذكّرتُ أننا اليوم ولمدة سنة تقريبا وما زالت حرب الإبادة على غزة (منذ أكتوبر الماضي 2023) وعلى شعبنا الفلسطيني، هذه الحرب التي لم يشهد لها العالم مثيلا من الإجرام والإبادة وتدمير المواريث: الثقافية والتعليمية والدينية في كل غزّة، إذ قام اليهود بتدمير كافة مرافق الحياة العمرانية والمستشفيات والجوامع والكنائس ودور العبادة والمتعلمين والمثقفين وأصحاب الشهادات العليا والخبرات ولم يسلم منهم أحد! والسؤال الذي صار "عقيما": لماذا على الشعب الفلسطيني وحده أن يتحمّل كافة المأساة؟ لماذا على الشعب الفلسطيني أن يبقى مُشرّدًا ولا يرفّ لأحدٍ أيّ جفن؟! ولن أقول أنّ الكلام يبقى مُجرّد كلام.. وما أغزر مطر الكلام الذي كاد طوفانه أن يُغرق الفلسطينيين وهو يتهاطل منذ أكثر من سبعة عقود!