الشاعرة الفلسطينية نهى عودة

لو نظرنا قليلا إلى الخلف وعبر التاريخ، أي منذ نكبة عام 1948 وحتى اليوم، ثم حرب التهجير والإبادة في فلسطين: الضفة والقدس وتحديدا غزّة 2024، تنتابنا نظرةٌ وكأنّ العلم وتحديث الأسلحة والتكنولوجيا كلها قد صُنعت فقط لحرب وقتل الفلسطينيين أينما وُجدوا.. حتى ولو كانوا لاجئين أو مقيمين في بعض الدول العربية والإسلامية.. التضييق واحد، والقتل واحد، والتهجير واحد، ضد الشعب الفلسطيني المتوحّد بالصّبر والثّبات، وكأن الأمر يتعلّق بمخطط مُتّفق عليه!

لماذا كان حصار مُخيّم البرج؟ ومن كان يقف خلف الحصار، ولماذا...؟ الجواب ظاهرٌ مثل عين الشمس، فالفاعل مُغيّب العقلِ ولكن الفكر صهيوني بكل ما تعنيه كلمة "صهيوني" من دناءة وحقارة وتوحّش.. وإلا لماذا حُوصر الأبرياء وارتُكِبت بحقهم المجازر وما زالت تُرتكب في وطنٍ هو ليس للفلسطينيين وحدهم وإنما هو لكافة العرب من مسلمين ومسيحيين!

حصار برج البراجنة دام ستة أشهر. حصارٌ خانق ومتوحّش على مخيم أعزل هادئ لا حول له ولا قوة! حصارٌ بدون سابق إنذار ولا حتى تنبيه يمنح ساكنيه فرصة لإخلائه.. حصارٌ جوّعَ اللاجئين في المُخيّم، ومُورس خلاله أفظع الجرائم: تهديم للمنازل، وقتل للأطفال، واغتصاب للنساء.. وتدمير للكرامة الإنسانية، وماذا بعد؟ ألا يحقّ لنا أن نحيا مثل باقي شعوب الأرض؟ أليس لنا نصيبٌ من هذه الحياة لنطالب به وبحقنا المسلوب وأرضنا المغتصبة؟ 

نعم نحن قدّمنا ونقدّم الشهداء فرادى وقوافل.. ونقول: سنحيا بعد مآسينا ربيعًا مزهرًا ولو لفصل واحدٍ، لموسمٍ نتذوّق فيه طعم الأمن والاستقرار والطمأنينة! ولكن للأسف لقد حاولوا أن يُنسونا أرضنا، وأصبحنا نحارب من أجل البقاء على قيد الحياة...!

أتذكّر والدي، شيخٌ في الخامسة والثمانين من عمره.. قام واحدٌ من الأنذال الذين كانوا يُحاصرون المُخيّم، بربط يديه ورجليه، ثم رشّه بالكاز (الغاز)، وأوقد فيه النار.. أحرقه حيًّا! ومن الفاعل؟ واحدٌ ممّن اعتبرناهم جيرانًا، تربّى في حيّنا ولعبنا معًا في طفولتنا.. لم يكن وحده، كان معه آخرون غيره ممّن وثقنا بهم واعتبرناهم من أهلها، ولكنهم نهبوا بيوتنا.. بيت أهلي وبيوت إخوتي وبيوتًا أخرى، ولم يكتفوا بالنهب بل أحرقوها ثم أحرقوا والدي الطاعن في السنّ! أمام هذا الموقف ماذا أقول أنا أو أنت يا من تقرأ هذه السطور.. ماذا تقول؟ إنه ليعجز اللسان عن هذا القول! حسبنا الله ونعم الوكيل، وكفى بالله نصيرا.