الشاعرة والكاتبة الفلسطينية نهى عودة (ياسمينة عكا) 

التاريخُ الذي لا يكتبه رجالٌ حقيقيون يكون مزيفًا ومُزوّرًا حسب الانتماء إلى دولة أو حزب أو حتى جماعات.
أراد الأديب المصري "ناصر رمضان"، أن يسلط الضوء على شخصية عربية نفتخر بأنها مرّت في تاريخنا العربي الحديث، فكان بإمكاننا أن نبحث، نسأل، ونحكم ونعلم تمامًا أين وجه الحق. أؤمن تمامًا كما الأقلية السائدة أنه في كتابة التاريخ ومعايشة الحاضر عليك أيضًا إنصاف عدوّك بشخصيته أو حضوره أو حتى عداوته المطلقة لك ووفائه لوطنه، وهناك أمثلة كثيرة في التاريخ تعيد نفسها. ولأنّ التاريخ هو سُنّة الله في خلقه، وما هو إلا وجوه تتغير وشعوب تتلاشى ويأتي غيرها يخطِئون الأخطاء ذاتها والصواب ذاتها أيضًا.

"الرّاحل العظيم"، وكما وصفه الأديب "ناصر رمضان": (رائد العدالة الاجتماعية)، الرئيس المصري الراحل "جمال عبد الناصر" القائل: "إنّ الأيدي المرتعشة لا تقوى على البناء"، هو شخصية كتاب "منمنمات ثقافية" الذي كَتَبَه وسرده الأديب "ناصر رمضان" بحِرفيّةٍ عاليةٍ وبوضوحٍ مُنصفٍ وشواهد حيّة، ولم يكتفِ بمحبته لهذا القائد العظيم بل جاءَ بإنجازاتِه وسلّطَ الضوء عليها والتي يعلمها القاصي والداني، ومنها على سبيل الذِّكر: (القضاء  على الباشويّة والباهويّة، فتح باب التعليم للفقراء بعد أن كان حِكرا على الأغنياء، بناء السدّ العالي، تحويل الرّي إلى ريٍّ دائم وتوفير الكهرباء لإنارة المدن والقرى، إنشاء الصناعات الثقيلة مثل: الحديد والصلب والمصانع الحربية وتجميع السيارات..)، غير أنّ أهمّها شعار مجانية التعليم والعلاج، ورفع شعار العمل حق العمل واجب، والعمل شرف، وقد حقّق ذلك بتوفير فرص العمل للناس والفقراء وحفظ ماء وجه "الغلابة".

 كما أنه جاء على ذِكر أعدائِه ومَن كادوا له المكائد، والذين أنا على يقينٍ تامٍّ بأنّهم يلعنونه في الملأ ويبصقون على أنفسِهم سرًّا لمدى صدقيّته وعرويّتة الأصيلة وإيمانه بوطنِه، فعلى قدرِ ما كانَ رجلا يحبُّ وطنه المصري والعربي، وكان يعشق فلسطين التي كانت لها الحصة الأكبر في قلبه.

لقد توسّع الأديب "رمضان" في حيثيات كثيرة ومُؤامرات متعدّدة أُحيكت ضد الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"، إلا أنّه ظلّ حقيقةً وطنية ثابتة خلّدها التاريخ وكتبَ عنها العديد من الأدباء والشعراء، بالإضافة إلى كُتبِ الصحفي "محمد حسنين هيكل" ومُؤلّفات "حسنين كروم" والكثير غيرهم.. لكن أديبنا أثنى على كتاب الدكتور "رؤوف عباس": (ثورة يوليو إيجابياتها وسلبياتها بعد نصف قرن، دراسة تاريخية)، والكتاب الثّاني، ولا غنى عنه لمن يحبُّ عبد الناصر، هو كتاب "جمال عبد الناصر" الذي ألّفه مجموعة من المؤرّخين المُتخصِّصين في التاريخ الحديث تحت إشراف الدكتور "عادل غنيم". كما كتب العديد من الشعراء والأدباء حول هذه القامة الوطنية التي نقدّرها ونحترمها، منهم: محمود درويش، أمل دنقل، فدوى طوقان، عبد الكريم الكرمي، سعيد الغول، خليل جرجس خليل وغيرهم الكثير.

الوفاء سمة نلمسها في كتاب "منمنمات ثقافية" حيث بدأ الأديب "رمضان" بالشكر والثناء لجميع من سَنَد وساعدَ فكرة تأسيس "ملتقى شعراء العرب" وخاصة المرحوم المهندس "رشيد عبد الرحمن التنير".
أمّا أنا فقد ترعرعتُ على حبِّ هذا القائد في منزلٍ يقدّسُ دورَه ونضاله ويُطلق عليه "قائد الأمة العربية"، حتى أنني كنت أسمعُ الرّوايات الكثيرة التي تقول بأنَّ الناس قد شاهدوا وجهه في القمر عند موته (وإن كان هذا يدلُّ على شيء فإنّما يدلُّ على مدى الحب والثقة)، وكم شعروا بالخذلان والخوف من فقدانه، فهو رجل الأمة العربية وقائدها الغيور عليها، وهذا كلّه كان يسرده أبي على مسامعنا دومًا، وكان يعبّرُ عن مدى وطنيّة هذا الرجل وأبي رجلٌ فلسطيني صادقٌ ولا يُجامل وما يقوله في معرض التاريخ هو شهادة حقٍّ لا تحتمل إلاّ الصّدق.

لكن الحدث الأجمل في حياتي هو زيارتي لقبره.. عندها شعرتُ برهبة وجوده وحضوره، وأنّ الموت لم يفقده هيبته بل زادها وخلده، واتّخذتُ مساري نحو قاعة اجتماعاته وتخيّلته كيف كان، ثم كتبتُ بعض الكلمات في معقل ضريحه، وأنا على ثقة بأنه سيعلم يومًا كم كنت أحبه، رحم الله القائد العظيم جمال عبد الناصر.