رغم المجازر اليومية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة التي ينفذها ضد شعبنا في قطاع غزة، ورغم عدوانه المستمر ضد شعبنا على طول مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية والعاصمة الفلسطينية القدس، إلا أن هناك حربًا لا تقل ضراوة يشنها هذا الاحتلال ومنذ زمن، تستهدف الرموز الوطنية الفلسطينية، المسجد الأقصى، وقبة الصخرة، وكنيستي المهد والقيامة، والعلم الفلسطيني، ومفتاح العودة، والكوفية الفلسطينية والنكبة، وحنظلة، والأسير، وغيرها من رموز الوعي والثقافة الفلسطينية، وتبقى رمزية الشهيد، الشهيد كشخصية ثائرة ضد الاحتلال، وفكرة دالة على الخلود والحرية والعودة التي تجذرت في وعي الإنسان الفلسطيني في مواجهة الاحتلال أحد أهم وأقدس رموز هذا الوعي الوطني الفلسطيني الذي يتعرض لاستهداف الاحتلال.

إن الحرب الإسرائيلية ضد الرموز الفلسطينية إنما تسعى من خلالها إلى تجريم النضال الفلسطيني، وضرب منظومة قيمة الوطنية، وصولاً إلى إلغاء حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والتحرر من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة، هذا الشكل من العدوان نجده في مركز الخطاب السياسي والإعلامي وفي كافة أشكال القمع والترهيب والتحريض الإسرائيلي.

لقد استهدف الاحتلال الإسرائيلي رمزية الشهداء على مدار سنوات وأيام الاحتلال، فمن احتجاز جثامين الشهداء لأسابيع وشهور في ثلاجات الموتى، إلى احتجازهم لسنوات طويلة في مقابر الأرقام، وصولاً إلى ممارسة كافة أشكال العدوان للضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية لوقف صرف مخصصات أسر الشهداء والأسرى، ووقف ما تسميه إسرائيل "التحريض" بما يتضمن تمجيد الشهداء في الخطاب السياسي والإعلامي الفلسطيني.

وجاء الرد الفلسطيني على سياسة الاحتلال عبر العديد من الإجراءات التي قامت بها السلطة الوطنية الفلسطينية وفصائل العمل الوطني الفلسطيني والمؤسسات الوطنية، والتي منها استدامة صرف مخصصات أسر الشهداء والأسرى، وتكريم الشهداء بإطلاق أسمائهم على المدارس والمراكز الثقافية والشوارع والميادين وقاعات الجامعات وأفواج الخريجين في الجامعات ودورات المؤسسة الأمنية الفلسطينية والمخيمات الصيفية وغيرها.

وفي قرية جميلة من قرى قلقيلية، قرية عزون عتمة التي تبعد حوالي ثلاثة كيلومترات عن الخط الأخضر، والتي يفصلها الجدار العازل عن باقي مناطق الضفة الغربية ويبقيها حبيسة ما بين الجدار الفاصل والخط الأخضر، أقامت مؤسسة الأشبال والزهرات في حركة "فتح" إقليم قلقيلية بالتعاون مع نادي بيت أمين عزون عتمة الرياضي والمجلس الأعلى للشباب والرياضة والمؤسسة الأمنية الفلسطينية واحدًا من أكبر المخيمات الصيفية، وحمل المخيم اسم الشهيد صلاح خلف "أبو إياد" تخليدًا لذكرى ورمزية قائد من أبرز قيادات الحركة الوطنية الفلسطينية.

الشهيد صلاح خلف "أبو إياد" الذي عرف الاعتقال لأول مرة في حياته وهو في الثانية عشرة من العمر، وذلك في عام 1945 حين داهمت شرطة الانتداب البريطاني منزل أسرته واعتقلته بتهمة الاعتداء على تلميذ يهودي، كان رئيسًا لرابطة الطلاب الفلسطينيين خلفًا للشهيد ياسر عرفات في عام 1955، وهو أحد أبرز مؤسسي حركة فتح وعضو لجنتها المركزية، وواحد من أهم مفكري الثورة الفلسطينية، ومؤسس أول جهاز أمني للثورة، جهاز الرصد الثوري، كان إلى جانب ياسر عرفات وخليل الوزير وسعد صايل في قيادة قوات الثورة، وشارك في جميع معاركها حتى استشهاده في 14 كانون الثاني/ يناير1991 في تونس.

بالعودة إلى استهداف الاحتلال الإسرائيلي لرمزية الشهداء، ما كان لحدث مثل مخيم الشهيد صلاح خلف أبو إياد أن يمر بعيدًا عن حملة ضارية من التحريض على مواقع الإعلام العبرية وخاصة تلك التابعة لليمين الإسرائيلي والمستوطنين، حيث جاء في أحد الأخبار تحت عنوان "المخيم الصيفي الكبير لمنظمة فتح الإرهابية"، وفي متن الخبر الذي تحدث بكل عبارات التحريض عن الشهيد القائد أبو إياد، جاء في الخبر أن هذا المخيم سمي على اسم "الإرهابي صلاح مصباح خلف الملقب أبو إياد نسبة إلى زعيم "فتح"، الساعد الأيمن للإرهابي ياسر عرفات، وأحد قيادات حركة "فتح" الذي دعا للكفاح المسلح ضد إسرائيل"، وتحدثت الأخبار العبرية عن أن الأطفال في المخيم تسلموا قمصانًا عليها صورة الشهيد أبو إياد، مع شرائط "فتح" على جباههم، معتبرةً ذلك "إشادة بالإرهابيين الذين تم القضاء عليهم"، وتعليمهم السير على طريق النضال الفلسطيني، وعلى طريق الشهداء، وتحدث الإعلام العبري أن المخيم الصيفي تمت قيادته من قبل ضباط كبار في أجهزة الأمن الفلسطينية، ونشطاء بارزين في حركة "فتح".

إن منظومة الاحتلال الإسرائيلي من خلال تجريمها لرمزية الشهداء إنما تسعى إلى تجريم النضال الفلسطيني، بكافة الأدوات والوسائل بدءًا من الخطاب السياسي والإعلامي الممنهج، مرورًا بكافة أشكال القمع والترهيب والتحريض، وصولاً إلى ضرب الوعي والاستقلال الوطني الفلسطيني.